لا يوجد أحد مثالي، وقد يحتاج بعضنا إلى تعلم كيفية الاعتذار فكلنا نرتكب الأخطاء، ولدينا القدرة على إيذاء المحيطين بنا من خلال تصرفاتنا وأفعالنا، سواء كانت مقصودة أم لا. وأن تكون لديك ثقافة الاعتذار ليست أمراً سهلاً دائماً، ولكن تقديم الاعتذار بالطريقة المُثلى والأكثر فاعلية يساعد على استعادة الثقة والتوازن في العلاقة، عندما تقوم بشيء خاطئ.
فالاعتذار في حد ذاته هو إظهار ندمك على فعل معين، كما تعترف بالأذى الذي سببته نتيجة فعلك. وتعلم فنون الاعتذار وكيفية القيام به يعتبر الطريق للحصول على العفو، وعودة العلاقات الجيدة.
ثقافة الاعتذار تعزز ثقتك في نفسك، وتعيد كرامة الشخص الآخر
أولاً: يفتح الاعتذار حواراً بينك وبين الشخص الآخر، كما يمنح الشخص الآخر الفرصة التي يحتاجها للتواصل معك.
ثانياً: عندما تعتذر، فإنك تُقّر أيضاً بأنك قد آذيت أحدهم، وأن فعلك كان خاطئاً. هذا يساعدك على إعادة بناء الثقة وإعادة تأسيس علاقتك مع الشخص الآخر.
ثالثاً: يُظهر الاعتذار الصادق أنك تتحمل المسؤولية عن أفعالك، وهذا يساعد على تعزيز ثقتك بنفسك، واحترام الذات.
رابعاً: باعتذارك النابع من إحساسك بالخطأ، فأنت تعيد للشخص الآخر كرامته، وهذا يعود بنفعه عليك أيضاً، فلا تستمر في لوم نفسك على ما فعلته.
الاعتذار شعور صعب، ولكن العزوف عنه سيئ العواقب
من الممكن أن تواجه صعوبة بالغة في الاعتذار عن ارتكاب الأخطاء، فقد تظن أن الاعتذار يجرح كرامتك. ويرفض البعض الاعتذار لأنه يضعهم في موقف الضعيف، ويجعلهم يشعرون بالخجل والإحراج على ما اقترفوه من أفعال خاطئة.
في حقيقة الأمر، فإن الاعتذار الصادق صعب للغاية، فقبول حقيقة أنك ارتكبت خطأً شيء مؤلم عندما يحدث في داخلك، ناهيك عن اعتذارك واعترافك بالخطأ أمام آخرين.
وعليك أن تعلم أن الاعتذار لا يهدف إلى إذلال نفسك في أعين الآخرين، لكنه إظهار لقوتك الداخلية.
كما أن لهذا العدول عن الاعتذار آثاراً سيئة؛ إذ يضر بالعلاقة بين الزملاء، والأصدقاء، وأفراد العائلة. ولو عُرف عنك أنك لا تعتذر عند ارتكاب الأخطاء، فهذا يقلل من فرصتك في الحصول على عمل.
ولو كنت تعمل بالفعل مع فريق، فسوف تلاحظ ابتعاد الآخرين عنك، فلا أحد يريد العمل مع شريك عمل عدائي ومتوتر، ويخطئ ولا يعتذر، أو قد تتحول بيئة العمل إلى مكان مليء بالعداء.
ولكن هل تكفي جملة "أنا آسف" لقبول الاعتذار؟
آسف وحدها لا تكفي، فالكلمة بمفردها قد تُشعرك أن من أمامك ليس صادقاً، وإنما يعتذر لغرض آخر في نفسه، ولكن إذا كانت مصحوبة بشعور بالندم.
وبسبب الاعتذار نفسه فهذا يعني أن من يعتذر لا ينوي تكرار ما فعله مرة أخرى، كما يمكنك تأكيد أنك ستتغير، وتَعِد بأنك لن تُكرر ما فعلته مرة أخرى.
فن الاعتذار.. في أربع خطوات
في مقال في مجلة أبحاث علم النفس اللغوي Journal of Psycholinguistic Research، قدم عالما النفس ستيفن شير وجون دارلي إطاراً من أربع خطوات توضح فنون الاعتذار.
