من المتوقع أن يلتقي قادة طالبان بزعماء المعارضة الأفغانية، في العاصمة الروسية موسكو، في الأيام القادمة، وهو تطورٌ قد يزيد من تقويض سُلطة حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، التي وَجدت نفسَها مستبعدةً من المحادثات التي تسعى إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 17 عاماً.
فبينما يقول قادة الحركة إنَّهم قريبون من عقد اتفاقٍ مع الدبلوماسيين الأمريكيين حول القضايا الأساسية، رفضوا الاجتماع مع الحكومة الأفغانية، وفق صحيفة The New York Times الأمريكية.
القلق ساوَر الرئيس الأفغاني
أعرب غني مراراً عن قلقه من أنه إذا سارع الأمريكيون إلى عقد اتفاق مع طالبان قبل أن توافق الحركة على التفاوض مع مسؤوليه، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الدولة الأفغانية الهشة التي بُنِيَت بتكلفة هائلة.
ولا شك أنَّ الرئيس الأفغاني سيزداد غضباً بسبب تجاهله من جانب قادة طالبان، واتجاههم إلى مقابلة بعض الساسة الأفغان البارزين، الذين يُعد العديد منهم على خلافٍ معه.
وقد قال صبغة الله أحمدي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية: "في الوقت الراهن، لا نرى أنَّ هناك حاجةً إلى عقد اجتماعٍ كهذا. نعرف أنَّه لن يساعد أفغانستان في الوصول إلى السلام على الإطلاق، لذا فهو ليس أكثر من مجرد أزمة سياسية".
النخبة الأفغان مَن سيحضرون
قال مسؤولون وأعضاء في أحزاب سياسية أفغانية إنَّ الدعوات إلى المحادثات المقرر إجراؤها في موسكو يومي الثلاثاء 5 فبراير/شباط والأربعاء 6 فبراير/شباط، قد أُرسِلَت إلى مُمثِّلين عن قطاعٍ عريض من النخبة السياسية في البلاد، بما في ذلك جميع الأحزاب الرئيسية.
ولم يتضح على الفور مَن الذي سيُنظِّم الاجتماع أو مَن سيحضره.
وقال بعض الذين تلقّوا دعواتٍ إنَّ مجموعة من الأفغان المغتربين هي التي تُنظِّم تلك المحادثات، لكنَّ مكان المحادثات -وهو فندق President Hotel الذي تعود ملكيته إلى الكرملين- وعدد التأشيرات اللازمة للسفر وحضور الاجتماع يشيران إلى أنَّ المُنظِّمين -على أقل تقدير- يعملون مع الحكومة الروسية عن قُرب.
وقال مسؤول أفغاني بارز، إنَّ زامير كابولوف، المبعوث الرئاسي الروسي إلى أفغانستان، هو مَن وراء هذه المبادرة.
وفي عدة مناقشاتٍ حول إمكانية عقد اجتماعٍ كهذا، أوضحت الحكومة الأفغانية أنَّها لن تُشارك إلَّا في محادثات مباشرة مع طالبان، وليست محادثات تكون فيها الحكومة واحدةً من بين عدة أحزاب على طاولة المفاوضات، بحسب ما ذكره المسؤول.
ورداً على سؤال عن هوية مُنظِّم الاجتماع، قال قياديٌ بارز في طالبان إنَّه الاتحاد الروسي.
روسيا ابتعدت عن المفاوضات الرسمية
على المستوى العلني -على الأقل- سعت روسيا إلى أن تنأى بنفسها عن المحادثات، فلم تذكرها ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، في أثناء مناقشة تطورات الوضع الأفغاني في مؤتمرٍ صحفي أسبوعي.
بينما نقلت وكالة Tass الحكومية الروسية للأنباء، عن وزارة الخارجية قولها، إنَّ المحادثات لا علاقة لها بالمفاوضات الرسمية التي استضافتها الحكومة الروسية من قبل، والتي كان من بينها مؤتمرٌ عُقِد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بموسكو، استضافه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وحضره كذلك ممثلو حركة طالبان.
ومن جانبه قال أحمدي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية، إنَّ روسيا أقرَّت رسمياً بأنَّ المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب يجب أن تكون بقيادة الأفغان إذا كانت تهدف إلى تحقيق سلام دائم. وأضاف: "نأمل أن تفي روسيا بهذا الوعد".
جديرٌ بالذكر أنَّ هناك العديد من الساسة الأفغان سيحضرون الاجتماع، من بينهم حامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق، وعطا محمد نور، وهو مُحافظٌ سابق، وأحد قادة حزب الجمعية الإسلامية الذي يُعد حزباً سياسياً رئيسياً، وذلك وفقاً للتأكيدات الصادرة من مكتبيهما. بينما قال مكتب محمد محقق، زعيم حزب الوحدة -الذي يعد من الأحزاب الرئيسية أيضاً- إنَّه يُفكِّر في الحضور.
