انقسام جديد شهده الرأي العام المصري بسبب إخلاء منطقة نزلة السمان المجاورة للأهرامات من السكان.
وأصبحت نزلة السمان هي الكلمة الأبرز على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
إذ انقسم الناس بين متهم للدولة بالجور على الفقراء لصالح المستثمرين، وبين مصفق لها على اتخاذ قرار "تنظيف" المنطقة، وانتشرت تفسيرات شتى لما حدث في هذه المنطقة المجاورة للأهرامات.
كما بدا أن هناك قدراً من الشماتة في سكان منطقة نزلة السمان، الذين ارتبط اسمهم بحدث مهم في تاريخ مصر الحديث.
"عربي بوست" ذهب إلى أطراف القصة، في محاولة لفهم حقيقة ما حدث، بعيداً عن انحيازات مواقع التواصل الاجتماعي.
موقعه الجمل طبعا اللى شاركتو فيها ضد الشعب !!
اللهم لا شماته لكن داين تدان ✋
ياريت على الحكومه توفير سكن للناس الغلابه بدل التشرد ..#نزله_السمان pic.twitter.com/4IgVnQXE0L— Eßläm Gämäl 🇩🇪 ☠ 🇪🇬 (@Eslamvi1) January 22, 2019
من بركة إلى نزلة.. إليك أصل هذه المنطقة التي تجاور الأهرامات وسر النظرة السلبية لسكانها
نزلة السمان هي المنطقة المتاخمة لأهرامات الجيزة، وهي منطقة حديثة نسبياً.
ففي الأصل كان يطلق على تلك المنطقة اسم "بركة السمان"، نظراً لأنها كانت بركة فعلياً بفعل فيضان نهر النيل الذي كان يتجمع في تلك المنطقة المنخفضة، ومع الوقت انحسر النهر وعمرت المنطقة، وأصبح النشاط الأساسي لقاطنيها هو السياحة، بحكم ملاصقتهم لأهرامات الجيزة.
الناس اللي شايفين ان المخالفات في نزلة السمان مش مفروض تزال، يا ريت يقولوا رأيهم في الصور ديه…
هل لمستقبل مصر ولإحترام تراثنا وهويتنا ينفع نسكت عالكلام ده؟
بلطجة بعض الأفراد وفساد المسئولين اللي شافوا المباني ديه طالعة دور ورا التاني هي السبب في المشكلة اللي حصلت انهاردة… pic.twitter.com/KhkOS1Vqj5— Monica Hanna (@monznomad) January 21, 2019
وبمرور الزمن نشأت في المنطقة عائلات مسيطره كعائلة الجابري وخطاب وفايد، وبدا التفاوت المالي بين أفراد العائلة الواحدة شاسعاً، مما جعل الكثيرين يصدقون ما يشاع عن انتشار "تجارة الآثار بين سكان النزلة".
لكن هذا لم يكن الباعث الأساسي لضيق المصريين من المنطقة، فهناك أمور رسمت صورة سلبية عن المنطقة.
في العقدين الأخيرين بدأت تظهر تصرفات وصفت بالبلطجة من قبل بعض العاملين بالسياحة من قاطني النزلة، وأصبح وجود بعضهم أمام مدخل الأهرامات مصدر ضيق لكل من يزور هذه المنطقة الأثرية.
ولكن لماذا يكرههم شباب ثورة يناير لدرجة الشماتة في عملية طردهم؟
اللافت للنظر في تعليقات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي كان هو ارتفاع نبرة "الشماتة" بين قطاع يفترض أنه معارض لممارسات وحكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشكل عام.
ويعود ذلك لسببين:
الأول هو الصورة الذهنية السيئة عن سكان المنطقة، استناداً لما يرونه من ممارسة بعضهم في منطقة الأهرامات، وكمّ المضايقات وأحياناً البلطجة التي يتعرضون لها منهم، دون تدخل من الشرطة.
أما السبب الثاني لقلة التعاطف معهم فهو خاص بمؤيدي ثورة يناير (ولهم صوت عال على صفحات التواصل الاجتماعي).
إذ إنهم يربطون بين نزلة السمان وموقعة الجمل الشهيرة، التي فيها داهم عدد من سكان نزلة السمان ميدان التحرير خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011 ممتطين ظهور جمالهم وخيولهم لترهيب المعتصمين بالميدان وإجبارهم على الرحيل، وهو ما لم يحدث، واعتُبر ذلك انتصاراً كبيراً للثوار.
