دول عربية عديدة أصبحت تحظر مواقع الإنترنت التي لا تروق لها، ولكن حجب الإنترنت في اليمن لا مثيل له بالشرق الأوسط، والآن يتطلع المواطنون إلى "إنترنت اليمن الجديد" لإنقاذهم من هذا الحظر الذي فرضه الحوثيون.
فقد دخل مزود جديد لخدمة الإنترنت بهدوء إلى شبكة الإنترنت باليمن، في شهر يونيو/حزيران من العام الجاري 2018.
هذه الشبكة الجديدة قد يكون لها تأثير على أوضاع البلاد، حيث يمكن أن تؤدي إلى خلخلة سيطرة الحوثيين الصارمة على الإنترنت، والتي تمنع الشعب اليمني من الاستماع إلى أي صوت معارض، حسبما ورد في مجلة Foreign Policy الأميركية.
إنترنت اليمن الجديد قد يُشعل حرباً جانبية ضارية
وأُطلق على هذه الخدمة، التي أُنشئت بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة وتجهيزات صينية، اسم AdenNet.
وبذلك، فَتحت حكومة الرئيس المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي، عبر إطلاق تلك الخدمة، جبهةً جديدة ثانوية في الصراع ضد خصومها الحوثيين في اليمن، إضافة إلى الحرب القائمة التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وتكاد تتسبب في مجاعة وشيكة تلوح في الأفق.
ويطلق البعض على الشبكة الجديدة إنترنت اليمن الجديد.
وعندما أعلنت الحكومة المعترف بها دولياً عن خططها بشأن الشبكة منذ عدة أشهر، اجتمع رئيس وزراء حكومة الحوثيين، عبدالعزيز بن حبتور، مع وزير الاتصالات مسفر النمير، لبحث ما وصفته الوكالة اليمنية التي يسيطرون عليها بـ "الإجراءات المتخذة لمواجهة المشروع التخريبي التشطيري الجاري تنفيذه حالياً في عدن من قبل شركة هواوي".
كما وصف وزير الاتصالات في حكومة الحوثيين إطلاق شركة الإنترنت الجديدة بأنه "عمل تخريبي مضر بالاقتصاد الوطني".
كيف فاجأ الحوثيون الجميع بطريقة إدارة حرب الإنترنت في اليمن؟
بدأت حرب الإنترنت في اليمن عندما اجتاح الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014.
إذ لم يستولوا على كرسي السلطة فحسب، بل سيطروا على البنية التحتية الرئيسية للإنترنت في البلاد، مما سمح لهم بتصفية الإنترنت، ومراقبة معدل الولوج إلى الشبكة، وحتى تعدين العملات الرقمية المشفرة، وذلك وفقاً لتقرير جديد أصدرته شركة Recorded Future المُتخصصة في الأمن السيبراني.
وقال غريغ ليسنيويش، المُتخصص في تحليل التهديدات الاستخباراتية لدى شركة Recorded Future، وأحد مُعدِّي التقرير، إنَّه في خضم الحرب اليمنية، تتنافس الفصائل المختلفة أيضاً للسيطرة على الوصول إلى الإنترنت، والتحكُّم فيه.
وسيُعرَض تقرير شركة Recorded Future يوم الأربعاء القادم، 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، في حفل تدشين مؤتمر CyberwarCon الذي يعقد بالولايات المتحدة لبحث التهديدات السيبرانية.
إذ إن السيطرة على الإنترنت لم تعد تحتاج إلى قدرات متقدمة
كانت السيطرة على الإنترنت في منطقة نزاع كانت في السابق تتطلب قدرات متقدمة، ولكن الزمن تغيَّر.
إذ إن انتشار تقنيات المراقبة والوعي المتزايد باستخدام الإنترنت باعتباره إحدى أدوات الحرب قد جعل الجماعات المسلحة، حتى في أفقر البلدان، تُدرك أهمية استخدام الإنترنت كسلاح يُمكن تسخيره.
وبالنسبة للحوثيين المدعومين إيرانياً، أعطتهم السيطرة على الإنترنت اليد العليا في تشكيل التصوُّرات المأخوذة عن الحرب لدى قطاع كبير من الشعب اليمني.
إذ قال آدم بارون، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية كتب عدة تقارير من اليمن: "الحرب الإعلامية هي جبهة كاملة أخرى للحرب العسكرية الفعلية".
حجب الإنترنت في اليمن لا مثيل له في الشرق الأوسط.. فمن أين جاؤوا بالتقنية؟
ومن أجل التحكم في الوصول إلى الإنترنت باليمن، لجأ الحوثيون إلى حل تجاري بسيط عبر شركة Netsweeper الكندية، التي تبيع تقنية تصفية صفحات الويب وحجبها.
والنتيجة أن حجب الإنترنت في اليمن أصبح لا مثيل له في الشرق الأوسط
إذ حجب الحوثيون منذ استيلائهم على السلطة تطبيقات تليغرام وتويتر وفيسبوك وواتساب، بالإضافة إلى مواقع أخرى، بما في ذلك بعض المواقع التي تنشر تقارير عن تحرُّكات قوات الحوثيين، حسب المجلة الأميركية.
