طائرات وصواريخ وزوارق حربية صورها تملأ شوارع القاهرة، تدعو الناس لحضور مصر للصناعات الدفاعية والعسكرية إيديكس 2018 الذي ينتظر أنه يفتتحه الرئيس المصري عد الفتاح السيسي.
تعوّد المصريون على الإعلانات التي تدعوهم لحضور معارض الأثاث والإلكترونيات والسيارات.
ولكن في دولة تشهر بالتكتم فيها يتعلق بقضايا الأمن القومي وكل ما يتعلق بجيشها، تبدو إعلانات معرض إيديكس 2018 المدججة بالأسلحة لافتة لكثير من المصريين، الذين لا يرون هذه المشاهد إلا في فيديوهات المناورات والعروض الرسمية للجيش.
فهل يشكل معرض إيديكس 2018 إشارة إلى تحوّل في الاستراتيجية العسكرية المصرية نحو مزيد من الانخراط في الصناعات العسكرية، أم هي مجرد حملة دعائية كما يراها بعض المتخصّصين؟
في هذا التقرير نعرض آراء عدد من الخبراء حول دلالات تنظيم مصر لمعرض إيديكس 2018، وهل يعبر المعرض عن استراتيجية جديدة لتعزيز الصناعات العسكرية في مصر، التي يوصف جيشها بأنه الأقوى عربياً وإفريقياً، ومن الأقوى على مستوى الشرق الأوسط؟
إيديكس 2018.. الأصل إماراتي وتوقعات بمشاركة دولية واسعة
في عام 1993 أقيم أول معرض دولي للسلاح "إيديكس" في الإمارات، ومن ثم بدأت في تنظيمه باستمرار بعد ذلك مرة كل عامين.
ويعد هذا المعرض هو أكبر معرض للسلاح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يعد المعرض الوحيد الذي يقوم بعرض أحدث الأجهزة والأسلحة التكنولوجية في مجالات الدفاع الثلاثة الجوي والبري والبحري.
والشركة التي تشارك في تنظيم معرض إيديكس 2018 في مصر هي ذات الشركة التي تشارك في تنظيم معرض إيديكس بالإمارات، وهي مؤسسة "كلاريون العالمية"، التي تعد أكبر منظم للمعارض العسكرية والأمنية على الصعيد الدولي.
ومن المقرر أن يقام معرض إيديكس 2018 في الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، وسيعقد بعد ذلك مرة كل عامين.
والمعرض سيقام في مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بمشاركة أكثر من 373 شركة عارضة تمثّل 41 دولة من جميع أنحاء العالم.
وستشارك في المعرض 42 شركة من الولايات المتحدة، و37 شركة من فرنسا، والصين 28 شركة، بالإضافة إلى حضور العديد من الوفود الرسمية التي سيتقدَّمها وزراء دفاع ورؤساء أركان ووزراء إنتاج حربي من مختلف الدول.
ومن المتوقع حضور أكثر من 10 آلاف زائر من كبار العسكريين والمصنعين للمعدات الدفاعية على مدار الثلاثة أيام، حسب المنظمين.
اللافت أنه من المقرر فتح أبواب المعرض للجمهور في اليوم الثالث فقط.
هكذا يراه بعض الخبراء فرصة للصناعات العسكرية المصرية وللاقتصاد برمته
"تنظيم معرض إيديكس 2018 يؤكد عودة مصر لدورها كدولة رئيسية في المنطقة"، حسبما يقول اللواء نبيل فؤاد، مساعد وزير الدفاع الأسبق، لـ "عربي بوست".
ويضيف فؤاد أن "تنظيم مصر لهذا المعرض في ظل مشاركة العديد من الدول المنتجة للسلاح كأميركا، سيعمل على تبادل الخبرات وإقامة علاقات اقتصادية بين مصر ودول أخرى في مجال تصنيع السلاح".
وأوضح فؤاد أن "مصر سبق أن شاركت قبل ذلك في معارض للصناعات العسكرية، لكنها لم تكن بهذا الحجم، حيث كانت هذه المعارض مقصورة فقط على عدد من الدول العربية".
