تجتاح واشنطن حالة من النأي بالنفس عن السعودية، بعد اغتيال جمال خاشقجي، آخرها تخلي ريتشارد هولت المسؤول بإدارة ترامب عن تمثيل مصالح السعودية بواشنطن.
فقد أعلن ريتشارد هولت، أحد موظفي الإدارة الأميركية الذين عيَّنهم الرئيس دونالد ترامب، التوقُّف عن تمثيل مصالح السعودية أمام الحكومة الأميركية، وفقاً لملفَّاتٍ لدى وزارة العدل الأميركية.
وتتقاضى المؤسسة التي يمتلكها هولت مئات الآلاف من الدولارات من المملكة، للدفاع عن مصالحها وتمثيلها لدى الحكومة الأميركية، حسبما ورد في تقرير لموقع NBC News الأميركي.
ما المنصب الذي يتولاه ريتشارد هولت ولماذا يكتسب قراره هذه الأهمية؟
يعمل ريتشارد هولت عضواً غير متفرغ في لجنة الرئيس المختصة بالزمالات في البيت الأبيض، وهي هيئة استشارية معاونة للرئيس، تعمل بداومٍ جزئي، وترشِّح شخصيات مرموقة للعمل مع الإدارة، ويمكن أن تتولى هذه الشخصيات مناصب مهمة.
وهولت هو عضو جماعات ضغط قديم، عيَّنه ترامب في ذلك المنصب، في يونيو/حزيران من العام الماضي 2017.
وقرَّر المسؤول الأميركي إيقاف تمثيل مصالح الحكومة السعودية، يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وفقاً لملفَّات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب التي قدَّمها إلى وزارة العدل يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقد حصل مركز النزاهة العامة، هذا الأسبوع، على الملفات، التي لم تُنشَر بعدُ للجماهير.
ومركز النزاهة العامة (CPI) هو منظمة صحافية أميركية غير ربحية، تسعى للكشف عن انتهاكات السلطة والفساد، والتقصير في أداء الواجب من قبل المؤسسات العامة والخاصة القوية.
رَفَض الكشف عن علاقة قراره بمقتل خاشقجي
ولم يرد ريتشارد هولت على عدة رسائل هاتفية وبالبريد الإلكتروني، تطلب منه التعليق على الأمر.
ويوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، أخبر مركز النزاهة العامة بأنه يعيد تقييم أدواره المتعددة.
ولكنه رفض آنذاك مناقشة إن كانت جريمة قتل الصحافي السعودي المُعارض جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في تركيا قد أسهمت في إعادة تقييمه.
وقال هولت في بريد إلكتروني: "أنا حالياً في طور إعادة تقييم تمثيلي، ومشاركتي، وتقاعدي".
وبدأ ريتشارد هولت تمثيل مصالح السعودية، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، وفقاً لسجلَّات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
وقد "عمل مستشاراً تشريعياً عاماً للسفارة السعودية في واشنطن، وكان يُقدِّم لهم النصح حول استراتيجيات متعلقة بشؤون تشريعية وسياسية".
ومن المحتمل كذلك أن يكون هولت قد حضر اجتماعات "مرتبطة على وجه العموم بمصالح" المملكة السعودية، وفقاً لملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
وهذه هي المبالغ التي تقاضاها، إنها نقطة في بحر الأموال التي دفعتها المملكة
وبيَّنت ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب كذلك أنَّ الحكومة السعودية دفعت لمؤسسة Hohlt Group التي يملكها هولت وحده، 780 ألف دولار رسوم استشارةٍ في العام الجاري.
وفي العام الماضي، ذكرت المؤسسة تقاضيها ما يزيد على 837 ألف دولار من السعوديين.
وقد أنفق مسؤولون سعوديون عشرات الملايين من الدولارات في السنوات الأخيرة، للتأثير في ساسة الولايات المتحدة، مستعينين بخدمات كبرى مكاتب ممارسة الضغط في واشنطن لتمثيل مصالح دولتهم.
وفي عام 2017 وحده، أبلغت السعودية عن إنفاق 27 مليون دولار على مكاتب ممارسة الضغط والشؤون الحكومية والعلاقات العامة المُسَجَّلة، بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، طبقاً لتقريرٍ نشره مركز السياسة الدولية مؤخراً.
إنه ليس الوحيد، فبعد موت خاشقجي أوقفت مؤسسات أميركية عدة علاقتها بالمملكة
منذ موت خاشقجي عانت المملكة العربية السعودية من عزلة دولية متزايدة، وإن لم تتعرض لأي عقوبات اقتصادية.
وبدا كثير من الساسة في العالم يفضلون النأي بأنفسهم عن الأمير محمد سلمان.
وفي الولايات المتحدة، امتنع العديد من المكاتب عن تمثيل مصالح السعودية.
ومن أبرز هذه المؤسسات:
BGR Government Affairs LLC، وGibson, Dunn & Crutcher LLP، وThe Glover Park Group LLP، وفقاً لملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
ولم ترد السفارة السعودية في الولايات المتحدة على مطالبات بالتعليق، من قبل موقع NBC News الأميركي.