الخطوة 1: التعبير عن الندم، ووصف ما فعلت بوضوح
من الممكن استخدام آسف أو أنا أعتذر، فهذه الكلمات تعبر عن الندم. ولكن من المحبذ ألا تقولها منفردة، وإنما اقرنها بالأسباب. على سبيل المثال يمكنك أن تقول أنا آسف لأنني رفعت صوتي أمامك بالأمس، أو أعتذر لسوء تصرفي معك.
حاول أن يكون الاعتذار نابعاً من داخلك، وانتقٍ كلماتك بعناية، وكن صادقاً مع نفسك ومع الشخص الذي تعتذر له.
الخطوة 2: الاعتراف بالمسؤولية، وفهم تأثير ما فعلت أو ما قلت
وتتطلب تلك الخطوة أن تتعاطف مع من ظلمته. لا تضع افتراضات واهية، وضع نفسك في مكان الشخص الذي جرحته أو أحرجته، وتخيل شعوره في ذلك الموقف.
فعلى سبيل المثال، لو تأخرت عن تسليم عملك في الوقت المحدد، فعليك أن تعترف بمسؤوليتك، والعواقب التي قد تترتب على تأخرك مثل إنهاء العميل للتعاقد معك.
الخطوة 3: التعويض
وهنا عليك أن تجد طريقة تعوض بها من أسأت إليه على حسب الموقف. فعلى سبيل المثال لو أخطأ المدير في حق أحد موظفيه أمام موظف آخر أو أكثر، فعليه أن يعتذر إليه أمامه، أو أن يمتدحه أمامهم، أو أن يعطيه فرصة تحمل مسؤولية معينة ليظهر من خلالها مهارات، على أن يتجنب أن يكون وعداً زائفاً، فهنا يكون الضرر مضاعفاً.
الخطوة 4: الوعد بأن الأمر لن يتكرر
وتعتبر بمثابة رسالة اطمئنان بأنك غيرت سلوكك. وتساعد تلك الخطوة على إعادة بناء الثقة وإصلاح العلاقة مرة أخرى.
من الممكن إضافة خطوة أخرى، ألا وهي عدم تقديم الأعذار، فلو أقدمت على تفسير موقفك، وشرح سبب تصرفك على هذا النحو، فلا تلجأ إلى تقديم الأعذار فتلقي باللوم على شخص أو شيء آخر، فهذا يظهرك ضعيفاً.
ماذا لو لم يتقبل الطرف الآخر اعتذارك؟
في بعض الأحيان لا يكفي اعتذار واحد فقط لإظهار الندم الحقيقي، وقد تكون مجبراً على تقديم الاعتذار عدة مرات للحصول على العفو خاصة إذا كان خطأك جسيماً. تكرار الاعتذار يعد تأكيداً على الشعور بالندم، وهذا الندم يساعد على تقليل غضب الآخر، ويعيد بناء ثقته.
إذا فعلت الخطوات السابقة بأكملها، وفي النهاية رُفض اعتذارك، فكل ما عليك فعله أن توضح أنك تريد الحفاظ على علاقتك جيدة مع الشخص الآخر، فيمكنك القول إنك آسف أن ما فعلته قد أوصلكما إلى تلك النقطة، وإنك تود أن تستعيد علاقتك الجيدة، وتوضح له أنك في انتظاره دائماً إذا غير وجهة نظره وقبل اعتذارك.
الاعتذار بين الزوجين.. هدية رمزية قد تكون كلمة السر
يمكن لكلا الزوجين أن يخطئ في حق شريكه، ولكن هل هناك ثقافة اعتذار بين الزوجين؟ الاعتذار بين الزوجين أمر لا مفر منه؛ خطوةٍ هامة في مسيرة التفاهم. ففي حال أخطأت الزوجة بحق زوجها فأمامها اختيار الطريقة التي تعتذر بها حسب شخصية زوجها.
فيمكنها تقديم الاعتذار مباشرة، أو اعتماد طريقة أخرى تجدي معه نفعاً عبر إعداد وجبة يحبها، أو تقديم هدية رمزية.
يمكن للزوج كذلك الاعتذار لزوجته إذا أخطأ بحقها، ويكون ذلك بالطريقة المباشرة، أو اللجوء إلى الرسائل المرفقة مع الورود، أو هدية رمزية، قد تُعبّر عن الكثير وتتسبب في كَسر حواجز الرهبة، بجوار القيمة المعنوية لها.