قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن المحاولات الخارجية لتغيير النظام في فنزويلا عبر الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو لن تُفلح، وإن الحل فقط سيكون من الداخل، والتاريخ شاهد على ذلك.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن جميع الأزمات تأتي من الخارج، حينما تأتي جميع الحلول من الداخل – وفنزويلا هي أحدث مثال على ذلك. فما إن أعلن السياسي الطموح الشاب، خوان غوايدو، نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا الشهر الماضي، ليحل محل الثوري المُسن نيكولاس مادورو، حتى تدافعت دول العالم للتدخل في الأمر.
ترامب يبحث عن النفط
إذ أصرت إدارة ترامب على أنه يجب على جميع الدول "اختيار جبهة" منهما ودعم "قوى الحرية". وأدانت روسيا "الانقلاب" المدعوم من الولايات المتحدة. أما الصين والدول المجاورة لأمريكا اللاتينية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، فقد سارعت باتخاذ موقف، بما يتوافق مع مصالحها وأحكامها المسبقة، بحسب الصحيفة البريطانية.
في الأسبوع الماضي، أصبح الشد والجذب العالمي حول مستقبل فنزويلا خطيراً بشكل متزايد -وغير مُجدٍ- مع المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في الشوارع وتفاقم المأزق السياسي.
ويهدد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بـ "عواقب وخيمة" (أي التدخل العسكري) في حالة تعرض غوايدو للأذى أو الهجوم على أنصار المعارضة. ويحذر مادورو من أن الولايات المتحدة قد تواجه فيتنام ثانية.
يعدّ بولتون، إلى جانب مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، وماركو روبيو، العضو الجمهوري اليميني في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، القوى المحركة الأساسية في مغامرة واشنطن الأخيرة لتغيير النظام في فنزويلا. ولدى بولتون دافع أيديولوجي، إذ إنه أحد صقور مؤيدي الحرب في العراق وأحد المحافظين الجدد البارزين. ويضم "محور الشر" الجديد الذي أعلن عنه، بعد أن بدا أن دولتَي العراق وكوريا الشمالية قد اُستبعدتا، كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا (لكنه لا يزال يهاجم إيران).
يتحدث روبيو بالنيابة عن اليمين الأمريكي الكوبي الذي يبغض تحالف كاراكاس وهافانا ويسيطر على جنوب فلوريدا، وهي ساحة معركة رئيسية في انتخابات عام 2020. أما بالنسبة إلى ترامب، فيُعرف أنه منذ عام 2017 يؤيد "خياراً عسكرياً" في فنزويلا. بالنسبة له، فإن هذا التصعيد المفاجئ هو إلهاء مرحب به عن هزيمته في مسألة بناء جدار على الحدود المكسيكية.
ترامب سيتراجع أيضاً
وبغض النظر عمّا يقوله بولتون، فإن ترامب لن يصعّد الأمر بالضرورة؛ إذ إنه معتاد على التراجع عندما تتأزم الأمور – وتشهد خطته لسحب القوات الأمريكية من سوريا على ذلك. ولا يعد التدخل في شؤون الدول الأجنبية من الأمور التي يحبّذها ترامب. والمعارضة الشرسة من رفيقه الشرير، فلاديمير بوتين، ستجعله يفكر في الأمر بروية. وتعرض موسكو الوساطة، والتي، إن حدثت، من شأنها أن تضعف مكانة وهيبة الولايات المتحدة في "منطقة نفوذها". وبالنسبة لبوتين، فإن مسألة فنزويلا بالنسبة له تماثل مسألة أوكرانيا بالنسبة لواشنطن. وهو سيودّ كثيراً أن يقلب الطاولات ويعامل الولايات المتحدة بإذلال مماثل.
يقول مادورو إن ترامب يطمع في الحصول على نفط فنزويلا -وبالنظر إلى محاولة الولايات المتحدة الأسبوع الماضي سحب عائدات شركة النفط الحكومية باسم الديمقراطية، فإن ذلك يبدو معقولاً- ولكن روسيا تريد الشيء نفسه، وتشمل مصالحها في فنزويلا مبيعات الأسلحة أيضاً.
