في حادثة نادرة في العاصمة السورية التي تُعد آمنة نسبياً، وقع تفجير بعبوة ناسفة، صباح الأحد 20 يناير/كانون الثاني في دمشق، وأعلن تنظيم يُدعى سرية أبوعمارة مسؤوليته عنه.
وأفاد الإعلام الرسمي السوري، بأنه تم اعتقال "الإرهابي" المسؤول عن هذا التفجير، الذي يعد الأول من نوعه في دمشق منذ نحو عام.
المرصد السوري لحقوق الإنسان يتحدَّث عن سقوط قتلى لم يسمع عنهم الإعلام الرسمي
وفي حين أفاد الإعلام الرسمي السوري عن عدم وقوع ضحايا، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان سقوط قتلى وجرحى، من دون أن يتمكن من تحديد حصيلة.
واكتفى الإعلام الرسمي السوري صباحاً بالإشارة إلى أنباء أولية تتحدث عن "عمل إرهابي"، عند الطريق السريع في جنوبي العاصمة، من دون إضافة أي تفاصيل.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) في وقت لاحق، أن "التفجير الذي سُمع صوته في دمشق عبارة عن تفجير عبوة مفخخة، دون وقوع ضحايا، ومعلومات مؤكدة بإلقاء القبض على إرهابي".
وفي حين قال مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن لوكالة "فرانس برس" إن "الانفجار الكبير وقع قرب فرع أمني في جنوبي دمشق، إلا أنه ليس واضحاً ما إذا كان ناتجاً عن عبوة ناسفة أو تفجير انتحاري"، مشيراً إلى أنه أعقبه تبادل كثيف لإطلاق النار.
وأوضح عبدالرحمن أن التفجير، الأول في دمشق منذ أكثر من عام، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، من دون أن يكون بوسعه تحديد حصيلة حتى الآن.
اختراق لحصن النظام الآمن
ومنذ عام 2011، بقيت دمشق نسبياً بمنأى عن النزاع الدامي الذي تشهده البلاد، إلا أنها تعرَّضت لتفجيرات دامية تبنَّت معظمها تنظيمات جهادية وأودت بحياة العشرات، بينها تفجير تبنَّاه تنظيم الدولة الإسلامية، في مارس/آذار 2017، واستهدف القصر العدلي، مُسفراً عن مقتل أكثر من 30 شخصاً.
وسبقه في الشهر ذاته تفجيران، تبنتهما هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، واستهدفا أحد أحياء دمشق القديمة، وتسبَّبا في مقتل أكثر من 70 شخصاً، غالبيتهم من الزوار الشيعة العراقيين.
ووقع آخر تفجير في العاصمة، وفق المرصد السوري، في ديسمبر/كانون الأول العام 2017، ونجم عن انفجار عربة مفخخة في جنوبي العاصمة، من دون أن يُسفر عن سقوط قتلى.
ولكن هذه العملية قد تكون مؤشراً لتغير شكل الصراع
ولَطالما شكَّلت دمشق هدفاً لقذائف الفصائل المعارضة، التي كانت تسيطر على أحياء في أطرافها ومناطق في محيطها، أبرزها الغوطة الشرقية.
لكن إثر عمليات عسكرية واتفاقات إجلاء مع الفصائل المعارضة والجهاديين، تمكَّن الجيش السوري النظامي، في أبريل/نيسان العام 2018، من السيطرة على الغوطة الشرقية، قبل أن يستعيد في مايو/أيار، كافة أحياء مدينة دمشق ومحيطها.
وبعد تأمين العاصمة ومحيطها، أزالت السلطات غالبية الحواجز الأمنية من شوارع دمشق الرئيسية، التي لَطالما تسبَّبت بزحام سير خانق، وخصوصاً في ساعات الذروة، في مدينة تُعرف أساساً باكتظاظها.
وتعد هذه العملية والجهة المسؤولة عنها مؤشراً على تغير في شكل الصراع السوري من المواجهة المفتوحة إلى العمليات ذات الطابع الخاطف.
إذ إن سرية أبوعمارة التي تبنَّت المسؤولية يبدو أنها تركز على مثل هذه العمليات.
النشأة حلبية قحّة.. لماذا اكتسبت كل هذه الشعبية في كبرى مدن سوريا؟
تشكَّلت سرية أبوعمارة بعد فترة قصيرة من انطلاق الثورة السورية في مدينة حلب، التي هي أكبر المدن السورية من حيث السكان قبل الثورة.
ففي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تم الإعلان بشكل رسمي عن انطلاق "كتائب أبوعمارة"، عبر تنفيذ عملية اغتيال استهدفت أحد قادة الشبيحة في مدينة حلب.
وكانت الولادة باسم "سرية أبوعمارة للمهام الخاصة"، حسب تقرير لموقع المدن.
