المهمة لم تنجز في سوريا، كما تباهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فالأمر يحتاج خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش وليس مجرد تدمير لخلافته المزعومة.
كان هذا رأي خبيرين أميركيَّين متخصصَين في مكافحة الإرهاب، اعتبرا أن إعلان ترامب أن المهمة قد أُنجزت في سوريا، مشابه لما وصفاه بالإعلان للمشين لجورج بوش الابن الخاص بالانتصار النهائي في العراق عام 2003، وهو الأمر الذي أعقبه اندلاع حركة مقاومة عنيفة ضد الأميركيين، تحولت لحرب أهلية وموجة أعمال إرهابية.
We have defeated ISIS in Syria, my only reason for being there during the Trump Presidency.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 19, 2018
الخبيران هما جوشوا غيلتزر المدير التنفيذي لمعهد الدفاع عن الحقوق الدستورية بجامعة جورجتاون الأميركية، والذي كان المدير الأعلى لمكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي الأميركي؛ وكريستوفر كوستا المدير التنفيذي لمتحف الجاسوسية الدولي، وضابط استخباراتي سابق، وكان مدير قسم مكافحة الإرهاب في المجلس.
وفي مقال بصحيفة The New York Times الأميركية، علق الخبيران على ما كتبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة، الأربعاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، قال فيها: "لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، وهذا كان السبب الوحيد لوجودنا هناك في أثناء مدة رئاستي".
نعم، لقد تحقق إنجاز في الحرب ولكن داعش لم يُهزم.. وأول دليل يأتي من فرنسا
الولايات المتحدة مُعرَّضة مرةً أخرى لخطر اعتبار أنَّ "المهمة أنجِزَت"، حسب وجهة نظر الخبيرين اللذين كانا مسؤولين سابقين في مجال مكافحة الإرهاب.
إذ يقولا: "صحيحٌ أنَّ ترامب مُحِق في أنَّ الولايات المتحدة أحرزت تقدماً هائلاً ضد تنظيم داعش، وقد تشرَّفنا بدعم هذه المهمة التي استهدفها البيت الأبيض على مرِّ إدارتين، بصفتنا مسؤولَين كبيرين في مكافحة الإرهاب، لكنَّ تنظيم داعش لم (يُهزَم)، ومهمتنا في سوريا لم تُنجَز بالكامل".
ويُعَد الهجوم الإرهابي الأخير في سوق عيد الميلاد بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، والذي أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 12 شخصاً، بمثابة تذكير قوي جداً بأنَّ التهديد الذي يشكله تنظيم داعش ما زال قائماً.
إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم، في ظل وفاة المُنفِّذ.
ولحسن الحظ، أصبحت هذه الأنواع من الهجمات الإرهابية الجهادية في الغرب أندر وأصغر حجماً ممَّا كانت عليه قبل 3 سنوات فقط، عندما ألقت الهجمات المروعة التي وقعت بالعاصمة الفرنسية باريس ومدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، بظلالها على موسم العطلات في عام 2015.
فالجزء الأصعب في الحرب لم يأتِ بعد
صحيحٌ أنَّ محاربة التنظيم شهدت تقدماً ملحوظاً في تلك السنوات الثلاث.
لكنَّ الجزء الأصعب ربما لم يأت بعد: وهو التعامل مع بقايا نواة التنظيم في العراق وسوريا، وفقاً للخبيرين.
وفي الواقع، وبرغم جميع النجاحات الكثيرة التي حققتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 (موعد الهجوم على برجي التجارة العالميين بنيويورك)، لم نتوصل بعد إلى طريقةٍ كاملة لتجاوز أهم منعطفٍ في سبيل هزيمة الجماعات المُهينة مثل القاعدة وداعش، من أجل القضاء عليها فعلياً.
والتاريخ يعلمنا أن داعش انبثق في العراق من ظروف مشابهة للوضع الحالي بسوريا
يمكن أن يسفر الفشل في التعامل مع المرحلة عن نتائج مميتة.
فبرغم كل شيء، انبثق تنظيم داعش من تحت رماد بقايا تنظيم القاعدة في العراق الذي بدا أنَّه يحتضر، وسيطر على أراضٍ بحجم بريطانيا.
ومن المهم جداً أن نتذكر أنَّ بعض الجماعات مثل تنظيمي داعش والقاعدة تعتبر نفسها حركات ذات أهداف نبيلة.
ومن ثَمَّ، فأفراد هذه الجماعات مقتنعون أيديولوجياً بأنَّهم يحاربون تنفيذاً لفروضٍ إلهية، ما يجعل النكسات التي تواجههم مجرد عقباتٍ مؤقتة، مع وجود بقايا عازمة على مواصلة القتال.
