الرفوف فارغة في متاجر البقالة بعدما أصبح الطعام نادر الوجود وباهظ الثمن، والناس يفرِّون من البلد بمعدلاتٍ قياسية، ولكن الأخطر أنه بسبب ظروف الحياة الصعبة في فنزويلا، فإن الفقراء بدأوا ينقلبون على راعيهم السابق الذي طالما أيدوه دوماً.
فالأسعار ترتفع في فنزويلا بشكل جنوني، حتى أن التضخم مؤهل إلى أن يصل إلى 10 ملايين% في العام الجاري 2019، بينما تأثير المساعدات الحكومية التي اعتادت الحكومة تقديمها للفقراء يكاد يتلاشى، حسب ما ورد في صحيفة The New York Times الأمريكية.
العالم مشغول بصراع هذين الرجلين، ولا أحد يتحدث عن ظروف الحياة الصعبة في فنزويلا
في ظل هذا المشهد البائس، كانت حالة الغضب الشعبي قد بلغت بالفعل ذروتها حينَ أعلن خوان غوايدو، زعيم المعارضة ورئيس الجمعية الوطنية، خلال الأسبوع الماضي، نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد. فيما تعهَّد نيكولاس مادورو، الرئيس الذي أُعيدَ انتخابه في الآونة الأخيرة، بمواصلة عمله.
سرعان ما تحوَّل الاهتمام الدولي إلى الرجلين اللذين يخوضان صراعاً مُحتدماً بهدف السيطرة على البلاد.
ولكن في خِضَم هذا التجاذب السياسي، لا يزال المواطنون العاديون في فنزويلا يكافحون من أجل العيش في بلدٍ يزداد عُنفاً أكثر فأكثر، حيث أصبح نقص الغذاء وانقطاع الكهرباء ونقص المياه هو الواقع الجديد.
إلى جانب عمليات القمع اليومية التي تُشنُّ على المعارضة بشكلٍ اعتيادي ومُنتظم.
حتى أن الفقراء باتوا يتظاهرون ضد زعيمهم القديم
مع استمرار المظاهرات، تخرج مجموعاتٌ جديدة إلى الشوارع بما فيهم أولئك الذين كانوا يوماً من أشد مؤيدي مادورو وسلفه هوغو تشافيز.
صحيفة صحيفة The New York Times الأمريكية طلبت من سكان مدينة كاراكاس وصف أوضاع معيشتهم هذه الأيام، وهل تشكل هذه الأوضاع عاملاً يدفعهم للمشاركة في المظاهرات.
"ابني كان يحبه ولكننا نتضوَّر جوعاً الآن"
تقليدياً كانت الحكومة تستفيد من مساندة سكان الأحياء الفقيرة في العاصمة كراكاس لها، مثل أوريستيلا دوناوا، (67 عاماً) وعائلتها.
قالت أوريستيلا: "نحن نتضوَّر جوعاً هنا"، واصفةً ما تُعانيه هي وابنها ديكسون برونتي من أجل إعالة أحفادها.
وأضافت: "ابني لديه طفلة في التاسعة من عمرها وصبي يبلغ من العمر 17 عاماً، وليس بمقدوره شراء أي شيءٍ لهما. أصبح هذا أمراً مستحيلاً".
لم تُصوِّت أوريستيلا مُطلقاً لأيٍّ من مادورو أو تشافيز، لكنَّ ابنها كان مؤيداً للحكومة الاشتراكية.
وقالت: "لا أعلم إن كان صوَّت لصالح تشافيز حقاً، لكنَّه تعاطَف معه".
ورغم أنهم يستفيدون من دعم الحكومة، لكنهم ساخطون
ويُعتَبَر برونتي وأمه أوريستيلا من السكان المستفيدين من العديد من البرامج الحكومية، مثل برنامج "Misión Vivienda"، الذي يوفر مساكن تأوي الفقراء.
كما يستفيدان من برنامج آخر لتوزيع المواد الغذائية، يُعرف باسم " CLAP".
لكنَّ أوريستيلا قالت إنَّ صندوق المساعدات الغذائية الذي تُقدمه الحكومة غالباً ما يقتصر على السكر والمعكرونة والحليب المُجفف.
والآن ها هو يلتحق بالمظاهرات المناهضة للحكومة الشيوعية
ومع تدهور الاستحقاقات، قرَّر برونتي الانضمام إلى صفوف المُحتجين الذين يُطالبون بإسقاط الحكومة، بعد أن كان يوماً مُناصراً لها.
