قال مسؤولون أمريكيون إنَّ الولايات المتحدة تريد تكوين تحالف من الدول الغربية لإقامة – وربما فرض- منطقة عازلة جديدة شمالي سوريا، لكنَّ أياً من هذه الدول لم توافق بعد على المقترح، الذي يتضمَّن وعداً بمساعدة عسكرية أمريكية.
وبحسب صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، تُعَد صعوبة إقناع الحلفاء بالخطة، التي لم يُكشَف عن تفاصيلها من قبل، أحدث التحديات التي يواجهها مسؤولو الإدارة الأمريكية في ظل بحثهم عن طريقة لتنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، وتجنُّب الآثار السلبية المحتملة للانسحاب، بما في ذلك عودة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو نشوب حرب بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد.
وتأمل الإدارة إقناع الحلفاء الغربيين، بمن فيهم المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا، بالاضطلاع بمسؤولية شمال سوريا، لمعالجة المخاوف التركية بشأن الانفصاليين الأكراد في سوريا، وفي نفس الوقت لإبقاء القوات التركية بعيدة عن المقاتلين الأكراد المدعومين أمريكياً الذين يحاربون داعش. لكنَّ تركيا، التي تعهَّدت بإقامة منطقتها الآمنة الخاصة، عارضت الفكرة.
وكان الرئيس ترامب أَمَر بسحب أكثر من ألفي جندي أمريكي من سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مستشهِداً بالنجاح الذي تحقَّق ضد داعش في سوريا، وهي خطوة انتقدها جمهوريون وديمقراطيون واعتبروها سابقة لأوانها. وقال مسؤولون إنَّ الأمر الذي أصدره ترامب يعني أنَّه سيُعاد نشر القوات الموجودة في سوريا في مناطق أخرى على مدار الأربعة إلى ستة أشهر المقبلة.
وأشار المسؤولون إلى أنَّ ترامب لم يستشر أياً من البلدان التي يزيد عددها عن سبعين المشاركة ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش قبل إصدار الأمر. وساهم قراره هذا في استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الذي أعلن مخاوفه بشأن الكيفية التي يؤثر بها مثل هذه القرارات الأحادية على الحلفاء والأطراف الأخرى.
كما أن مجلس الشيوخ الأمريكي، صوت الخميس 31 يناير/كانون الثاني 2019، بأغلبية ساحقة لصالح مناقشة تعديل قانوني يعارض بشدة سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان. إذ أن التعديل قدمه زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش مكونيل، (وهو غير ملزم) ولكن يسلط الضوء على عدم توافق الجمهوريين في الكونغرس مع قرار ترامب في هذا الشأن، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
الضغط على الحلفاء الغربيين مستمر، لكن لا جديد
إلى ذلك، أكَّد دبلوماسي أوروبي أنَّ الولايات المتحدة تجري مباحثات نشطة مع دول أوروبية بشأن إقامة منطقة عازلة، لكنَّه قال إنَّه لم يصدر أي ردٍ رسمي لأنَّ المباحثات لا زالت مستمرة ولم يُستقر على أي شيءٍ حتى الآن.
وسيستضيف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وزراء خارجية من دول التحالف في اجتماعاتٍ الأسبوع المقبل بوزارة الخارجية.
يأتي ضغط إدارة ترامب للحصول على مساعدة الحلفاء في الوقت الذي تزور فيه مسؤولة كردية سورية كبيرة واشنطن لحث الإدارة على إبطاء سحب قواتها ومنع تركيا من السيطرة على منطقة بشمال سوريا.
وقالت إلهام أحمد، التي تمثل الذراع السياسية لميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، إنَّ "المتشددين لم يُهزَموا بعد ولديهم خلايا نائمة شمال شرقي سوريا". وقالت في اجتماعٍ بواشنطن: "نطالب الحكومة الأمريكية بإبطاء الانسحاب".
تفاصيل الخطة الأمريكية
وقال المسؤولون الأمريكيون إنَّه بموجب الخطة الأمريكية، ستراقب قوة من التحالف منطقة عازلة شمالي سوريا تصل إلى نحو 20 ميلاً (32.2 كيلومتر) جنوب الحدود التركية، وتمتد من نهر الفرات شرقاً حتى الحدود العراقية.
