لنفترض أنَّك في علاقة عاطفية فاشلة أو على وشك الانهيار، وأنَّك تحاول إصلاح الأمور باللجوء إلى مساعدة متخصصة، أو أنّك في علاقة عاطفية جديدة تود أن تعرف ما إذا كان الأمر يستحق ما تبذله من جهد أم لا؟
هل ستأخذ الأمور منحنى أفضل، أم أنَّ العلاقة محكومٌ عليها بالفشل؟ هيئة الإذاعة البريطانية BBC، لديها شيء لتعرضه عليك.
ربما يستحق الأمر التأنِّي قليلاً والإنصات إلى شريكك. الإنصات باهتمام. فحين تتحدثان معاً، تحمل أصواتكما جميع أشكال المعلومات التي يمكن أن تتجلَّى منها إجابات لجميع الأسئلة.
التغيرات الخفية في طبقات الصوت، والوقفات الفاصلة بين العبارات، ومدى الجهر بالصوت أثناء الحديث؛ جميعها أمورٌ تحمل إشارات خفية عن مكنونات الشعور الحقيقية.
كثيرٌ من تلك الأشياء تدخل وجداننا دون تكلّف. نستخدمها لنحدِّد بدقة معاني كلماتنا. فكِّر في الفرق بين تلك الأسئلة مثلاً:
"لمَ أنت هنا؟" (مع التشديد على كلمة لمَ)
"لم أنت هنا؟" (مع التشديد على كلمة أنت)
"لم أنت هنا؟" (مع التشديد على كلمة هنا)
هذا التحول في التشديد واحدٌ من الطرق الأكثر وضوحاً التي نضفي بها المعنى على حديثنا. غير أنَّ ثمة طبقات أخرى عديدة نضيفها دون أن ندرك ذلك.
ولكن، ثمة طريقة يمكن بها استخلاص هذه المعلومات الخفية من كلامنا. طوَّر العلماء ذكاء اصطناعياً يمكنه استخدام تلك المعلومات للتكهن بمستقبل العلاقات بين الشريكين. ويعد الذكاء الاصطناعي بالفعل أدق في القيام بذلك من المعالجين الذين تلقوا تدريباً مهنياً.
قد نعرف مستقبل علاقة عاطفية فاشلة أو علاقة جديدة من الصوت
وفي إحدى الدراسات، رصد الباحثون 134 زوجاً كانوا يمرون بصعوبات في علاقتهم. وعلى مدار عامين، سجَّل كل زوج من الزوجين جلستين لحل المشكلات مقدارهما 10 دقائق. واختار كل شريكين موضوعاً مهماً للعلاقة وناقشاها معاً.
حصل الباحثون أيضاً على بيانات حول ما إذا كانت العلاقة بين الزوجين قد تحسنت أو تدهورت، وما إذا كانت قد استمرت كذلك بعد عامين.
شاهد المعالجون المدربون مقاطع فيديو للتسجيلات. ومن خلال تقييم الطريقة التي تحدث بها الزوجان إلى بعضهما البعض، وما قالاه لبعضهما البعض وما بديا عليه عند الحديث، أجرى المعالجون تقييماً نفسياً حول الصورة التي يمكن أن تنتهي عليها هذه العلاقة.
درَّب الباحثون أيضاً خوارزمية على تحليل حديث الزوجين. وقد استمد الفريق شيئاً من المعلومات من أبحاث سابقة حول إمكانية دخول بعض السمات في التواصل البشري، مثل درجة الصوت والفترة المستغرقة في الحديث وتبادل الحديث بين الأفراد.
كانت وظيفة الخوارزمية هي حساب المدى الدقيق لارتباط تلك السمات بقوّة العلاقة. واستندت الخوارزمية بشكلٍ خالص إلى التسجيلات الصوتية، دون أخذ المعلومات البصرية المستمدة من الفيديوهات في الاعتبار.
وتجاهلت أيضاً محتوى تلك المحادثات؛ أي الكلمات المنطوقة نفسها. وبدلاً من ذلك، التقطت الخوارزمية سمات مثل إيقاع الصوت، وطبقة الصوت، والمدة التي استغرقها كل طرف في الحديث.
والأمر المثير للدهشة أيضاً، أنّ الخوارزمية التقطت أيضاً سمات الحديث التي تفوق التصور البشري. ويعد وصف تلك السمات شبه مستحيل بسبب أنَّنا لا ندركها عادة؛ مثل الميل الطيفي، وهو خاصية حسابية معقَّدة للحديث.
يقول شاري نارايانان، المهندس في جامعة ساوثرن كاليفورنيا، الذي قاد الدراسة: "باستخدام الكثير من البيانات، يمكنك أن تجد أنماطاً يمكن أن تكون مضللة للأعين والآذان البشرية".