أما الخبير الاستراتيجي اللواء جمال مظلوم، فقال لـ "عربي بوست" أن "تنظيم مصر لمعرض إيديكس 2018 تعد تأكيداً على استقرارها وأمنها، وأنها قادرة على تنظيم معارض دولية بهذا الحجم،
كما يشكل المعرض، حسب مظلوم، فرصة لتنشيط للسياحة، بجانب تبادل الخبرات العسكرية في مجال التسليح، خاصة أن المعرض سيعقد ندوات واجتماعات بين العسكريين عن استخدام الأسلحة وتكتيكات القتال.
واعتبر الخبير العسكري اللواء طلعت مسلم، أن المعرض "فرصة لمصر لتسويق الأسلحة الموجودة منذ فترة طويلة، ولا يعرف أحد عنها شيئاً".
وآخرون يرونه معرضاً للتفاخر فقط.. فمصر تستورد معظم أسلحتها
لكن الدكتور نادر الفرجاني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، كان له رأي آخر.
إذ قال الفرجاني لـ "عربي بوست" إن هذا المعرض "مجرد مظاهر للتفاخر الأجوف من المؤسسة العسكرية التي تستورد غالبية سلاحها"، حسب قوله.
واتفق معه دكتور محمد ماهر قابيل، المحلل السياسي، قائلاً إن تنظيم مصر للمعرض ما هو إلا لافتة مشبوهة ومغرضة يُراد بها الكثير من الباطل، كما حدث في الماضي عندما حدث الاستسلام تحت لافتة السلام، ونُهبت موارد مصر تحت لافتة الانفتاح، حسب تعبيره.
كل هذا أدى إلى حالة من التدهور الشامل، وبالتالي الحديث عن بداية تقدم في مجال الصناعات العسكرية يبدو أمراً مستبعداً، كما يرى قابيل.
وهذه هي الأسلحة المصرية التي سيتم عرضها
"المنتجات العسكرية التي تقوم مصر بتصنيعها سيتم عرضها بمعرض إيديكس 2018″، وفقاً للواء طارق سعد زغلول، رئيس هيئة تسليح القوات المسلحة.
وأوضح زغلول أن "المعرض سيضم أسلحة وذخائر مختلفة وعربات مدرعة مثل العربة التمساح والمدرعة فهد، بالإضافة إلى أجهزة كهروبصرية، وقطع بحرية مثل الكوفيت "جوويند" التي تم تدشينها في ترسانة الإسكندرية (الكورفيت سفينة أصغر من الفرقاطة)، وكذلك قطع بحرية كثيرة مثل اللنشات السريعة، واللنشات الريب".
ومن الأسلحة التي تم تصنيعها في مصر وستوجد في المعرض "الرادارات التي تكشف طبقات الأرض، والبلدوزر المدرع الذي يتم استخدامه ضد العبوات الناسفة، بالإضافة إلى الأسلحة العادية التي نستخدمها، ومكتشفات الألغام".
وكشف الفريق عبد المنعم التراس، رئيس الهيئة العربية للتصنيع أنه سيعرض في إيديكس 2018 عربة مدرعة مصرية تم إنتاجها بالتعاون شركات أميركية كبرى.
وقال إن العربة الجديدة تعد الأفضل على مستوى العالم، ويتم استخدامها في الجيش الأميركي، وتعمل في القوات التابعة للأمم المتحدة المنتشرة في جميع أنحاء العالم، مضيفًا أن مصانع الهيئة العربية للتصنيع ستتعاون مع الجانب الأمريكي في صناعة العربة المدرعة، وستكون بنسبة تصنيع محلي كبيرة، على أن تزيد تلك النسبة في المستقبل".
تجدر الإشارة إلى أن الصناعات العسكرية المصرية المشاركة في المعرض يتم تصنيع أغلبها بالتعاون مع دول أخرى.
نعم هناك تطور في الصناعات العسكرية.. ولكن هناك مشكلة في هذه الأسلحة
"مصر في تطور دائم بالنسبة لجميع أنواع الأسلحة المدفعية بمختلف عيارتها، بجانب تطورها الدائم في صناعة السيارات المدرعة، وطائرات التدريب المتطورة"، حسبما يقول نبيل فؤاد لـ "عربي بوست".
