قال ماكس بوت الكاتب الأمريكي المختص بموضوعات الأمن القومي، إن الدافع الحقيقي وراء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا ونيته الانسحاب من أفغانستان هو عدم قدرة أمريكا على تحقيق النصر في تلك "الحروب الأبدية"، بغض النظر عن مدة إقامة القوات الأمريكية هناك.
وأضاف الكاتب في صحيفة The Washington Post الأمريكية، إنه وبالرغم من أن ترامب زعم في البداية أن الولايات المتحدة انتصرت في سوريا، فإن الدافع الأساسي وراء كلتا الخطوتين هو شعورٌ سائدٌ بين مؤيدي ترامب ومنتقديه على السواء بأن الأمر لا يقتصر وحسب على عدم تحقيقنا للنصر، بل بأننا أيضاً لا نستطيع على الأرجح تحقيق النصر مهما طالت مدة وجودنا هناك.
ويستشهد بوت بما قاله محللون استراتيجيون دبلوماسيون أمريكيون أكدوا بمقالاتهم أنه "لا يوجد فعلياً أي إمكانية لتحقيق نصر عسكري على طالبان، وفرصة قليلة لأن نترك وراءنا ديمقراطيةً قادرة على الاستمرار ذاتياً هناك".
ويقول الدبلوماسيان المخضرمان آرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي أيضاً، "داعش ليس ألمانيا ولا اليابان، حيث حطمت الولايات المتحدة وحلفاؤها المعنويات القتالية لهذه الأنظمة، ودمرت جميع قدراتها الحربية، واقتلعت جذور إيديولوجيات الدولة الفاشية فيها، وساعدت في إعادة تشكيل بيئة جديدة لبلدين ديمقراطيين. إذ إن تحقيق الولايات المتحدة لهذا الهدف في سوريا ليس إلا مهمة مستحيلة".
صفعة في وجه المصداقية الأمريكية
ويضيف بوت في مقالته: لكن جيمس دوبنز، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى أفغانستان سابقاً، وزملاءه في مؤسسة Rand البحثية، قد كانوا أقرب إلى بيت القصيد عندما كتبوا: "قد يكون تحقيق الانتصار خياراً غير مطروح، لكن الخسارة على وجه التحديد مطروحة. فأي مغادرة متهورة، بغض النظر عن كيفية ترشيدها، سوف تعني اختيار الخسارة. والنتيجة سوف تكون صفعة في وجه المصداقية الأمريكية، وإضعاف كل من الردع وقيمة الضمانات الأمريكية في أماكن أخرى، وزيادة التهديد الإرهابي المنبثق من مناطق أفغانستان، واحتمالية واضحة بضرورة العودة إلى هناك في ظل ظروف أسوأ".
يضيف الكاتب: يتحدث تقرير مؤسسة Rand عن أفغانستان، لكن نفس التحليل ينطبق تماماً على سوريا.
لا يُهزم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولا حركة طالبان عن بعد. خسر داعش فعلياً جميع الأراضي التابعة لـ"خلافته"، لكن مدير المخابرات الوطنية الأمريكية دانيال كوتس حذر مؤخراً من أنه "لا يزال يقود آلاف المقاتلين في سوريا والعراق، ويُبقي على ثمانية فروع، وأكثر من عشر شبكات، وآلاف المؤيدين المنتشرين حول العالم".
تُحقق طالبان حضوراً أفضل من هذا، إذ تسيطر على 44% من مناطق أفغانستان أو تنافس عليها، وتلحق خسائر كبيرة بصفوف قوات الأمن الأفغانية. يقول جنرال أفغاني إن هناك أكثر من 77 ألف مسلح يقاتلون الحكومة، وهو رقم أكبر بكثير من الأرقام الرسمية التي تشير إلى أن عددهم يتراوح بين 25 ألف و30 ألف فقط. إذا انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، فالأرجح أن طالبان سوف تستولي على البلاد، وإذا انسحبت من سوريا، فالأرجح أيضاً أن تنظيم الدولة الإسلامية سوف يعود إلى الحياة.