وبعد أن تلقت الخوارزمية تدريباً على تسجيلات الأزواج، أصبحت أفضل بشكل ما من المعالجين في التكهن ما إذا الأزواج سيستمرون معاً. إذ بلغت دقة الخوارزمية 79.3%.
أما المعالجون، الذين توفرت لديهم ميزة فهم محتوى كلام الأزواج ومشاهدة لغة جسدهم، فبلغت دقتهم 75.6%.
يكمل نارايانان: "البشر يحسنون فك شفرات العديد من المعلومات. ولكن لا يمكننا معالجة جميع جوانب المعلومات المتاحة".
تكمن الفكرة في أنَّنا "نسرِّب" معلومات حول أفكارنا وعواطفنا أكبر من قدرتنا، كبشر، على الاستيعاب. غير أنَّ الخوارزميات ليست ممنوعة من فك شفرات سمات الصوت التي يميل الناس إلى استخدامها لنقل المعلومات.
بعبارة أخرى، ثمة أبعاد أخرى "خفية" لحديثنا يمكن للذكاء الاصطناعي الوصول إليها.
تقول فيولا هيلجادوتير، الأخصائية النفسية العيادية لدى جامعة أكسفورد: "من بين المزايا التي تتمتع بها أجهزة الحاسوب قدرتها على العثور على الأنماط والتوجهات في كميات كبيرة من البيانات. يمكن للسلوك البشري أن يمنحنا نظرة ثاقبة داخل العمليات العقلية الأساسية".
غير أنَّ خورازميات التعلم الآلي يمكن أن تقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في فرز المعلومات، والعثور على المعلومات ذات الصلة، والتكهن بالمستقبل.
وربما لا تكون فكرة الخوارزمية التي تتكهن بما إذا كانت علاقتك العاطفية محكوماً عليها بالفشل هي أفضل فكرة ممكنة، لا سيما إذا ما عرفنا أنَّها دقيقة بمقدار ثلاثة أرباع فقط في الوقت الراهن. ويمكن لتكهن كهذا أن يغيِّر مسار علاقتك العاطفية وطبيعة شعورك تجاه شريكك.
ولكن يمكن أيضاً استخدام المعلومات الخفية المستخلصة من الطريقة التي نتحدث بها، وكيفية عمل أجسادنا؛ لتحسين علاقاتنا العاطفية.
تعمل ثيودورا تشاسباري، مهندسة الكمبيوتر بجامعة تكساس آيه أند إم، على تطوير برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه التكهن بإمكانية أنَّ يتسبب شجارٌ ما في إحداث توتر في العلاقة. واستخدمت تشاسباري وزملاؤها بيانات من مستشعرات خفية، مثل جهاز تتبع لياقة يُلبس في الرسغ، ارتداها 34 زوجاً لمدة يوم.
تقيس المستشعرات العرق، ومعدل ضربات القلب وبيانات الصوت بما في ذلك نبرته، وتحلل أيضاً محتوى ما قاله الزوجان سواء كان سلبياً أم إيجابياً.
عايش 19 من الأزواج قدراً من الخلاف أثناء اليوم الذي ارتدوا فيه المستشعرات.
استخدمت تشاسباري وزملاؤها التعلم الآلي لتدريب خوارزمية على تعلم الأنماط المصاحبة للخلافات التي أفاد الأزواج بوقوعها.
بعد تدريب الخوارزمية على تلك البيانات، تمكنت من الكشف عن وجود نزاع بين أزواج آخرين بمجرد استخدام البيانات المستقاة من المستشعرات، بدقة بلغت 79.3%.
ويطوِّر الفريق الآن خوارزمية تنبؤية يأمل أن يستخدمها لتنبيه الأزواج عند وجود احتمالية وقوع خلاف، من خلال اكتشاف العلامات التحذيرية التي تؤدي إليه.
تتمثل الطريقة التي يتوقع المطورون أن تعمل بها الخوارزمية فيما يلي: تمر بيوم عمل صعب، وربما حضرت اجتماعاً ضاغطاً، وأنت في طريقك إلى المنزل.
شريكك أيضاً مرّ بيومٍ سيئ، ومن خلال رصد مستويات التعرُّق لدى كليكما وكذلك معدلات ضربات القلب والطريقة التي تتحدثان بها على مدار الساعات الماضية، يمكن للخوارزمية أن تقوم بحساب مدى احتمالية احتكاكك بشريك لا يقل عنك حنقاً عند وصولك إلى المنزل.
تقول تشاسباري: "عند هذه النقطة يمكننا التدخل لحل الخلاف بشكل أكثر إيجابية".
تقول أديلا تيمونس، الأخصائية النفسية في المشروع، التي تعمل في المركز العيادي والكمي للأطفال والأسر بجامعة فلوريدا العالمية، يمكن القيام بهذا ببساطة من خلال إرسال رسالة إلى الزوجين قبل تصاعد الخلاف".
