في وقتٍ متأخر من الليل بين الأحد 20 يناير/كانون الثاني والاثنين 21 يناير/كانون الثاني، سيدور القمر ماراً بالظل الذي تُلقيه الأرض. سوف يُمكن لأي شخصٍ في أمريكا الشمالية والجنوبية -وكذلك مناطق من شمال أوروبا والساحل الشمالي الغربي الإفريقي في إشارة إلى المغرب- أن يشهد الخسوف الكلي للقمر، الذي سيعتم القمر تماماً لمدة ساعة ودقيقتين.
الأكثر من ذلك أنَّ القمر في حالته تلك سيكون قرب أقرب مسافاته من الأرض، ما يجعله في هذه الحالة "قمراً عملاقاً"، بمعنى أنَّه سيبدو أكبر قليلاً من المعتاد في السماء. كذلك سيكون ذلك آخر خسوف كلي حتى مايو/أيار عام 2021 بحسب موقع Vox الأمريكي.
تبدأ المرحلة الجزئية الأولى من الخسوف بتوقيت 9:36 مساءً بالتوقيت الشرقي (EST) في يوم 20 يناير/كانون الثاني. وتبدأ مرحلة الخسوف الكلي -يميُّزها سقوط ظلٍ بلون أحمر دموي على سطح القمر- بتوقيت 11:41 مساءً بالتوقيت الشرقي وتنتهي بتوقيت 12:43 صباح يوم 21 يناير/كانون الثاني.
اطَّلع هنا على موعد بداية الخسوف بتوقيتك المحلي، ولتأمل أن تكون السماء صافية حينها!
لِمَ يحدث الخسوف؟
الإجابة البسيطة لذاك السؤال هي: "لأنَّ القمر أحياناً ما يمر من خلال ظل الأرض". لكنَّ الأمر أعقد من ذلك.
أولاً، لكي يحدث الخسوف على القمر أن يكون بدراً. عندما يكون القمر في طور البدر، يعني هذا أنَّ الشمس، والأرض، والقمر، في حالة اصطفاف.
الآن ربما تفكر: "لِمَ لا نرى خسوف الشمس كل بدرٍ إذَن؟".
هذا لأنَّ مدار القمر لا يطابق مدار الأرض تماماً. بل إنَّه يميل عنها بمقدار 5 درجات.
لا يعلم أحد تحديداً ما سبب هذا الميل، لكن يُحتَمَل أن يكون للأمر صلةٌ بالطريقة المُرجَّح أن يكون القمر قد تكوُّن بها: من جسمٍ ضخم اصطدم بالأرض.
هذا يعني أنَّه في معظم مرَّات ظهور البدر، لا يطال ظل الأرض القمر.
هناك نقطتان على مدار القمر حيث يمكن لظل الأرض السقوط على القمر. وتُسمَّى النقطتان "العُقَدتين" (Nodes).
حتى يحدث الخسوف، على القمر أن يكون على مقربةٍ شديدة من إحدى العقدتين.
وعندما تصطف الشمس، والأرض، والقمر، على مستوى عقدةٍ واحدة يقع في مسار ظل الأرض.
عادةً ما يحدث الخسوف مرَّتين أو ثلاثة سنوياً، ويتسنَّى لكل من كان محظوظاً بالحياة في النصف المقابل للقمر في لحظة الخسوف أن يشهد حدوث هذه الظاهرة.
لن تكون بحاجةٍ لأيِّ معداتٍ خاصة أو نظاراتٍ وقائية لتشاهد الخسوف (على عكس الكسوف الكلي). لكن باستطاعة المنظار أن يمنحك رؤيةً أفضل وأكثر تفصيلاً لجغرافية القمر المُعتَم بالظل.
ما هو القمر العملاق؟
إنَّ مدار القمر حول الأرض ليس دائرة كاملة. بل إنَّه بيضاويّ الشكل، وهو شكلٌ طوله يزيد على عرضه. وفيما يتبع القمر مداره، أحياناً ما يكون أقرب للأرض وأحياناً أبعد. وعند نقطة الحضيض (perigee)، أي أقرب نقطةٍ للأرض في مدار القمر، يكون القمر أقرب للأرض بمسافة 31068 ميل (أي 5000 كيلومتر) عمَّا يكون في نقطة الأوج (apogee) وهي أبعد ما يكون عن الأرض.
وفي الوقت ذاته، نحن نرى أطواراً مختلفة للقمر -بدر، وهلال، وأحدب متزايد، وأحدب متضائل- تعتمد على ما إن كان جانب القمر المواجه للشمس يواجه الأرض تماماً بدوره.
تحدث ظاهرة القمر العملاق عندما تتطابق هاتين الدورتين ونشهد بدراً يكون قرب نقطة الحضيض. ما ينتج عن ذلك هو أن يبدو البدر "العملاق" أكبر قليلاً وأكثر سطوعاً في السماء. ويشير جيم لاتيس، وهو عالم فلك بجامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية، إلى أنَّ هذا يحدث مرةً كل 14 بدر تقريباً.
ومع ذلك، فإنَّ الفرق بين البدر الطبيعي وذاك العملاق ليس مهولاً كما يبدو. وقد وصف عالم الفيزياء الفلكية ومقدِّم البرامج نيل ديغراس تايسون الجنون المحيط بظاهرة القمر العملاق بأنَّه مبالغ فيه.
وقال في برنامج StarTalk الإذاعي: "إذا كان لديك بيتزا بعرض 16 بوصة، هل تصفها بأنَّها عملاقة مقارنةً ببيتزا بعرض 15 بوصة؟". وتوضِّح وكالة الفضاء ناسا أنَّه في أغلب الأمر تكون الفروق بين البدر الطبيعي والعملاق "لا يمكن تمييزها" بالعين المجردة.
كذلك لا توجد أية أهمية فلكية للقمر العملاق فضلاً عن كونه هدفٌ أكبر قليلاً يرقبه الفلكيون الهواة.
لِمَ يصبح القمر أحمر أثناء الخسوف؟
خلال خسوف الشمس -مثل ذاك الذي شهدته أمريكا الشمالية الصيف الماضي- يستحيل قرص الشمس شديد السطوع أسود، كاشفاً جوّ للشمس.
ما يحدث أثناء الخسوف القمري يكون أقل درامية، لكن بديعاً في كل الحالات.
عندما يمرُّ ضوء الشمس خلال غلافنا الجوي، تحبس الغازات وتنثُر الضوء الأزرق في طيف ألوان الضوء الأبيض (لذا تبدو السماء زرقاء). بينما تمرُّ الأطوال الموجية الحمراء، والبرتقالية، والصفراء، من خلال ظل الأرض وتُسقَط على القمر.
بمعنى آخر، فإنَّ الخسوف الكلي هو كما لو أُسقِطَت كل مشاهد الغروب والشروق على القمر.