وامتزج السببان لينتجا حالة من التشفى انتشرت بشكل ليس بقليل على فيسبوك وتويتر.
إخلاء منطقة نزلة السمان المجاورة للأهرامات.. مَن الظالم ومن المظلوم؟
قوات أمن ضخمة يصاحبها ممثلو البلدية المدججون بالروافع والبلدوزرات، تحركوا، صباح الإثنين 21 يناير/كانون الثاني 2019.
مهمتهم تطبيق قرار الإزالة الصادر بحق الدورين الأخيرين في فندق "بيراميدز فالي" المملوك للحاج جمال فايد وثلاثة عقارات أخرى، أحدها متاخم لسور المنطقة الأثرية ومملوك للسيد/طارق أبو باشا.
ولأن عائلات فايد من أكبر عائلات المنطقة فقد تجمعت العائلة للذود عن فندق قريبهم، وهو ما حدث مع العقارات الثلاثة الأخرى.
أهالي المنطقة رفعوا لافتات كتبوا عليها "نزلة السمان مش للبيع"، و"مش هنسيبها"، "معانا عقود ملكية ومش هنمشي".
هما بتوع موقعة الجمل راحوا فين !!
يلا اطلعوا بالجمال و الخيل و دافعوا عن ارضكم. pic.twitter.com/AA7x56RkVq— Bassem Mamdouh (@besobassem77) January 21, 2019
والأهالي يتحدثون عن أن هدم المنطقة يأتي لصالح مستثمر خليجي كبير
وألقت أجهزة الأمن القبض على 33 شخصاً من المتظاهرين.
وقال مصدر أمني لصحيفة "الشروق" المصرية إن أجهزة الأمن والأجهزة التنفيذية بالمحافظة أخطروا كافة الأهالي الصادر في حقهم قرارات إزالة.
وذكر المصدر أن أجهزة الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع بعد تجمع عشرات الأهالي ومحاولتهم التعدي على الضباط والأفراد.
بعض الأهالي المتضررين، أكدوا أن القرارات الجديدة بإزالة منطقة نزلة السمان تأتي في سلسلة إخلاء عدد من المناطق عالية القيمة في القاهرة والجيزة، لإقامة مشروعات استثمارية ضخمة لصالح رجال أعمال خليجيين.
وهذا ما دفع الأهالي للتجمهر
حسام فايد -طالب جامعي- ومن سكان المنطقة تحدث إلى "عربي بوست" شارحاً: النزلة هنا كلها عائلات متقاربة، فمن الطبيعي جداً أن يتجمع الأقارب لمساندة بعضهم، فيبدو المشهد كأنه تجمهر.
ويضيف حسام: ساهم في فوران أعصاب الناس الأسلوب الفظ الذي تعامل به الأمن، فحدثت مشادات معهم.
وأضاف قائلاً: "ثم تحولت إلى مشاجرة استخدم فيها الأمن الغاز المسيل للدموع، في حين رد الأهالي بالطوب".
القرار قد يكون صحيحاً ولكنه بعيد عن الواقع
لكن منتصر محمد- محامي، وهو من سكان النزلة أيضاً يرى أن القرار في حد ذاته يبدو سليماً وجيداً، لكنه منفصل تماماً عن أرض الواقع، حسب تعبيره.
إذ يقول إن أغلب بيوت النزلة مخالفة لشروط البناء، لكنها وفّقت أوضاعها بشكل أو بآخر، حتى إنها نجحت في إدخال عدادات مياه وكهرباء إليها.
وظهور الدولة الآن لإصلاح الأوضاع قسراً لا بد أنه سيلقى ردة فعل عنيفة، حسب قوله.
ويقول لـ "عربي بوست": هناك شائعات منتشرة بين أهالي المنطقة أن الدولة تنتوي هدم المنازل والمحال المحيطة بمدخل أبو الهول، وخلق حرم آمن للمنطقة الأثرية.
وأضاف: "وهذا معناه خراب بيوت للكثيرين، فصف المباني المراد إزالته (حسب المنتشر بين الأهالي) هو الصف الأول من النزلة؛ حيث الفنادق والمطاعم والمحلات، وهذا يمثل ضربة قاتلة لمصدر رزق الكثيرين هنا".
