في الوقت الذي ينتظر فيه العالم التوصل إلى اتفاق بين حركة طالبان وبين الولايات المتحدة الأمريكية بشأن وقف الحرب التي دامت 17 عاماً، هناك من ينظر إلى هذا السلام بعين الخوف والحذر، إنهن النساء.
فالنساء الافغانيات عانين مثل كل طوائف المجتمع من الحرب، لكن التوصل إلى سلام بين أمريكا وطالبان، قد يمنح الحركة المتشددة نفوذاً أكبر ويعيدها للمشهد مرة أخرى هذا ما تخشاه الافغانيات بسبب أوامر طالبان الصارمة، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
أيضاً ما يقلق الافغانيات من هذا الاتفاق هو غيابهن عن محادثات السلام التي انتهت قبل أيام في قطر، فيما يأملن أن يشاركن في الجولات القادمة.
لماذا تقلق النساء الأفغانيات؟
والتقت الصحيفة الامريكية ببعض النساء ومن بينهن رحيمة جامي التي عندما سمعت أنَّ الأمريكيين وحركة طالبان اقتربوا من التوصل إلى اتفاق سلام، سرعان ما فكرت في مصيرها.
تشغل جامي الآن مقعداً في البرلمان الأفغاني، ولكن بالعودة إلى عام 1996، عندما استولى مسلحو طالبان على السلطة، كانت ناظرة مدرسة، حتى أُجبرت على ترك وظيفتها وعلمت أنَّها لا يمكنها مغادرة منزلها دون ارتداء النقاب الذي يغطي كامل جسدها حتى كاحل قدمها.
في يوم حار بالسوق ظهرت قدماها، فضربتها الشرطة الدينية بسوط خيول حتى صارت شبه عاجزة عن الوقوف.
ومعايشة قصص مروعة على يد مسؤولي إنفاذ القانون في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لحركة طالبان هي أمر أساسي لدى الأفغانيات المتعلمات اللائي تتجاوز أعمارهن 25 عاماً. والآن لدى هؤلاء النساء قصة مرعبة جديدة: إمكانية مغادرة القوات الأمريكية أفغانستان ضمن اتفاقية سلام مع طالبان، بحسب الصحيفة الأمريكية.
انتهت يوم السبت 26 يناير/كانون الثاني محادثات دامت ستة أيام مع تعهد بأنَّها قد تستأنف قريباً، مما يجعل الأطراف أقرب إلى التوصل لاتفاق أكثر من أي وقت مضى في 17 عاماً عندما أُطيحت حركة طالبان من السلطة. وأثار مجرد احتمال تحقيق تقدم ملموس في التوصل للسلام حماسة وأمل عديد من الأفغان من كل الأطراف بأنَّ الحرب المتواصلة منذ أربعة عقود يمكن أن تنتهي حقاً.
بيد أنَّه بالنسبة لعديد من النساء، اختلطت الآمال التي تجلبها إمكانية نهاية الاقتتال بمشاعر فزعٍ لا يمكن إنكارها.
"لا نريد سلاماً"
قالت روبينا حمدارد، رئيسة القسم القانوني في شبكة النساء الأفغانيات: "لا نريد سلاماً يجعل الموقف أسوأ بالنسبة لحقوق المرأة، مقارنة بالوضع الحالي". والمنظمة هي عبارة عن ائتلاف من منظمات نسائية بارزة يمول من جهات أجنبية.
لا تحتاج الأفغانيات إلى من يُسوِّق لهن الحاجة لوقف إراقة الدماء. فقد دفنَّ بأيديهن الكثير والكثير من الأزواج والأبناء والإخوة. لكنهن يخفن من سلام يُمكِّن حركة طالبان وبالتالي يعلن حرباً جديدة على النساء، إنهن يردن ألّا ينساهن المتفاوضون على السلام.
قالت رحيمة: "النساء الأفغانيات يردن السلام أيضاً، لكن ليس على حسابهن أو حساب غيرهن".
وروت كيف أنَّها حين تفكر في هذا الوقت الذي كانت تُضرب فيه تتذكر الأمر وتشعر بالثقل حقاً.
ومثل الكثير من السيدات، تسيطر على رحيمة قناعة بأن أي اتفاق سلام يعطي طالبان نصيباً من السلطة سيكون على حساب حرية نساء أفغانستان. وتقول: "إذا تحقق هذا، فسوف يكملون ما نَقُص من أحلامهم وسوف يكونون أقسى مما كانوا في الماضي"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وما يزيد الطين بلة هو خوف منتشر بين النساء بأنهن يتعرضن للتهميش في عملية السلام، وأنه حين يجلس الأفغان في نهاية المطاف على طاولة المفاوضات، فلن يكون هناك أي نساء عليها.