لكنه يستدرك قائلاً: "إن البلاد لديها مشكلة في تصنيع الطائرات القتالية، لأنها ليس لها باع طويل في هذه الصناعة، ولم تشهد فيها أي تطوير".
وأشار إلى أن مصر "خلال فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، نجحت في تصنيع طائرة القاهرة 200 والقاهرة 300، لكن هذا المشروع تم وقفه لأن الدول الكبرى رأت أن ذلك يهدد مصالحها، لأن مصر قد تشكل خطورة عليهم"، حسب قوله.
قصة الطائرة المصرية التي توقفت بعد أن حلَّقت بسرعة الصوت
وتعد مصر من أوائل دول العالم الثالث التي أطلقت برامج لتصنيع الطائرات.
ففي بداية الستينات بدأت مصر مشروعاً طموحاً لإنتاج وتطوير طائرة أسرع من الصوت بالتعاون مع إسبانيا.
وكان المهندس الألماني المشهور ڤيلي مسرشميت Willi Messerschmitt الذي عمل مع النازيين المسؤول عن المشروع، قام بتصميم طائرة خفيفة الوزن أسرع من الصوت وتمت تسميتها بـHA-300P.
وبعد إنهاء إسبانيا دعمها للمشروع، انتقل فريق مسرشميت إلى مصر وتم دعوة خبير المحركات النفاثة النمساوي فردناند براندنر لتصميم محرك جديد للطائرة.
وتم إنشاء مصنع 135 لمحركات الطائرات، وكان براندنر يشرف على تدريب المهندسين المصريين بالمصنع.
وتمت تجربة المحرك الجديد E-300 أول مرة، في يوليو/تموز 1963، في حين أن النموذج التجريبى للطائرة HA-300 تمت تجربته في 7 مارس/آذار 1964.
وقامت الهند بالمساعدة في التمويل لتطوير المحرك E-300، وذلك للحصول على محركات جديدة لمقاتلاتها HF-24 Marut، ووفرت الهند طائرة من طراز Marut لتجربة محرك E-300.
النموذج الأول من الطائرة HA-300، طار لأول مرة في 7 مارس/آذار 1964، وحقق سرعة 1.13 ماخ (ماخ هي سرعة الصوت).
وتم تركيب النموذج الثالث والأخير بمحرك E-300 المصري، وتم اختبار هذا النموذج، حيث طار بسرعة ماخ 2.1 مع محرك براندنر E-300 المصري.
وبعد نكسة 1967 مارس السوفييت ضغطاً متواصلاً لإيقاف المشروع (يبدو أنه خوفاً من منافسة المقاتلة لطائراتهم).
ونتيجة للمشاكل المالية، وتقديم الاتحاد السوفيتي عدداً كبيراً من الطائرات قامت الحكومة المصرية بإلغاء المشروع في 1969، وذلك بعد إنتاج النموذج الثالث من المحرك E-300 وتجربته.
وكلف هذا المشروع الحكومة المصرية أكثر من 135 مليون جنيه مصري، وتم استخدام المحرك E-300 في المقاتلات الهندية HF-24 Maruti، التي استخدمتها الهند في الحروب مع باكستان.
وبعدها دخلت البلاد مرحلة طويلة من الجمود في المجال العسكري.. فهل يتغير الوضع الآن؟
"مصر قضت فترة طويلة دون تطوير في المجال العسكري، لكنها بعد ذلك شهدت تطوّراً ملحوظاً، لا سيما في مجال القوات البحرية، حسب اللواء طلعت مسلم.
ويقول "لعل أبرز الأمثلة على هذا التطور السفن الفرنسية التي انضمت لمصر في الفترة الأخيرة، وطائرات الرافال على الرغم من أنها لم تكن صناعة مصرية إلا أنها تشكل نموذجاً لتنويع مصر لمصادر تسليحها، بعد أن كانت تعتمد بشكل شبه كامل على الطائرات الأميركية".
ويقول مسلم لـ "عربي بوست" إنه "من الصعب على مصر أن تنافس الدول الكبرى في صناعة الأسلحة خلال الفترة الحالية، ومن الممكن بعد 10 سنوات، لكن ذلك صعب أيضاً".