وبحسب رأي بوت، تحتاج الولايات المتحدة في قتال هؤلاء المسلحين إلى تجنب عقلية الحرب الكبيرة الخاصة بها. وأجل، لن يكون هناك مراسم استسلام على ظهر السفينة يو إس إس ميسوري. ويردف: لكن النصر الذي تحقق في الحرب العالمية الثانية كان من الممكن أن يتبدد بنفس سهولة تبدده في الحرب العالمية الأولى إذا لم تُبق الولايات المتحدة قواتها في أوروبا وآسيا لـ 73 عاماً، ومازال العد مستمراً.
"لكن كلما طال بقاؤنا حققنا أهدافنا"
يقول بوت، كلما طالت مدة بقاء القوات الأمريكية في مكان ما، زادت معها فرص تحقيق أهدافنا. عندما تنسحب القوات الأمريكية، تكون العواقب عادة مكلفة، سواء كانت هذه العواقب استيلاءً شيوعياً على كمبوديا ولاوس وفيتنام الجنوبية عام 1975، أو ظهور تنظيم داعش بعد عام 2011. وبينما لم تكن جبهة الفيتكونغ (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) تحاول مهاجمة الأراضي الأمريكية، فإن داعش والقاعدة يقومان بذلك، على حد تعبيره.
تشير تقارير صحيفة The New York Times إلى أن الاستخبارات الأمريكية حذرت من أن "انسحاباً كاملاً للقوات الأمريكية من أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى هجوم على الولايات المتحدة في غضون عامين".
وهنا يشدد الكاتب بالقول: سوف يجادل المدافعون عن الانسحاب بأن نشر القوات بدون وضع مدة محددة لا يمكن أن يكون مستداماً. لكن ذلك غير حقيقي. إذ إن القوات الأمريكية تتكون من متطوعين. وما دامت لا تعاني من خسائر في صفوفها، فلن يعارض الرأي العام نشرها، بحسب وصفه.
"ترامب يختار الخسارة"!
بلغ عدد الخسائر التي وقعت في صفوف القوات الأمريكية منذ عام 2015 ستة قتلى في سوريا و 66 قتيلاً في أفغانستان، أي بمتوسط 18 قتيلاً سنوياً. وهذه الخسائر مأساوية بكل تأكيد -يقول الكاتب- لكن الجيش الأمريكي في عام 2017 فَقَدَ 80 مجنداً في حوادث وقعت أثناء التدريبات. فالتدريبات الآن صارت أكثر فتكاً بأربعة أضعاف من القتال في معركة حقيقية. فضلاً عن أن تكاليف الصراعين ليست باهظة: فالحرب في أفغانستان تستقطع أقل من 10% من ميزانية الدفاع. إذا اختار ترامب الانسحاب، سيكون هذا خياره. وعلى عكس ما حدث مع ريتشارد نيكسون، لن يكون ترامب مجبراً على الانسحاب من جراء الضغط الشعبي. ولن تمتلئ الشوارع بالاحتجاجات المناهضة للحرب.
ويرى الخبير بقضايا الأمن القومي، أنه "دائماً ما تكون هذه الأنواع من عمليات نشر القوات "طويلة الأمد ومحبطة". لكن مثلما لا تحاول الشرطة القضاء على الجريمة، فإن القوات لا تحاول القضاء على الإرهاب، بل إنها بدلاً من ذلك تُبقيه دون المستوى الحرج، الذي يهدد الولايات المتحدة وحلفاءها. قد لا يكون هذا بنفس قدر الرضا إذا تحقق استسلامٌ غير مشروط، غير أنه يمنحنا بديلاً، وربما يكون ذلك ما اكتشفناه منذ عهد طويل".
ويختتم بوت مقالته بالقول: "لا ينهي ترامب الحرب في سوريا أو أفغانستان، وأقل من أن يكون قد ربحها. أما وعود طالبان باتباع السلوك الحسن "فلا قيمة لها"، وتنظيم داعش لا يقدم أي وعود من الأساس. إذا أعاد ترامب القوات الأمريكية إلى الوطن، فإنه يختار الخسارة، بل وتبديد التضحيات العسكرية منذ 2011".