قالت ليلى حيدري، سيدة أعمال وتعمل أيضاً مع مدمني المخدرات: "لا نريد أن نكون ضحايا عملية السلام مع طالبان".
ما كان لنظام حركة طالبان السماح بعمل حيدري، عندما كانت تعيش في المنفى في إيران. وتقول: "لكن الحكومة الأفغانية تتجاهل النساء تماماً في عملية السلام".
تستحضر شكرية بايكان، نائبة أخرى في البرلمان الأيام التي أمضتها تحت حكم طالبان حين كانت النساء "مجبرات على ارتداء البرقع".
خروج أمريكي ولكن بذكاء
أجبرت شكرية على ترك وظيفتها كأستاذة في الجامعة، وأُغلقت مدرسة ابنتها، مثل كل مدارس الفتيات تحت حكم طالبان. وفتحت شكرية مدرسة سرية في البيت، تحت غطاء تعليم القرآن وخياطة ملابس النساء، لأنَّها من بين المواد المسموح بتدريسها للنساء. السيدات الوحيدات التي سُمح لهن بالعمل هن الطبيبات، وحتى عمل الطبيبات تطلب وجود رجل من محارمهن، بحسب الصحيفة الأمريكية.
قالت شكرية من مدينة قندوز إنَّها شعرت بأنَّها مستبعدة من عملية السلام الأفغانية.
وأضافت: "كنت عضوة في البرلمان مرتين وأستاذة في الجامعة، لكن لم يأخذ أي شخص رأيي في مباحثات السلام مع طالبان، أو حتى أخبرني بأن حقوقي ستكون مكفولة، نحن في حرب منذ أربعين عاماً، والكل متعب من القتال، لكن هذا السلام لا يجب أن يكون ثمنه خسارة حقوقنا وحريتنا كنساء".
غردت فروغ المرأة الأفغانية عبر حسابها على تويتر قائلة: "إنَّ تزايد المخاوف حول المفاوضات غير الشفافة، لا يجعل من أي أحد مروج للحرب الاستمرار في الحرب أو المفاوضات من أجل الخروج ليست بدائل لا يمكنها أن تحل سوياً. إذا كانت الولايات المتحدة تريد الخروج، فعليها فعل ذلك بذكاء وكياسة، بدلاً من استعجال فرض تسوية للأمر".
لا تزال هذه المرحلة من عملية السلام في أيامها الأولى، كما أنَّ مباحثات الأسبوع الماضي في الدوحة بقطر لم تتضمن أي مسؤولين حكوميين رجالاً كانوا أو نساءً.
يأمل المسؤولون الأمريكيون في إقناع طالبان في مرحلة متقدمة بالجلوس مع مسؤولين من حكومة أفغانستان، وهو الأمر الذي ترفضه الحركة حتى الآن، ولن يكون على الطاولة قضايا مثل دستور يضمن حقوق النساء.
أعربت بعض النساء عن الرضا بأنَّ المحادثات بدأت على أقل تقدير.
السلام المنقوص
تقول حبيبة سرابي، نائبة رئيس المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، وواحدة من 15 امرأة في المجلس المكون من 75 عضواً عينتهم الحكومة: "تحتاج النساء لرفع أصواتهن لكيلا يُنسون، بدون النساء سيكون سلاماً منقوصاً. لكننا متفائلون بشأن مباحثات السلام"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تقول سايرا شريف، الشاعرة والسياسية الأفغانية من ولاية خوست، إنَّ الجهود السابقة في المباحثات بين الحكومة وطالبان استبعدت النساء.
وتضيف: "طمأنت الحكومة الأفغانية النساء مراراً بأنَّ حقوقهن لن تتأثر سلباً بعد اتفاقية السلام مع طالبان، لكن النساء لم يكن موجودات في المباحثات السابقة مع طالبان، ونحن في حاجة لمكان في المباحثات المستقبلية. لقد قطعنا طريقاً طويلاً لنحصل على هذه الحقوق التي نحظى بها الآن، فقط لنخسرها في اتفاق سلام"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
كل فرد مشارك في مباحثات السلام يتفق على أنَّ الحرب قد تنتهي فقط حال الاتفاق على تشارك السلطة، ما قد يعني تقاسم بعض الحقائب الوزارية أو أقاليم في أنحاء البلد، أو مزيج بين الأمرين. وقد يعني حتى أن يترشح مسؤولو حركة طالبان لانتخابات المجالس المحلية، وربما يفوزون.