وارتبط اسم "كتائب أبوعمارة" أو سرية أبوعمارة باسم قائدها وأحد مؤسسيها، مهنا جفالة "أبوبكري".
وكانت سرية "أبوعمارة" قبل دخول "الجيش الحر" إلى حلب، صيف عام 2012، تشكل هاجساً أمنياً مقلقاً للنظام.
ولكن بدأ خطّها البياني بالهبوط بعد دخول الفصائل الأخرى إلى مدينة حلب، التي كانت ميدان السرية الخاص، وأحد أهم الرمزيات التي استندت إليها هذه السرية.
إذ ظلَّت لفترة الفصيل الحلبي الوحيد في المدينة، بينما كانت الفصائل الأخرى قادمة جميعها من ريف حلب، قبل ظهور فصائل أخرى أسَّسها أبناء المدينة لاحقاً.
واكتسبت سرية أبوعمارة شهرة على الصعيدين الشعبي والإعلامي، بسبب العمليات التي نفَّذتها، والعلاقة القوية التي ربطتها بالناشطين والتنسيقيات داخل المدينة.
واستحوذت على دعم التجار والميسورين من أبناء مدينة حلب المؤيدين للثورة دعم وإن لم يكن كبيراً، إلا أنه كان كافياً لتستمر "أبو عمارة".
ولكن هذه الصورة الشعبية المنتفحة بدأت تتغير تماماً.
من الدعوة للحرية إلى اللهجة الطائفية.. سرية أبوعمارة نموذج لما حدث للثورة السورية
تعد التغييرات التي مرّت بها بهذه المجموعة المسلحة مثالاً واضحاً للتقلبات التي شهدتها فصائل الثورة السورية نتيجة قمع النظام، وتأثرها بالخطاب الجهادي.
ففي البداية جذب مهنا جفالة قائد "كتائب أبوعمارة" الذي كان طالباً وسيماً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاهتمام الإعلامي، كشاب متعلم، فضّل مغادرة كليته في جامعة حلب قبل تخرجه، لصالح النضال ضد النظام الديكتاتوري، قبل أن تحدث الكثير من المتغيرات لاحقاً.
ففي إطلالاته الإعلامية حتى عام 2013 كان جفالة يتحدث عن الحرية وحقوق الإنسان، وتخليص السوريين من الديكتاتورية والاستبداد.
ثم تدريجياً بدأ التنظيم يتبنَّى خطاب التنظيمات الجهادية المعولمة، الذي بلغ ذروته في البيان الذي أصدرته "الكتائب" بعد مقتل أبوعمر سراقب، أحد قياديي "جبهة فتح الشام"، بغارة أمريكية على ريف إدلب، الذي تجاوز التعزية المعتادة والإدانة من فصائل أخرى، إلى تهديد الولايات المتحدة بالانتقام، ومسار طويل من التحولات.
كما يبدو من بيانات التنظيم التي تظهر في مواقع للمعارضة السورية اللهجة الطائفية الموجهة ضد الشيعة والعلويين.
إضافة إلى ذلك رفض التنظيم محاربة داعش في بعض المراحل.
والتنظيم تراجعت قوته على الساحة ولكن غيَّر أسلوبه
ولكن اللافت في هذا التنظيم الذي تراجعت قوته حتى قبل سقوط حلب في يد النظام، هو تركيزه على العمليات الأمنية الخاطفة، التي تتضمن تفجيرات واغتيالات.
إذ يصف أحد مواقع المعارضة السورية سرية أبوعمارة بأنها "مختصة بالعمليات الأمنية والعمل خلف خطوط العدو، وكان لها ضربات عديدة ضد الجيش النصيري في حلب وحماة"، حسب تعبير الموقع.
وبعض هذه الاغتيالات ليست بالضرورة تستهدف شخصيات أمنية أو عسكرية للنظام، بل شخصيات مدنية، مثل تصفية "عزيز إسبر" مدير البحوث العلمية في مصياف، والمقرب من النظام، حسبما ذكرت مواقع للمعارضة السورية.
وتشير هذه العمليات إلى أنه رغم انتصار النظام وسيطرته على مساحات كبيرة من البلاد، وتأمينه العاصمة دمشق، إلا أنه قد يواجه شكلاً جديداً من العنف الخاطف، الذي يشبه ذلك الذي واجهته العديد من الدول العربية مثل مصر والجزائر.
والأخطر أن شعور هذه الجماعات بالعزلة والهزيمة قد يفضي مثلما حدث في الجزائر إلى دوامة من العنف والتطرف، لا تقتصر آثارها على العناصر العسكرية للنظام، بل تستهدف المتعاطفين.
ففي الحالة الجزائرية تحديداً، تطوّر الأمر من مهاجمة الجماعات المسلحة لرجال الشرطة والجيش إلى استهدافها للمحايدين في الصراع، ثم استهدفت مؤيديها وأعضاءها المتحفظين على المغالاة في العنف.