وهل تستطيع مصر إنتاج دباباتها وطائراتها؟
"وضع التسليح في مصر حالياً بات متقدماً، بعكس العهود السابقة"، حسبما يقول اللواء نبيل فؤاد لـ "عربي بوست".
لكن هذا التطوّر لا يشمل مجال القوات الجوية تحديداً، غير أن اللواء فؤاد يقول "إنه لا يعلم السبب وراء ذلك".
أما اللواء جمال مظلوم فيرى أن "صناعة السلاح في مصر شهدت تطوراً وانفتاحاً كبيرين، بعكس ما كانت عليه في الفترة ما بين عام 1967 حتى حرب 1973، إذ كانت مصر تعتمد حينها على شراء الأسلحة فقط".
ويضيف مظلوم أنه حتى في "أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يكن هناك تصنيع للسلاح، بل كنا نستورد الصناعات والمعدات الحربية الأميركية تحديداً".
وتابع "بالمقابل نحن في العهد الحالي لا نعتمد على دولة معينة في شراء الأسلحة، وهو مايظهر في صفقات السلاح التي عقدتها مصر مع فرنسا في السنوات الماضية".
لكن اللواء جمال مظلوم، يعود ليؤكد صعوبة منافسة مصر للدول الكبرى في مجال تصنيع الأسلحة، لأنها ما زالت تعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة.
ويشير مظلوم إلى أن "إنتاج الطائرة يحتاج إلى 800 مصنع مغذ، وإنتاج الدبابة يحتاج إلى 1000 مصنع مغذ أو أكثر، وهذا يتطلب استيراد مكوناتهما من الخارج وتركيبها في مصر، وهو ما يكلف أموالاً كثيرة".
ولكن البعض يرى أن وضع الصناعات العسكرية لم يتغير.. إنه مجرد تجميع
على الجانب الآخر، يخالف الدكتور محمد ماهر قابيل الآراء السابقة ويؤكد عدم وجود نظام للتسليح في مصر اعتماداً على الذات، وأنه لا يزال كما هو لم يتغير.
ويشرح ذلك قائلاً لـ "عربي بوست" إن "ما يطلق عليها مسمى صناعات عسكرية، تكون في أحيان كثيرة عبارة عن تجميع وتركيب بإذن من المصدر الأصلي المصنّع للسلاح، مثلما يفعلون مع السيارات وأجهزة التلفزيون".
ويضيف قائلاً: "هم يقومون باستيراد مكونات الطائرة أو الدبابة وتركيبها في المصانع العسكرية، ثم يطلقون عليها صناعات عسكرية مصرية".
لكن اللواء طلعت مظلوم يرد على ذلك قائلاً: "بالطبع هناك أسلحة تستورد كأجزاء، ويتم تركيبها في مصر".
ويستدرك قائلاً "غير أن هناك بالمقابل أسلحة أخرى يتم تصنيعها بالكامل في مصر. ومثال على ذلك "الفرقاطة الفرنسية" التي عُقد اتفاق بعد استيراد الدفعة الأولى منها أن يتم تصنيعها بالكامل في مصر".
مصر لا تكتفي بالتصنيع بل تصدر السلاح أيضاً
يقول اللواء نبيل فؤاد: "إن الجهات التي تنتج الأسلحة في مصر وهي "الهيئة القومية للإنتاج الحربي" و"الهيئة العربية للتصنيع".
وهذه المصانع لا تقوم بإنتاج السلاح فقط، بل تقوم بإنتاج أجهزة متطورة للسوق المحلي غير العسكري، حتى لا يتوقف عمل المصنع، ويستطيع أن يوازن بين نفقاته وأرباحه، وخاصة أن مهمة تسويق الأسلحة صعبة جداً".
وأضاف: "مصر تأخذ من إنتاج من السلاح ما يكفيها ثم تقوم بتصدير الأسلحة الباقية حتى لا تخسر مصانعها".
بدوره، يقول اللواء طلعت مسلم إن مصر "في هذه المرحلة لا يوجد لها أعداء في الخارج، بالإضافة إلى أنها ليست في حالة حرب، ولهذا تبيع الفائض لتعويض النفقات على التسليح المحلي".