وقبل أسبوعين، أُصيبَ برونتي خلال المُظاهرات بطلقٍ ناري في المعدة من مسافةٍ قريبة على يد قوات الأمن، وهو الآن طريح الفراش بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين، وهو ما ضاعف العبء على الأسرة.
وقالت أوريستيلا وهي جالسة على سرير ابنها: "لا أستطيع البقاء هنا في المستشفى والنوم على كرسي. لا يعني ذلك أنَّني أُعارض مشاركته في المظاهرات، إنَّه يفعل ذلك كغيره من الفنزويليين غير الراضين عن هذه الحكومة الشيوعية".
لقد عالجت الحكومة ابني المُصاب بسرطان الدم، ولكنه خرج ضدهم
عندما اكتشفت لورديس سيدينو، 41 عاماً، لأول مرة أن ابنها مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا)، قبل ست سنوات عالجته في المستشفيات الحكومية، ولكنه اليوم يتظاهر ضد الرئيس مادورو.
كانت الأشياء لا تزال تحت السيطرة حينها؛ إذ نُقل ابنها من أحد المستشفيات الخاصة إلى المستشفى المركزي العام في فنزويلا، حيث تلقَّى العلاج الطبي على نفقة الدولة.
أخذ ميغيل يتعافى لسنواتٍ، ولكن في عام 2017، هاجمه السرطان مُجدَّداً. حينها تبدَّل كل شيءٍ، حسبما قالت لورديس، بسبب ظروف الحياة الصعبة في فنزويلا.
فقد اختلف وضع القطاع الصحي، وأصبحت تُسابق الزمن للحصول على العلاج المناسب لحالته.
وقالت: "كان علي شراء كل شيءٍ؛ العلاج الكيميائي، والمضادات الحيوية، وحتى الإبر. بل أصبح الأمر الآن أسوأ. إذ يتوجَّب علىَّ شراء القفازات، والقطن، والكحول، والماء، وحتى أنابيب المُختبر في حال احتجتُ لإجراء فحص دم".
لأن المستشفى الحكومي أصبح رمزاً للانهيار الكارثي
أصبح المستشفى الرئيسي في فنزويلا رمزاً للانهيار الكارثي للرعاية الصحية في البلاد. إذ غالباً ما يخلو من المياه الجارية، والأدوية، وحتى الأطباء.
ويعاني المستشفى كذلك انقطاع الكهرباء بصورةٍ مستمرة، مما أدَّى إلى وفاة المرضى، حسبما قال سياسيون معارضون.
وأوضحت لورديس أنَّها لم تكن من مُناصري تلك الاحتجاجات، لكنَّ ابنها أخبرها بأنَّه حريصٌ على المشاركة فيها.
إذ تقول: "قال لي، أنا أرغب يا أمي في التظاهر وجعلهم يشعرون بالغضب الذي أشعر به كل يومٍ في هذا المستشفى بدون أي مساعدة".
قائد بالحرس الوطني الفنزويلي يتظاهر في أمريكا
كان سوني بارزا، 35 عاماً، ذو الـ35 عاماً، قائداً في الحرس الوطني الفنزويلي وسرعان ما حصل على ترقيات، حائزاً على ثقة المسؤولين الذين اعتادوا الاعتماد عليه، بما فيهم نجل الرئيس نيكولاس مادورو. لكنَّه لم يكن يؤيد قرارات رؤسائه على الدوام.
قال: "لم أتفق مع سياساتهم قط".
وقبل عامين، فرَّ بارزا من فنزويلا قاصداً الولايات المتحدة، حيث يُدير هناك شركة في الوقت الحالي.
لست بحاجة إلى العفو
يُذكر أنَّ غوايدو، بصفته رئيساً مؤقتاً للبلاد، اقترح العفو عن أفرادٍ من القوات المسلحة من الراغبين في إسقاط حكومة مادورو، لكنَّ بارزا غيرُ مُتأكدٍ مما إذا كان سيعود مُجدَّداً.
قال بارزا: "لقد عمِلتُ من الداخل ضد الحكومة"، مُضيفاً أنَّه لم يكن يعتقد بالضرورة أنه بحاجةٍ إلى طلب العفو.
وفي حين أنَّه يرغب في أن يُشارك في بعض تلك المظاهرات التي تُقام في الولايات المتحدة، فهو لم يعد لديه وقت في جدول أعماله المزدحم. ولكن للمرة الأولى منذ سنواتٍ، يرى بارزا طريقاً للمضي قدماً بالنسبة لبلده.