وفي المقابل، تعرض الولايات المتحدة الدعم في صورة معلومات استخباراتية ومراقبة واستطلاع باستخدام طائرات بدون طيار وتكنولوجيا أخرى، إلى جانب مساعدة تتضمَّن قوات للتدخُّل السريع إذا ما وقع خطأ ما.
وقال المسؤولون إنَّ الولايات المتحدة قد تقدم كذلك دعماً لوجستياً، مثل إجلاء الجرحى، مرجحين أن يكون ذلك الدعم الأمريكي (مثل قوات التدخل السريع) موجوداً في العراق المجاور لسوريا.
أمريكا تلمّح لأزمة اللاجئين خلال مفاوضاتها مع الأوروبيين!
وعاد الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الأسبوع الماضي من بروكسل، حيث التقى عدداً من قادة الدول الأوروبية الذين كانوا مجتمعين هناك. وكان يحاول كذلك إقناع مسؤولين أوروبيين بإمكانية نجاح الخطة.
وقال عدة مسؤولين إنَّ الحُجّة الأمريكية تعتمد "بشدة" على الحاجة لتوفير الأمن والتدابير الإنسانية، لأنَّ أكثر من 3.5 مليون لاجئ في المنطقة "يمكن أن يغرقوا المدن الأوروبية في حال عدم إقامة منطقة عازلة ووجد السكان النزوح أمراً ضرورياً"، بحسب ما نقلت الصحيفة الأمريكية.
في حين رفض المسؤولون بوزارة الدفاع (البنتاغون) والخارجية الأمريكيتين التعليق على المقترح. لكن وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة بات شاناهان، قال مُتحدِّثاً في البنتاغون الثلاثاء 29 يناير/كانون الثاني، إنَّ واشنطن تتباحث مع عددٍ من العواصم الأجنبية.
وقال في إحاطة بالبنتاغون يوم الثلاثاء: "هناك محادثات مهمة للغاية تجري في عواصم رئيسية بأوروبا حول دعم هذا الجزء من سوريا، إلى جانب بعض المباحثات المهمة للغاية مع نظرائنا في قوات سوريا الديمقراطية هناك شمال شرقي سوريا".
الأكراد يرحبّون
وقالت القيادية الكردية إلهام في مقابلة إنَّ الوحدات الكردية "تدعم فكرة ترتيب حلفاء الولايات المتحدة لفرض مثل هذه المنطقة العازلة". لكنَّها رفضت فكرة إقامة منطقة عازلة تديرها تركيا على الجانب السوري من الحدود، قائلةً إنَّ ذلك سيُمثِّل خطراً كبيراً بالنسبة لأكراد سوريا.
وفي الوقت نفسه، قاد الغموض حول كيفية تنفيذ السياسة الأمريكية الأكراد السوريين إلى محاولة حماية رهاناتهم.
فقالت إلهام إنَّ الأكراد السوريين يناقشون خطة للعودة مع نظام الأسد. وتدعو الخطة قوات سوريا الديمقراطية لتصبح جزءاً من الجيش السوري مقابل إصلاحات ديمقراطية والتزام من النظام بإمكانية حكم الأكراد لمناطقهم.
وقالت القيادية الكردية الثلاثاء في معهد الشرق الأوسط: "يمكن أن تصبح قوات سوريا الديمقراطية جزءاً من الجيش السوري الجديد"، مضيفة: "هذا طريق بديل أمامنا".
"أحب الأكراد، وأحب تركيا أيضاً"
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، سافرت إلهام إلى موسكو لمناقشة الفكرة مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. وكانت القوة الجوية الروسية ساعدت الأسد على تحويل مسار الحرب في مواجهة المعارضة السورية، وتتمتع موسكو بدرجة عالية من النفوذ على رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وتأمل إلهام ومساعدوها أن تعقد لقاءات في البيت الأبيض والبنتاغون هذا الأسبوع. لكن مساء الإثنين الماضي 28 يناير/كانون الثاني، أجرت مقابلة غير مُعدَّة سلفاً مع ترامب بفندق ترامب، حيث كان الرئيس الأمريكي يحضر فعالية لجمع التبرعات.
وقال شهود عيان إنَّ "ترامب جاء إلى طاولتها وقال إنَّه يحب الأكراد وسيساعد في إقامة منطقة آمنة لحمايتهم". لكنَّ أحد المراقبين أشار كذلك إلى أنَّ ترامب قال "إنَّه يحب تركيا أيضاً". في الوقت ذاته رفض متحدثٌ باسم مجلس الأمن القومي التعليق على المسألة.