وهما يقترحان ما يشبه خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش
ويقترح الخبيران ما يشبه خارطة الطريق للقضاء على تنظيم داعش.
إذ يقولان: "بينما نتطلع إلى العام المقبل (2019)، من المهم أن نواصل التركيز على توجيه ضربةٍ قاضية ضد بقايا تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ويشمل ذلك القضاءَ على آخر بقايا شبكة المقاتلين التابعة للتنظيم، ودعم الحكم الذي يستعيد نشاطه في المناطق التي كانت واقعةً تحت سيطرته، وتشكيل مصادر استخباراتية وخيارات إنفاذ قانون مستدامة مخصصة لمحاربة شبكة التنظيم الإرهابية، وزيادة الضغط على التنظيم في المكان الذي ما زال يُمثِّل ملاذه الآمن: الإنترنت.
فداعش يواصل الانتشار خارج سوريا والعراق، والعثور على مقاتليه أمر صعب
ولا شكَّ في أنَّ هزيمة تنظيم داعش، على الأقل في العراق وسوريا، تبدأ باستئصال مقاتليه المتبقين.
ولكن سيشُكِّل مقاتلو التنظيم المتركزون في أماكن أخرى، مثل ليبيا وغرب إفريقيا، تحدياً كبيراً في المستقبل المنظور، حتى مع استمرار جهود مكافحة الإرهاب الأميركية ضدهم.
ويُمثِّل العثور على مقاتلي داعش واستهدافهم تحدياً كبيراً أيضاً، في ظل فرار العديد منهم إلى بعض المناطق السورية التي لا تحظى فيها الاستخبارات الأميركية بإمكاناتٍ كبيرة، والتي اختار شركاء الولايات المتحدة الرئيسون على الأرض -وهُم الأكراد السوريون- عدم متابعة التقدُّم إليها، مما قد يجعلها ملجأً محلياً لمقاتلي التنظيم.
واستمرار الحرب الأهلية في سوريا يعزز فرص عودة التنظيم
إن وجود خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش نهائياً، يعني في المقام الأول أن المناطق التي تم تطهيرها بنجاح من التنظيم، تحتاج إلى مواصلة الاهتمام بها أيضاً.
إذ إنَّ غياب الحكم المحلي وضعفه هما غالباً ما يُمكِّنان الإرهابيين من أن يحتلوا موطئ قدم في المقام الأول.
كما أن الحرب الأهلية القاتلة التي تستنزف سوريا تُعرِّض مساحاتٍ كبيرة من البلاد للبقاء من من دون حكم فعلي.
….Russia, Iran, Syria & many others are not happy about the U.S. leaving, despite what the Fake News says, because now they will have to fight ISIS and others, who they hate, without us. I am building by far the most powerful military in the world. ISIS hits us they are doomed!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 20, 2018
ولذا يجب إيجاد بديل سُني لحكم المناطق التي يوجد بها داعش
كم أن خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش بشكل فعلي، تتطلب عمل واشنطن مع شركاء دوليين لتوفير الموارد الضرورية والتدريب والدعم الدبلوماسي اللازمين لتوطيد أدنى حدٍّ ممكن على الأقل من جذور الحكم المحلي .
ويتمثل ذلك في ضرورة وجود بديلٍ عربي سُنِّي عن الحكم الوحشي الذي قدَّمه داعش.
ويعد ذلك أولويةً ملحّة، ليس فقط لمكافحة الإرهاب، ولكن لأسباب إنسانية كذلك، حسب الخبيرين.
وحذرا من أن قطع الموارد عن الحرب ضد الإرهاب في هذا المنعطف الحرج يُشكِّل وصفةً خطرة تهيِّئ الظروف لعودة التهديد الإرهابي.
ويصبُّ ذلك في مصلحة سردية تنظيم داعش التي تقول إنَّه قادرٌ على الحكم، مثلما حاول فعل ذلك بعض الوقت بالفعل.
وها هو التنظيم يكرر تجربة القاعدة ويخلق شبكة سرية.. فالأمر يحتاج لجهد استخباراتي
ويجب الانتباه إلى أن تنظيم داعش تكيَّف بالفعل مع تقلُّص سيطرته على الأراضي، بإنشاء شبكةٍ سرية يمكنها أن تُحدِث عنفاً مزعزعاً للاستقرار بسوريا والعراق، وربما في جميع أنحاء المنطقة.
وهذا هو التقهقر نفسه الذي حدث من قبلُ في العراق.