"نعتقد أن بوسعنا أن نكون أكثر فاعلية في علاجاتنا إذا تمكنا من تقديمها للناس في حياتهم، في اللحظات التي يكونون في أمس الحاجة إليها".
وليس بوسع النموذج التقليدي للعلاج أن يحقق هذا الهدف. إذ يمكن أن تُعقد جلسة العلاج لمدة ساعة مرة واحدة أسبوعياً، يمكن للمرضى خلالها استرجاع ما حدث منذ الجلسة السابقة، مع الحديث عن المشكلات التي ظهرت.
تقول تيمونس: "ليس بوسع المعالج أن يكون بجانب المرضى في اللحظة التي يحتاجون فيها الدعم بالفعل. ثمة خطوات كثيرة في العملية التقليدية يمكن أن ينهار فيها الدعم ويصبح أقل فاعلية".
ولكنَّ الرسالة التوجيهية المستندة إلى الرصد المستمر لسيكولوجية البشر وكلامهم يمكن أن تحقق حلم التدخل العلاجي اللحظي، كما يمكن أن تسمح أيضاً بتحقيق صورة موحدة بشكل أكبر للعلاج، على حد قول هيلجادوتير.
وتقول هيلجادوتير، التي طورت منصة مستندة إلى الأدلة للذكاء الاصطناعي لعلاج القلق الاجتماعي:
"لا أحد يعرف بالضبط ما يحدث في غرف العلاج المغلقة. أحياناً لا يتم استخدام أكثر الأساليب نجاعة لأنها تتطلب أن يبذل المعالج مزيداً من الجهد. على الجانب الآخر، يمكن أن تكون المكونات العيادية لأنظمة العلاج القائم على الذكاء الاصطناعي مفتوحة وشفافة بالكامل.
فهي يمكن تصميمها ومراجعتها على يد كبار الباحثين والممارسين في المجال. علاوةً على ذلك، فإنَّ الحواسيب لا تأخذ إجازات، ولن تشعر بفرق إذا كان 1100 أو 1000 مستخدم يستفيدون منها في نفس الوقت.
غير أنَّ الأمر لا يخلو من أخطار كامنة محتملة، وليس ثمة ضمان على أنَّ رسالة تحذير على هاتفك الجوال من إمكانية وقوع شجار لن ترتد عكسياً عليك وتزيد من إزعاجك. وعلى ذلك، فإنَّ وقت التدخل يحمل أهمية جوهرية.
تقول تيمونس: "ربما لا نريد أن نتدخل فعلاً أثناء الشجار. إذا كان الزوجان يشعران بالانزعاج بالفعل، فإنّهما لن يكونا في حال يسمح لهما باستقبال التحذيرات على هاتفهما المحمول على نحو يسمح لهما بالهدوء".
وتكمل "لكن إذا تمكنا من اللحاق بهما في اللحظة التي يبدأ فيها الخلاف بالاشتعال قبل أن يفقدا السيطرة على سلوكهما؛ فإنَّ هذه نقطة جيدة للتدخل".
ولا تزال هناك الكثير من العوائق التكنولوجية التي يجب التغلب عليها قبل إخراج تطبيق كهذا إلى النور. إذ يحتاج الفريق إلى صقل الخوارزميات واختبار نجاعتها على نطاق أوسع من الناس. كما أنَّ هناك أسئلة كبرى تتعلق بالخصوصية.
إذ يمكن أن يتسبب اختراق البيانات في جهاز يخزن بيانات علاقتك مع شريكك أن يعرض الكثير من المعلومات الحساسة للخطر. كما يمكن للمرء أيضاً أن يتساءل عما يمكن أن يحدث للبيانات في حال وقوع جريمة، مثل العنف الأسري.
تقول تيمونس: "علينا أن نفكر في الكيفية التي سنعالج بها تلك المواقف والطرق التي سنحافظ بها على سلامة الناس وخصوصيتهم. وتلك إشكالات اجتماعية أوسع سنواصل مناقشتها".
إذا نجح هذا النموذج في العلاج بالفعل، فيمكن أن يفتح الأبواب أمام طرق مشابهة لتحسين أنواع أخرى من العلاقات؛ مثل العلاقات داخل الأسرة، أو في العمل، أو العلاقة بين الطبيب والمريض.
وكلما زاد رصد الأجهزة المختلفة في أجسامنا، بدءاً من حركات العينين ووصولاً إلى تيبس العضلات، زاد ما يتكشَّف لنا مما هو مختبئ في علاقاتنا. ويمكن أن يثبت وجود طبقات عديدة من المعنى خلف حديثنا وتفاعلاتنا الفسيولوجية الأساسية، التي يمكن للماكينات أن تفك شفرتها بأفضل طريقة ممكنة.