أما شاغل الصين الوحيد فهو الاستقرار التجاري، وليس شرعية النظام. ومثلما فعلت في زيمبابوي عام 2017، لم تعلن انحيازها لأحد الأطراف، خشية على استثماراتها التي كانت على المحك، حتى سقط روبرت موغابي.
وتسببت الضجة الكبيرة التي أثارها غوايدو في اتساع نطاق التداعيات التي بالكاد تُعنى بمعاناة الفنزويليين؛ إذ تتبع بريطانيا عادة السياسة المعقولة المتمثلة في الاعتراف بالدول، وليس حكومات بعينها. لذا فإن قرار جيريمي هانت، وزير الخارجية البريطاني، بالاعتراف بغوايدو زعيماً شرعياً لفنزويلا، وهو لا يتمتع بأي سيطرة على الدولة أو يملك حكومة بديلة، يبدو متسرعاً، كما تقول الصحيفة البريطانية.
بريطانيا لديها أهدافها أيضاً
يمكن تفسير قرار هانت في ضوء أمل بريطانيا البائس في الخروج من الاتحاد الأوروبي لنيل رضا ترامب. وعلى نحو مماثل، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي أنشأ آلية جديدة الأسبوع الماضي للالتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران، يفضل دعم تغيير النظام في فنزويلا من بعيد على المخاطرة باستفزاز ترامب بصورة مباشرة. وبالتالي ستجد أوروبا، ذات الرؤى السامية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، نفسها شريكة لبعض الدول الأدنى، مثل البرازيل تحت حكم جائير بولسونارو، كما تقول الصحيفة البريطانية.
بالنسبة لليسار الأوروبي، بما في ذلك جيريمي كوربين البريطاني، فإن "الثورة الاشتراكية البوليفارية" التي قادها سلف مادورو، الراحل هوغو تشافيز، وعلاقتها الوثيقة مع كوبا في عهد كاسترو، ما زالت تمثل قضية مهمة. وقد أسفرت المحاولة الواضحة للانقلاب عليها عن طريق سياسي مبتدئ من الطبقة المتوسطة ومدعوم من أمريكا، عن رد فعل سلبي للغاية، دون التفكير في إخفاقات الثورة.
وبالمثل، فإن اغتصاب غايدو لسلطة مادورو "مغتصب السلطة" قد أُشيد به باعتباره فجراً جديداً على اليمين الأمريكي الليبرالي الجديد الذي يناصر التدخل في شؤون الدول، ولاقى دعماً الأسبوع الماضي بعودة إليوت أبرامز، وهو أحد المؤيدين البغيضين للحرب الباردة في الثمانينيات ووصف نفسه بأنه "ضد الثورات"، مبعوثاً لترامب إلى فنزويلا. وهذا التدخل يزيد من ارتباك الوضع.
4 احتمالات للحل
ومع ذلك، فإن جميع المناورات الدولية والحيل الجيوسياسية التي وقعت الأسبوع الماضي لم تغير البدائل الأساسية الأربعة التي تواجه الفنزويليين، ألا وهي: التمسك بمادورو والأمل في أن تتحسن الأمور بطريقة ما، أو خطر استيلاء الجيش الفنزويلي على السلطة لمدة غير محددة، أو التفاوض على انتقال ديمقراطي متفق عليه يؤدي إلى انتخابات حرة، على النحو الذي دعا إليه غوايدو، أو مواجهة حرب أهلية محتملة وتدخل أجنبي.
يبدو الخيار الصحيح واضحاً، لكن هذا لا يعني أنه سيحدث. وهناك شيء واحد مؤكد، أن أي حل دائم، إذا جاء وعندما يُنّفذ، سيكون محلياً – كما يبين لنا التاريخ. عام 1913، أعلن وودرو ويلسون: "سأعلم جمهوريات أمريكا الجنوبية انتخاب رجال صالحين". ومن نافلة القول أنه لم يفعل، ولم يكن يعنيه أن يحاول. ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من قرن، تجب إعادة استخلاص الدرس من جديد: فرض الحلول من الخارج لا ينجح.