قالت شكرية: "نريد أن تقبل طالبان بحقوق المرأة وتنشر تصريحاً تضمن فيه حقوق المرأة"، مضيفة أنَّه حتى الآن، لا أحد يتكلم عن هذا.
كان ريان كروكر، السفير الأمريكي السابق لدى أفغانستان، أحد الدبلوماسيين بالغي الأهمية في أزمة كابول في يناير/كانون الثاني عام 2002، وساعد في تشكيل أول حكومة بعد طالبان. قال كروكر: "لقد أولينا اهتماماً لحقوق المرأة منذ البداية، من أول الأشياء التي فعلناها كان فتح مدارس الفتيات، وتشغيلها".
قال كروكر إنَّه كان قلقاً من أن انسحاب القوات الأمريكية قد يكون له عواقب فيما يتعلق بأي دور مستقبلي لحركة طالبان.
وأضاف للصحيفة الأمريكية: "ما يقلقني حقاً هو (السؤال حول) ماذا سيحدث للنساء والفتيات الأفغان؟"، وأضاف: "الكراهية الحادة للنساء في أفغانستان جذورها أعمق من طالبان. من دون وجود قوي للولايات المتحدة هناك، لا يبدو الأمر مبشراً بالنسبة للنساء الأفغان. يمكنهم فعل ما يحلو لهم بهن بعد أن نرحل".
طالبان ليست وحدها السبب
بالطبع تعاني الكثير من الأفغانيات بما يكفي دون وجود حركة طالبان. إذ جرى وقف رئيس اتحاد كرة القدم، وثلاثة من كبار المسؤولين بالاتحاد على خلفية اتهامات بالاعتداء جنسياً وجسدياً على بعض اللاعبات، وتجري التحقيقات منذ شهرين ولا توجد أي اعتقالات حتى الآن.
ما زالت النساء يتعافين من حادثة القتل التي تعرضت لها الباحثة الإسلامية فرخندة في عام 2015، على يد حشد من الرجال بينما وقف رجال الشرطة مكتوفي الأيدي. كما تتعرض الملاجئ الخاصة بالنساء اللاتي يعانين من عنف منزلي على أيدي أزواجهن أو عائلاتهن لضغط متزايد من الحكومة والمجتمع، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تعرض مطعم Taj-Begum الذي تملكه ليلى حيدري في كابول لاقتحامات متكررة من الشرطة. وقالت إنَّها كانت تتعرض للمضايقات؛ لأنَّها تسمح للرجال والنساء بتناول الطعام سوياً، ولا ترتدي الحجاب دائماً، وتعمل في الأعمال الحرة وهي امرأة.
غردت ليلى حيدري عبر حسابها على موقع تويتر قائلة: "يجب أن نحترم معتقدات بعضنا البعض".
وأُغلق أيضاً مركزها لإعادة تأهيل مدمني المخدرات، وسط مزاعم بأنَّه كان مجرد واجهة للدعارة. وقالت ليلى: "إنها حكومة ديمقراطية، لكن النساء ما زلن يواجهن الكثير من المشكلات في هذا البلد".
قدرية آذرنوش هي راقصة، قُمع فنها على أيدي المحافظين الثقافيين في السنوات الأخيرة، أو كما تصفهم هي: "من يفكرون مثل طالبان، دون الانتماء إليهم".
أدت قدرية الأسبوع الماضي برفقة مجموعة من صديقاتها عرضاً عاماً للرقصة النابضة بالحيوية، رغم معرفتهن أن آباءهن لن يوافقوا على هذا، ومن الممكن أن يحتجزوهن في بيوتهن بعد ذلك. جاءت أخبار مباحثات السلام في الدوحة في اليوم نفسه.
تقول قدرية: "عندما سمعنا عن انسحاب القوات الأمريكية خلال 18 شهراً، كنا نتساءل نحن الفتيات: "والآن، ماذا سيحدث لنا؟"، "مضيفة: "الناس ينظرون إلينا على أننا فتيات فاسدات بالفعل بسبب الرقص. ماذا سيحدث لنا إذا أصبحت طالبان جزءاً من الحكومة؟".