رغم أنه كان مليئاً بالاضطرابات السياسية الكثيرة، بين جريمة القتل البشعة للصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، وعودة النزعة الاستبدادية في أوروبا الشرقية، إلا أن عام 2018 كان خالٍ من الانقلابات السياسية.
2018 خال من الانقلابات السياسية
ووفق موقع Business Insider الأميركي، كان عام 2018 مستقراً على نحو غير عادي في بعض النواحي، ويتجه إلى أن يكون العام الثاني خلال هذا القرن الذي لم يشهد انقلاباً.
فقد كان آخر رئيس تمت الإطاحة به هو رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، وقد حدث ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.
68 عاماً شهدت 463 انقلاباً
ومنذ عام 1950، شهد العالم قرابة 463 محاولة انقلاب، 233 منها كانت ناجحة.
وقد تسببت هذه التحولات غير الديمقراطية في السلطة في اندلاع حروب أهلية، وشن حملات من القمع والاستبداد، إضافة إلى إعاقة النمو الاقتصادي.
وقبل عام 2018، كان العام الوحيد من القرن الماضي، الذي لم يشهد فيه العالم انقلاباً، هو عام 2007.
انخفاض خطر الانقلابات في جميع أنحاء العالم
ما دامت الحكومات موجودة، فستتواصل الانقلابات ومحاولات الانقلاب أيضاً.
وقد عبر قيصر نهر الروبيكون في 49 قبل الميلاد، في محاولة للانقلاب على مجلس الشيوخ الروماني، ليواجه الموت في 15 مارس/آذار من عام 44 قبل الميلاد.
كما تولى نابليون بونابرت السلطة من خلال القيام بانقلاب عسكري، وقاد هوغو تشافيز انقلاباً فاشلاً قبل أن يفوز بالانتخابات.
وفقاً لموقع CoupCast، الذي يقوم بتحليل بيانات عن الانتخابات والاقتصاد والصراع والقيادة والسياسة، للتنبؤ بالبلدان التي من المرجح أن تشهد محاولة انقلاب.
فإنه خلال أواخر القرن العشرين كان هناك احتمال بنسبة 99% لحدوث انقلاب واحد على الأقل كل عام.
لكن بدأ خطر الانقلاب في الانخفاض عام 2000، حيث وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق بنسبة 88% عام 2018.
أميركا اللاتينية كانت بؤرة الانقلابات
وحسب التحليلات لبيانات CoupCast، فهذا التقدم الواضح فيما يتعلق بالاستقرار السياسي لم يكن موزعاً بالتساوي في جميع أنحاء العالم.
إذ شهدت بعض المناطق انحدار خطر الانقلاب بشكل أكبر بكثير.
وكانت أميركا اللاتينية خلال القرن العشرين بؤرة للانقلابات، حيث شهدت دول مثل: الأرجنتين وفنزويلا وهندوراس وبوليفيا العديد من الزعماء المنتخبين بشكل ديمقراطي، الذين تمت الإطاحة بهم من قبل الجيش.
ومن حين لآخر، تم عزل قادة أميركا اللاتينية الذين صعدوا إلى السلطة بفضل انقلاب عسكري وخرجوا منها كذلك بسبب انقلاب عسكري.
هذا تحديداً ما حدث للرئيس الأرجنتيني الجنرال خوان بيرون عام 1955، كما أُطيح بزوجته الثانية التي تدعى إيزابيل، من قبل الجيش.
5 انقلابات من أصل 142 حصلت في القرن الجديد في أميركا اللاتينية
لكن من بين 142 محاولة انقلاب مسجلة في أميركا اللاتينية منذ عام 1950، لم تحدث سوى 5 منها منذ عام 2000، آخرها ضد الرئيس الهندوراسي مانويل زيلايا الذي أطاح به الجيش عام 2009.
وكانت الانقلابات شائعة في آسيا أيضاً، في تايلاند وباكستان على وجه الخصوص.
حيث كان تغيير القيادة القسري سمة مميزة لديمقراطيات هذه البلدان المضطربة بعد الحرب العالمية الثانية.
لكن الوضع تغير، حيث إن 6 فقط من بين 62 محاولة انقلاب مسجلة في آسيا وقعت في الأعوام 18 الماضية.
كيف استقرت كل من أميركا اللاتينية وآسيا؟
تشير الأبحاث حول الأرجنتين وبوليفيا ودول أميركا اللاتينية الأخرى التي لها تاريخ من الانقلابات، إلى أن الأحداث في الدول الاستبدادية للغاية يمكن أن يكون لها تأثير ديمقراطي في نهاية المطاف
وعلى الرغم من أنه أمر غير بديهي، فإن قادة الانقلابات الناجحين غالباً ما يقومون بانتقال ديمقراطي لتعزيز شرعيتهم والمساعدة على النمو الاقتصادي في بلادهم.