وتزامن ذلك مع إعلان وزارة الآثار المصريّة عن تعاقدها مع شركة أوراسكوم المملوكة لرجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، لإدارة خدمات منطقة الأهرامات وتشغيل ساحة انتظار الحافلات، وهو ما جعل الكثير هنا في نزلة السمان يربط بين اتفاق الحكومة وساويرس".
وأردف قائلاً: "بدت الأمور وكأن الدولة تزيحنا لصالح المستثمر الغني".
والمشكلة أن هناك سوابق حدثت في أماكن أخرى تخيفهم
التصور الذي يسيطر على سكان منطقة نزلة السمان أن الحكومة تسعى لتهجيرهم قد لا يكون دقيقاً بطبيعة الحال.
لأن الحديث كله عن هدم الصفوف الأولى المتاخمة للمنطقة الأثرية، ولم يتحدث أحد مطلقاً عن منطقة نزلة السمان برمتها.
لكن هذه التصورات لم تأت من فراغ، فقد سبق للحكومة المصرية تنفيذ نفس الشيء في منطقة ماسبيرو بوسط القاهرة، كما سعت ومازالت تسعى لإخلاء جزيرة الوراق من قاطنيها، وفي المرتين كان المستثمر الثري حاضراً.
فضلاً عن أن نزلة السمان لها طبيعة خاصة، نظراً لموقعها الذي جعلها مورد رزق للكثيرين من سكان المنطقة بشكل مباشر، أي أنها مسكنهم ومورد رزقهم.
والمحافظة ترد على هذه الشائعات
وقد نفت محافظة الجيزة صحة ما تردد من شائعات بشأن إزالة عدة بيوت مأهولة بالسكان في نزلة السمان بمنطقة الأهرام.
وأوضحت المحافظة في بيان، الإثنين، أنه لا صحة لتلك المعلومات المغلوطة، وأن "أعمال الإزالة التي تم تنفيذها بحرم المنطقة الأثرية بمنطقة الأهرامات تتم بالتنسيق مع وزارتي الآثار والداخلية هي أعمال إزالة لـ4 عقارات مخالفة لقوانين البناء والآثار، وغير حاصلة على التراخيص اللازمة من الجهات المختصة".
وذكرت أن أصحاب العقارات المخالفة لم يهتموا بمراعاة الجانب الأثري لمنطقه الأهرامات العريقة، التي تأتي إليها الوفود السياحية للاستمتاع بالتراث الأثري الذي لا مثيل له بالعالم، وقاموا ببناء وتعلية العقارات، مما يشوه المنظر العام للمنطقة الأثرية.
وقالت المحافظة إن أعمال الإزالة لم تمتد إلى أي مبان مأهولة بالسكان من قريب أو بعيد.
لا يصح أن يكون حرم الأهرامات مليئاً بالعشوائيات
الدعوة إلى تطوير عشوائيات نزلة السمان ليست جديدة، بل كانت هناك انتقادات لترك المنطقة على حالها هذا وهي التي تجاور أهم معلم أثري في مصر، بل في المنطقة إن لم يكن العالم.
فقد أشارت تقارير إعلامية سابقة إلى أن منطقة نزلة السمان وكفر الجبل أو المنطقة السكنية العشوائية الواقعة بين شارع ترعة المنصورية ومنطقة الأهرامات، هي منطقة شديدة العشوائية ويسكنها قرابة 25 ألف نسمة، و90% من مساكنها آيلة للسقوط، والخدمات بها رديئة جداً، خصوصاً الصرف الصحي، وهو ما يسبب ضرراً بالغاً بالمنطقة الأثرية.
ولكن شكل التحرك والشائعات المحيطة به فهم منه أنه سيتم إخلاء منطقة نزلة السمان المجاورة للأهرامات من السكان.
يمكن القول إن فكرة الحكومة لتطوير المنطقة سليمة.
فمنطقة أهرامات الجيزة أصبحت منطقة سيئة السمعة، والجمالة والباعة الجائلون أصبحوا لا يطاقون، والخدمات فعلاً متدنية جداً هناك.
ومن هنا يرى البعض أن قرار الدولة بإسناد الصوت والضوء لشركة إماراتية، وإسناد الجراج والخدمات لشركة أوراسكوم فكرة جيدة.
لكن الخطأ هو أن متخذ القرار لم يفكر في أهالي المنطقة، ويتعامل بمنطق عسكري من خلال التحرك دون تنسيق كاف.
إذ إنه لا بد من طمأنة الناس بأنه حتى لو أزيلت تلك المحلات، فسيكون هناك بديل".