ولكن هذا الرجل مختلف بالنسبة للسعودية، إنه موضع ثقة من ترامب
وفي حين تمثِّل مكاسب هولت الحديثة مجرَّد نسبةٍ ضئيلةٍ من إنفاق الحكومة السعودية على جهود التأثير في الولايات المتحدة، فإن المبالغ التي تقاضاها تختلف عن غيرها، لأنَّ ترامب اختار هولت شخصياً ليخدم في إدارته.
وبالطبع لا يمكن معرفة العلاقة بين عمل هولت مع السعوديين وتقلبات ترامب إزاء قضية مقتل خاشقجي.
فقد شكَّك ترامب على الملأ في احتمال تورُّط ولي العهد محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي، قائلاً إن الأمير أنكر "بقوة" أي دورٍ له في القضية.
وفي بيانٍ صدر الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن ترامب أنَّ الوكالات الاستخباراتية تواصل تقصِّي المعلومات في القضية، وقال: "لكن من المحتمل جداً أنَّ ولي العهد كان على علمٍ بهذا الحدث المؤسف، ربما كان يعلم وربما لا".
وأعضاء بالكونغرس يعتبرون أنَّ من ينكر دور بن سلمان في القضية أعمى عن قصد!
من ناحيتهما، قال كلٌّ من عُضوَي مجلس الشيوخ، السيناتور ليندسي غراهام (الجمهوري عن كارولينا الجنوبية)، وبوب كوركر (الجمهوري عن ولاية تينيسي)، إنَّ ولي العهد مُذنِبٌ في مقتل خاشقجي.
إذ صرَّح غراهام إلى حشدٍ من الصحافيين، الأسبوع الماضي، قائلاً: "عليك أن تكون كفيفاً عن عَمدٍ لكيلا تستنتج أنَّ هذه الجريمة قد خَطط لها ونظمها أشخاصٌ تحت إمرة محمد بن سلمان".
يُذكَر أنَّ مجلة TIME الأميركية اختارت خاشقجي وصحافيين آخرين أمس الأول الثلاثاء، 11 ديسمبر/كانون الأول، في قائمة "شخصية العام". وكتبت المجلة أنَّ خاشقجي قد قُتِل بسبب جهره بالحقيقة عن حكومة وطنه.
وهل سيغادر هولت لجنة الزمالة الخاصة بالبيت الأبيض؟
ذكر تقرير الموقع الأميركي أن البيت الأبيض لم يرد على عدة طلباتٍ للتعليق على ما إن كان ريتشارد هولت سيستمر في العمل بلجنة الرئيس المختصة بزمالات البيت الأبيض.
وهذه اللجنة هي هيئة استشارية تعمل بدوامٍ جزئي، مسؤولة عن تقديم توصياتٍ نهائيةٍ للرئيس بشأن المرشَّحين لزمالات البيت الأبيض رفيعة المستوى، وقد أقرَّها الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون في عام 1964.
وعادةً ما يكون مرشَّحو الزمالات أشخاصاً محترفين ناجحين، غالباً ما يُمنَحون مناصب في البيت الأبيض والوكالات الفيدرالية.
ومن ضمن الشخصيات التي أفرزتها الزمالات وزيرة النقل الأميركية الحالية إيلين تشاو، ووزير الخارجية السابق كولن باول، وكبير مراسلي القسم الطبي في وكالة أنباء CNN، سانجاي غوبتا.
وبموجب القانون، يُلزَم أعضاء جماعات الضغط والكيانات الأجنبية بإعلام الحكومة الأميركية في غضون 10 أيامٍ عند انتهاء مدة تعاقداتهم.
وترامب يقول إنه يريد وقف جماعات الضغط الأجنبية لبلاده
وفي إطار جهوده نحو "تجفيف المستنقع" في واشنطن، تعهَّد ترامب عدة مراتٍ بالحدِّ من نفوذ المصالح الخاصة وأعضاء جماعات الضغط التابعة لها.
وكتب تغريدةً، في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، قال فيها: "سأفرض حظراً دائماً ضد كبار مسؤولي السلطات التنفيذية الذين يمارسون الضغط بالنيابة عن حكومة أجنبية!"
وفور تولِّيه المنصب، أصدر ترامب قراراً تنفيذياً بشأن الأخلاقيات تضمَّن العديد من القرارات.
من بينها حظرٌ دائم على موظفي السلطات التنفيذية أن يمارسوا أعمالاً تتطلَّب التسجيل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ضمن قيودٍ أخرى فرضها على أعضاء جماعات الضغط.
ولا ينطبق القرار التنفيذي الصادر من ترامب على الموظفين غير المتفرغين أمثال هولت.
كما أنَّ ترامب أصدر إعفاءاتٍ من ذلك القرار لبعض أعضاء جماعات الضغط الذين تولَّوا مناصب متفرِّغةً في إدارته.
أي أنه كان يُفترض أن يتوقف هؤلاء الموظفين عن العمل مع الحكومات الأجنبية، ولكن ترامب استثناهم.