وقال سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان في العاصمة القطرية الدوحة، إنَّ الحركة سترسل ممثلين عنها من المكتب الذي يقود المفاوضات مع دبلوماسيين أمريكيين.
الرئيس السابق غضب من محادثات أمريكا مع طالبان
يُذكر أنَّ الرئيس السابق كرزاي غضب بشدةٍ، حين كان في السُّلطة، من جهودٍ مشابهة قادتها الولايات لبدء المحادثات مع طالبان، واعتبرها -مثل الرئيس الحالي أشرف غني- إضفاءً للشرعية على حركة طالبان المتمردة، واستبعاداً له من الخطوات الأولى نحو التوصُّل إلى الاتفاق، لدرجة أنَّه أوقف محادثاتٍ مع الأمريكيين بشأن اتفاقية أمنية استراتيجية مدةً قصيرة.
وانتقد آنذاك الساسة الأفغان الذين ذهبوا إلى فرنسا للقاء طالبان في محادثاتٍ ربما تُعَد أقل مباشرةً بكثير من محادثات موسكو المنتظرة.
هذا وقد قال مسؤولون مقربون إلى الرئيس أشرف غني، الذي يسعى إلى الفوز بولايةٍ رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، في الانتخابات المقرر إجراؤها في يوليو/تموز القادم، إنَّ قادة المعارضة يرون أنَّ قدرتهم على توزيع الرعاية السياسية فيما بينهم قد تقلَّصت بسبب الإصلاحات التي حققها الرئيس الأفغاني.
واتهموا زعماء المعارضة بالاحتشاد وراء عملية سلام مُعجَّلة، لأنَّهم يريدون نصيباً من السلطة في أي حكومةٍ مؤقتة ستضم طالبان، حتى لو كان ذلك يعني تهديد التقدم الذي أحرزته البلاد منذ أن طُرِدَت الحركة المتمردة من السلطة في عام 2001.
كبير مفاوضي حركة طالبان يتحدث عن تأجيج المخاوف
وقد أسهمت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها شير محمد عباس ستانيكزاي، كبير مفاوضي حركة طالبان، في تأجيج هذه المخاوف.
إذ قال ستانكزي في مقابلةٍ مصوَّرة مُسجَّلة انتشرت في أفغانستان إنَّ طالبان لا تعترف بالحكومة، وتوقَّع حلَّ الجيش الأفغاني بعد التوصُّل إلى اتفاق سلام، مما أعاد إلى الأذهان الفوضى التي أعقبت انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان.
وقال ستانكزي في المقابلة: "هذه القوة، وهذا الجيش صُنِع بأيدي الأمريكيين، لذا سينتهي بالطبع حين يغادر الأمريكيون".
وربما تكون تصريحات ستانكزي مجرَّد سعي إلى تقوية موقفه في المفاوضات، إذ قال إنَّ طالبان لا تسعى إلى "احتكارٍ" سياسي في أفغانستان. لكنَّ البعض يرى أنَّ لهجة خطابه، الذي قال فيه: "سنُشرِك الأمة وسنمنحها نصيباً"، تشير إلى أنَّ الحركة ترى نفسها قوةً مهيمنة في الحكومة المستقبلية.
أمَّا زعماء المعارضة، فقالوا إنَّ أشرف غني أقصى العديد من أفراد النخبة السياسية في البلاد، بما في ذلك بعضُ الذين ساعدوا في إيصاله إلى السلطة. وذكروا أنَّه أهدر فرصةً نادرة لإحلال السلام، وأنَّ معارضته للمحادثات نابعةٌ من خوفه أن يفقد فرصة البقاء خمس سنوات أخرى في السلطة.
إذ ذكرت فاريبا أحمدي كاكر، عضوة البرلمان الأفغاني من إقليم قندهار في جنوب أفغانستان، أنَّ أي حوار حول إنهاء الحرب يُعد موضع ترحيب، لكنَّ غياب الحكومة عن المحادثات في الدوحة من قبل، وفي موسكو الآن، من شأنه أن يُعقِّد الوضع.
وقالت: "غياب الحكومة عن كل هذه المحادثات يؤلمنا، فحتى إذا كانت الحكومة قد ارتكبت أخطاء، فهذه حكومتنا، وهذه قيادتنا. ويمكن أن يؤدي غياب الحكومة عن اجتماعات تشهد نقاشاً حول مستقبل أفغانستان إلى استفادة طالبان على حساب النظام هنا".
لكنَّها أضافت أيضاً أنَّها قلقةٌ بالقدر نفسه من نشوب انقساماتٍ بين النخبة السياسية الأفغانية. إذ قالت: "آمل ألَّا نصل إلى يومٍ تكون فيه طالبان مستعدةً للسلام، لكنَّ قادتنا لا يستطيعون إقامة سلام مع بعضهم بعضاً".