إذ تحول تنظيم القاعدة في العراق من تمرُّد إرهابي علني إلى شبكةٍ إرهابية سرية.
ويتطلَّب مواجهة ذلك بناء قدرات استخباراتية للولايات المتحدة والعراق وغيرهما من الشركاء، لاختراق هذه الشبكة عبر تعطيل هجماتها، ومصادرة تمويلاتها، واحتجاز داعميها.
وسيظل قادراً على التجنيد عبر الإنترنت، لذا يجب تطوير أساليب رصده إلكترونياً
وحتى مع تضاؤل مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم، سيظل قادراً على غرس الفكر المتطرف في أنصاره وتعبئتهم طالما يحتفظ بملاذٍ آمن افتراضي عبر الإنترنت.
وصحيحٌ أنَّ شركات التكنولوجيا الرائدة صعَّدت جهودها لمواجهة وجود الإرهابيين على منصاتها، لكنَّ الجماعات الإرهابية تكيَّفت مع ذلك.
إذ غيَّرت هذه الجماعات محتواها وجدَّدت الحسابات بطرقٍ تتحدى أساليب الشركات، وتتصل بأتباعها المحتملين مدةً كافية من الوقت، لتحويل هؤلاء المتابعين إلى محادثاتٍ مشفَّرة تماماً لتجنُّب اكتشافهم.
لذا، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ المبادرة بمشاركة أحدث المعلومات عن التوجُّهات والتكتيكات الإرهابية عبر الإنترنت إلى أقصى حدٍّ مسموحٍ به مع الشركات، حتى تتمكن من استخدام أدوات جديدة ناشئة لمواجهة وجود الإرهابيين على الإنترنت.
وهكذا سيعاود الظهور بطريقة مختلفة وبشكل أكثر فتكاً
ومن ثَمَّ، فتجريد تنظيم داعش من أراضيه وحتى مقاتليه ليس مثل القضاء عليه.
لأنَّه بعد الطرد من أحد معاقله، سيعاود الظهور بمناطق أخرى، وربما حتى في أشكال أقل قابلية للاكتشاف، لكنَّها أكثر فتكاً.
لذا، فهذا ليس هو الوقت المناسب لإنهاء المهمة، كي لا نجد أنفسنا في مواجهة خصمٍ عائد من جديد.
وما يثبت أن هناك حاجة إلى خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش بشكل نهائي، الهجمات على القوات العسكرية بوسط العراق التي ارتفعت في الأسابيع الأخيرة.
وقد يكون ذلك بسبب زيادة الاشتباكات في سوريا، وفقا لما ترى صحيفة The Guardian البريطانية.
إذ ارتفعت التفجيرات وهجمات القناصة كذلك في مدينة الرقة السورية، التي تُمثِّل أحد مركزي داعش الرئيسيَّين.
وها هو التنظيم يوجه ضربة قاسية قبيل ساعات من تغريدة ترمب
ووقعت إحدى هذه الهجمات قبل ساعاتٍ من تغريدة ترامب التي أعلن فيها أنَّ المهمة أُنجِزَت، والتي يُمكن رؤيتها من المنظور نفسه الذي رُؤي من خلاله الخطاب الشائن الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي، الأسبق، جورج بوش الابن،، انتهاء مهمة القوات الأميركية ببالعراق في عام 2003.
وقالت الصحيفة البريطانية إنَّ التنظيم فقد أكثر من 95% من الأراضي التي أعلن سيطرته عليها في عام 2014، ودُحِرَت القوة الطاغية التي هدَّدت بتمزيق حدود المنطقة، متقهقرةً إلى مهدها الأول: قطعة أرض على طول نهر الفرات على الحدود مع العراق وسوريا.
وهناك، تقاتل القوات التي يقودها الأكراد، بدعمٍ جوي أميركي، المتطرفين المستميتين في البلدات والقرى الواقعة بإقليم دير الزور في أقصى شرقي سوريا.
ويبلغ عدد مقاتلي داعش المتبقين هناك نحو 2500 على الأقل، وجميعهم ناجون من الهزيمة النكراء التي لحقت بهم في شرق معقلهم الأخير وغربه. وتقبع المدينة في حالة خرابٍ هائل على جانبي النهر بعد رحيلهم. لكنَّ التنظيم ما زال قادراً على إلحاق مزيدٍ من الضرر، لا سيما إذا تُرك حُرَّاً الآن.
فهل حان الوقت لوضع خارطة طريق للقضاء على تنظيم داعش بشكل نهائي، بدلاً من إعلان سابق لأوانه بإنجاز المهمة.