إذ قال: "لديَّ إيمانٌ وأمل".
احتُجزت لمدة 118 يوماً في غرفةٍ بلا نوافذ
عَرفت ليزبيث آنيز، 52 عاماً كيف يبدو القمع الحكومي ضد المعارضة، حب وصف الصحيفة الأمريكية.
إذ اعتُقِلت في مايو/أيار عام 2017، بتهمة التورط مع جماعات تُنظِّم مُظاهراتٍ مُناهضة للحكومة.
وقالت: "قدَّمت لهم الطعام، وعرضتُ عليهم المأوى. لهذا السبب يدعونني ماما".
لمدة 118 يوماً، احتُجِزَت ليزبيث في غرفةٍ بلا نوافذ مع امرأةٍ أخرى مُتهمة بتهريب الوقود.
وبعد خروجها من السجن لم تعد كما كانت
وبعد انتهاء الاحتجاجات في ذلك العام، لم يكن بمقدورها العودة إلى حياتها السابقة، موضحة أنَّ دخولها السجن قد غيَّرها.
إذ قالت: "بإمكاني فقط أن أُخبرك أنَّني الآن شخصٌ أفضل، وأنَّني عرِفتُ الشر الحقيقي".
منذ أن بدأت الجولة الأخيرة من الاحتجاجات التي اندلعت في الشهر الماضي يناير/كانون الثاني، شَرعت ليزبيث في البحث عن الإمدادات لمن أُصيبوا على يد قوات الجيش وقوات الأمن.
وعالجت ما لا يقل عن ثلاثة متظاهرينَ حتى الآن كانوا قد أصيبوا خلال المظاهرات الأخيرة.
وقالت ليزبيث إنَّ الاحتجاجات السابقة في عامي 2014 و2017 كانت عنيفةً للغاية وغير مُجدية.
وأضافت: "على الاحتجاجات أن تُشبه تلك التي شهدناها في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني 2019. ذاك النوع الذي يُمكنك اخفاؤه"، في إشارةٍ منها إلى الاحتجاجات الجماعية السلمية المُناهضة للحكومة التي نشبت في اليوم الذي حلَفَ فيه غوايدو اليمين بصفته رئيساً مؤقتاً.
"سأكون هناك مرتدياً قناع الغاز"
كان إينياكي زوغاستي، 60 عاماً، المولود في إسبانيا لكنَّه ترعرع في فنزويلا، نشطاً في حركة الاحتجاجات المُعارضة منذ تولِّي مادورو السلطة في عام 2013.
ويُخطِّط كذلك للانضمام إلى المُظاهرات الحاشدة الُمخطط اندلاعها في نهاية هذا الأسبوع.
إذ قال: "في هذا السبت، سأكون هناكَ مُرتدياً قناع الغاز، وخوذتي وسترتي الواقية، لأرى ما يُمكنني تقديمه للعالم".
امتلك زوغاستي شركة طباعة عائلية لمدة عقدينِ، والتي مكنته من إعالة أسرته. لكنَّ أرباح تلك الشركة تراجعت، وفي عام 2018، اضطُر لإغلاقها.
وقال إنَّ أشخاصاً جُدداً من مختلف مناحي الحياة انضموا إلى الاحتجاجات الأخيرة. قبل أن يُصبح الدافع الرئيسي للحركة هو الطبقات الوسطى والعليا، على حد قوله.
وأضاف: "اعتدت أن أرى الوجه نفسه كل يومٍ، الآن الأمر مختلف".
يصحطب زوغاستي الكاميرا الخاصة به في أثناء الاحتجاجات، والتقطَ صورةً خاصة لا تُنسى في احتجاجات 4 أبريل/نيسان عام 2017، لعضو شاب في الكونغرس يتصدَّى لقوات الشرطة التي كانت تًعطِّل مسيرة في شارع ليبرتادور.
كان يجهل ذلك وقتها لكنَّ السياسي الذي التقطته عدسات الكاميرا كان هو غوايدو، الذي سيُصبح طرفاً رئيسياً في المواجهة السياسية الدائرة في البلاد.
قال زوغاستي: "في كل مرة أسمع فيها أنَّه شخصٌ بدأ للتو في الحياة السياسية، أعلم أنَّ هذا الأمر غير صيحيح. كان دائماً ما يكون في مُقدمة الصفوف أثناء الاحتجاجات. أتذكر دوره في كل مظاهرةٍ شاركت بها".