احتفالات صاخبة في الدرعية وجنود قتلى على الحد الجنوبي!.. السعوديون يهاجمون حفلات الفورمولا إي  بالرياض، فهل كسر حاجز الخوف لديهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/19 الساعة 15:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/19 الساعة 21:38 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي تحاول فيه السلطات السعودية الحد من موجة الغضب العارم التي سببها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في تركيا، وقعت انتقادات جديدة، لكن هذه المرة من الداخل، بسبب حفل صاخب في الدرعية مهد الحركة الوهابية.

قبل يومين، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي تعليقات غاضبة مما وصلت إليه الأمور بالداخل السعودي، وخاصة في الدرعية، بعد افتتاح مسابقة "الفورمولا إي"، والحفل الصاخب الذي نظمته هيئة الترفيه بالمملكة والذي يعد الأول في هذه المدينة، التي شهدت التحالف القوي بين الملك عبد العزيز آل سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب.

التعليقات الغاضبة قارنت بين ما يتعرض له جنود سعوديون بالحد الجنوبي في أثناء صدهم محاولات تسلل الحوثيين من اليمن إلى المملكة، وما شهدته الرياض من انطلاق مسابقة الفورمولا في السعودية، لأول مرة، على وقع الموسيقى الصاخبة وبعض المشاهد التي أثارت حفيظة الكثير من أبناء المملكة.

الغاضبون من احتفالات الدرعية أطلقوا  عدة هاشتاغات مثل "#سعوديون_نرفض_الانحلال"،  "#الدرعية_تجاهر_بالمعاصي"، والذي تصدر الموضوعات الرائجة في السعودية على "تويتر".

وأبدى مغردون سعوديون غضبهم الشديد من إحياء الحفلات الصاخبة، موضحين أن التقدم والرقي لا يتحققان بالاختلاط، كما ذكر آخرون أن "الدرعية" مدينة تراثية وواجهة للسعودية أمام دول العالم كافة.

 

زيادة الانتقادات

ومنذ اعتلاء الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد السعودي قبل عام ونصف عام، لم يكن أحد في الداخل يتجرأ على انتقاد سياساته داخل المملكة، حتى من أبناء الأسرة الحاكمة، الذين زُجَّ ببعضهم في السجن واعتُقل عدد منهم أسابيع بفندق الريتز كارلتون في الرياض بتهم تتعلق بالفساد، لكن الكثيرين يرون أن الأمر يأتي في إطار تصفية الحسابات الداخلية بين ولي العهد وأمراء آخرين.

لكن واقعة الحفلات الصاخبة التي جرت في الدرعية دفعت الكثيرين للجهر بالانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي، رغم الحملات الأمنية التي تقودها الأجهزة الأمنية السعودية على المعارضين، وأيضاً بعد مرور أقل من 3 أشهر على جريمة اغتيال جمال خاشقجي على يد فريق سعودي مدرَّب، قام بهذه العملية لحساب السلطات الرسمية.

لماذا كانت الدرعية هي التي جعلت السعوديين يتكلمون؟

تحمَّل السعوديون التقشف الاقتصادي، وتقبَّلوا حرب اليمن على فشلها؛ لأنهم يخشون من التمدد الإيراني، وصمتوا عن اعتقال رجال دين مشهورين طاعة لولي الأمر.

كما اعتبروا اعتقال الأمراء خطوة لمحاربة الفساد، ونظروا إلى الانتقادات الدولية التي أعقبت اغتيال خاشقجي، باعتبارها مؤامرة كونية رغم اعتراف النظام بالجريمة.

ولكن عندما تعلَّق الأمر بالدرعية، معقل الدعوة الوهابية التاريخي، حيث نشأت الدولة السعودية، انفجر الكبت، وتجرأ السعوديون على الكلام، الذي جاء في أغلبه رافضاً لما حدث في المدينة التاريخية.

لم تقتصر الانتقادات على المظاهر، التي اعتبرها المغردون مخالفات دينية في مكان له مكانة تاريخية ودينية.

فقد أثار هذا الاحتفال وما صاحبه من مظاهر بذخ، انتقادات في ظل تردي الوضع الاقتصادي لكثير من السعوديين، جراء الإصلاحات التقشفية التي تتخذها الحكومة.

كما قارن الكثيرون بين ما يقوم به المشاركون في هذه الحفلات ومعاناة جنود الجيش السعودي بحرب اليمن، التي مرت عليها عدة سنوات دون الخروج بنتيجة.

وقالوا إن الأَولى كان منح الجنود الذين يدافعون عن البلاد الأموال التي تُصرف على حفلات الدرعية والمصارعة وكرة القدم، لتأمين مسكن ملك لهم ولأُسرهم.

وتجلَّت ردود الفعل الغاضبة في إعادة مقطع مصور للأمير عبد الله بن فهد آل سعود، الذي هاجم فيه هيئة الترفيه من قبلُ، واعتبروا أن هذا المقطع جاء وقته لمهاجمة المسؤولين عن الحفل.

كما تداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي صورة لولي العهد السعودي بجانب نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، وهما يرتديان سواراً أحمر في يد كل منهما، وذلك خلال لقائهما على هامش السباق الذي استمر 3 أيام.

بعض السعوديين اعتبروا أن مثل هذه الحفلات تعد انحلالاً ومخالفة للأعراف والقواعد الشرعية، ووجهوا انتقادهم لهيئة الترفيه.

في حين دشن المغردون الغاضبون هاشتاغاً حمل عنوان "الدرعية تجاهر بالمعاصي"، بالاضافة إلى هاشتاغ آخر بعنوان "سعوديون نرفض الانحلال".

هل انكسر حاجز الخوف؟

على الرغم من حملات القمع الكبيرة التي تعيشها المملكة في العامين الماضيين، فإن ما حدث من رد فعل قوي على ما حدث بالدرعية أثار تساؤلاً مشروعاً، وهو: هل انكسر حاجز الخوف لدى السعوديين، رغم مقتل خاشقجي قبل أقل من 3 أشهر، لأنه كسر هذا الحاجز خارجياً؟

الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو "نعم"، فإن الكثير من السعوديين الذين يعتبرون أن المساس بالمذهب الوهابي للمملكة يعد مساساً بالعقيدة السُّنية لهم؛ ومن ثم حينما يصل الأمر إلى حفلات مثل هذه في الدرعية وكان الأمر يستهدف عقيدتهم، يتحول الأمر إلى دفاع عن المقدسات بشكل واضح، كما أنهم ينظرون ربما إلى أن ولي العهد السعودي في أضعف حالاته الآن، بعد الحديث عن تورطه في جريمة مقتل جمال خاشقجي.

ويبدو أن المعادلة التي يريدها الأمير محمد بن سلمان، القائمة على حريات شخصية تحددها الدولة مقابل قمع للعمل السياسي وحرية الكلام والتعبير، غير قابلة للاستمرار، بعد التعليقات الغاضبة على حفلات الدرعية.

فالراغبون في الحريات لن يستمروا في القبول فقط بِحُريات شخصية لا يمكنهم توقُّع حدودها، ولا المحافظون المؤيدون للدولة سيقبلون تغييراً قسرياً لهوية البلاد التي عرفوها دوماً، دون أن يعبروا على الأقل عن رفضهم لهذا التغيير.

ويبدو أن فقدان ولي العهد السعودي جزءاً من هيبته الخارجية بسبب أزمة خاشقجي، أدى إلى أن جدار الخوف في السعودية بدأ يتشقق.. فهل ينهار هذا الجدار أم يرممه النظام بمزيد من الخوف؟

تحميل المزيد