وتشير الدراسات إلى أن الانقلابات الفاشلة يمكن أن تقود الزعماء الاستبداديين نحو الإصلاح.
وقد كان ابتعاد الدول الآسيوية عن الانقلابات خلال القرن الحالي مشابهاً للنهج الذي اتبعته دول أميركا اللاتينية في بعض النواحي.
فعلى سبيل المثال، أعقب الانقلاب في كوريا الجنوبية في عام 1961 نمو اقتصادي سريع والعودة إلى انتهاج الديمقراطية بعد عقود من الانقلاب.
لكن تزايد الاتكال المتبادل بين الدول الآسيوية والقوى العظمى العالمية في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة ساهم في إرساء استقرار إقليمي أوسع.
الأمر الذي خلق النمو الاقتصادي الذي يقود الدول إلى إرساء الطابع الديمقراطي ويساعد على استقرارها.
مرحلة من عدم الاستقرار في بعض البلدان الإفريقية
شهد الاستقرار السياسي في إفريقيا تحسناً منذ عام 2000، لكن القارة السوداء لم تسر على خطى كل من أميركا اللاتينية وآسيا في هذا المجال.
وقد شهدت إفريقيا 35 محاولة انقلاب خلال الأعوام 18 الماضية، أي بمعدل انقلابين كل عام.
وتكشف البيانات التي يقدمها موقع CoupCast أن المواطنين الأفارقة أكثر عرضة للعيش في ظل الانقلابات بنسبة 10% مقارنة بغيرهم ممن يعيشون في مناطق أخرى من الكرة الأرضية.
وحسب التحليلات، فإن هناك عاملين يدفعان إلى استمرار خطر الانقلاب في إفريقيا، ويتمثلان في اقتصاد البلاد وتاريخ الانقلابات على المستوى الإقليمي.
وعلى الرغم من أن العديد من البلدان الإفريقية شهدت تقدماً اقتصادياً كبيراً في العقود الأخيرة، لا سيما نيجيريا وغانا وإثيوبيا.
فإن معدل النمو لا زال متفاوتاً وقد انخفضت نسبة الفقر في المنطقة إجمالاً بدرجة طفيفة منذ عام 2000.
إذ يمكن أن تقود الظروف الاقتصادية السيئة إلى اضطرابات شعبية، نظراً لأنه غالباً ما يتحد الفقر والاحتجاجات، على غرار الأحداث الأخيرة في كل من أوغندا وملاوي.
وغالباً ما يتحد هذان العاملان ليصبحا بمثابة إشارة لدعم قياديي الانقلاب المحتملين.
ويمكن أن تؤدي الانقلابات إلى خلق مرحلة من انعدام الاستقرار السياسي في البلاد.
ومن بين 12 دولة إفريقية شهدت محاولات انقلاب منذ عام 2007، عايش نصفها، بما في ذلك غينيا بيساو وبوركينا فاسو، العديد من الانقلابات.
إن التاريخ الوطني الطويل لتدخل الجيش للإطاحة بالحكومات يجعل من عمليات انتقال السلطة بطريقة غير ديمقراطية تبدو أمراً طبيعياً، ما يؤدي إلى مزيد من الانقلابات.
ورغم أن هذه العمليات يمكن أن تساعد في بعض الأحيان على النمو الاقتصادي، فإن عدم الاستقرار الذي تسببت به في إفريقيا أدى في بعض الأحيان إلى الإضرار باقتصاد العديد من البلدان.
تزايد فرصة "الانقلاب" خلال عام 2019
استطاعت بلدان أميركا اللاتينية الخروج من مرحلة الانقلابات بعد 30 عاماً، على الرغم من الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي كانت تعيشها.
كما تمكنت الدول الآسيوية من الخروج من هذه المرحلة في فترة زمنية أقصر.
ومن المتوقع أن تتمكن الدول الأفريقية من القيام بالأمر ذاته نظراً لانتهاجها طريقاً صحيحاً.
ويشير موقع CoupCast إلى احتمال بنسبة 55.5% لحدوث محاولة انقلاب واحدة على الأقل في إفريقيا خلال عام 2019.
أي أقل من توقعات هذا العام فيما يتعلق بحدوث انقلابات التي كانت نسبتها 69%.
وبالطبع، تظل توقعات الانقلابات مجرد تخمينات للمحللين السياسيين، حيث لم تسجل إفريقيا، أو أي مكان آخر، أي محاولات انقلاب خلال عام 2018.
كما يشير الموقع ذاته إلى احتمال بنسبة 81% لوقوع محاولة انقلاب واحدة على الأقل في مكان ما في العالم خلال العام المقبل.