وبالتأكيد لا تُعد الرقابة على الإنترنت أمراً جديداً على اليمن، ولا فريداً من نوعه بالنسبة للحوثيين؛ إذ حُجبت العديد من مواقع المعارضة في ظل حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وما زال من الصعب الوصول إلى مثل هذه المواقع في ظل نظام الحوثيين.
فقد تفوقوا على مصر والسعودية
وتنتشر القيود المفروضة على الإنترنت في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
إذ حجبت مصر العديد من المواقع الإخبارية، وتمنع لبنان الوصول إلى 11 موقعاً إسرائيلياً، بموجب مرسوم صدر في عام 1963 يدعو إلى مقاطعة إسرائيل.
وتحظر المملكة العربية السعودية على المستخدمين إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من المواقع التي تعتبرها مسيئة.
لكن في بعض الأحيان، تجاوز المتمردون الحوثيون مستوى الحجب السائد في بقية دول الشرق الأوسط بشكل.
حتى إنهم أوقفوا الإنترنت بأكمله
ففي شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي 2017، أغلقت الجماعة خدمة الوصول إلى الإنترنت في البلاد 30 دقيقة كاملة، فيما يبدو أنَّها كانت محاولة لمنع انتشار مقاطع فيديو تُظهر الأعمال الوحشية التي ترتكبها قوات الحوثيين.
وجاء ذلك بعد قتلهم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي كان حليفهم ثم اختلف معهم.
وحسب تقارير فقد ظلّت حركة الإنترنت شبه متوقفة آنذاك عدة أيام
كما أن خدمة الإنترنت في اليمن تعد الأسوأ والأغلى في العالم، حسبما قال رئيس "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" مصطفى نصر، في تصريح لصحيفة "الحياة" السعودية.
وفي يوليو/تموز 2018، قطعت الجماعة خدمة الإنترنت عن 80% من مستخدمي شبكة YemenNet الخاضعة لسيطرتها، وذلك عندما مزَّقت كابل الألياف الضوئية في مدينة الحُديدة الساحلية، ضمن إجراءات تعزيز الدفاعات الحوثية هناك.
ومعركة الحديدة تكتسب أهمية خاصة في حرب الإنترنت في اليمن
وتُمثِّل مدينة الحُديدة نقطة نزاعٍ محتملة رئيسية في حرب اليمن، سواء في الصراع المادي أو الرقمي.
إذ يُعد ميناء الحديدة نفسه نقطة الدخول الرئيسية للإمدادات الإنسانية، وهو أيضاً المكان الذي يمر فيه كابلان من الكابلات البحرية الأربعة التي تربط اليمن بالإنترنت.
في حين يخرج الكابلان الآخران من البحر في عدن، التي تسيطر عليها حكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة سعودياً.
وفي حال استعادت القوات المدعومة سعودياً السيطرة على مدينة الحُديدة، ستسيطر على جميع كابلات الألياف الضوئية التي توفر الوصول إلى الإنترنت في البلاد، مما يحسِّن قدرتها على قطع استخدام شبكة الإنترنت أو مراقبتها.
ولكن الأمر لا يقتصر على الحجب، فهم يتجسسون على اليمنيين أيضاً
ويقول ألان ليسكا، وهو محلل أمن سيبراني مخضرم ومشارك أيضاً في إعداد تقرير شركة Recorded Future، إنَّ الحوثيين امتلكوا، عبر السيطرة على البنية التحتية للإنترنت في صنعاء، القدرة على اعتراض الولوج إلى شبكة الإنترنت والتجسس على العديد من المستخدمين بالبلاد.
ومن غير الواضح إلى أي مدى نشر الحوثيون هذا النوع من تقنية المراقبة، لكنَّ بعض الباحثين يقولون إنَّ سكان صنعاء يخافون بشدة من قدرات التجسس الحوثية.
وقال الصحافي والباحث غريغ جونسن، الذي كتب عدة تقارير عن اليمن: "لدى الحوثيين وعيٌ جيد للغاية بما يحدث في صنعاء".
وأضاف أنَّ ذلك يعتمد جزئياً على الاستخبارات البشرية، لكن أعتقد أنَّ هناك جزءاً يعتمد على الاستخبارات التقنية التي تجري عبر الإنترنت".
وقال ليسكا إنَّه جمع أيضاً أدلة على أنَّ الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تنشران أدوات مراقبة رقمية خاصة بهما في اليمن، وإنَّه رصد إشارات برامج خبيثة -وهي نوع من البصمات الرقمية- لاستخدامها في أدوات المراقبة المرتبطة بكلا البلدين على شبكة الإنترنت اليمنية.
ثم لاحظ الخبراء أشياء غريبة في الإنترنت باليمن
ويتّضح أنَّ الحوثيين أيضاً قد استخدموا تقنيات سيبرانية أغرب.
فعند فحص الإنترنت اليمني، لاحظ باحثو شركة Recorded Future حدوث عملية تعدين صغيرة لعملات رقمية، تُجرى على بعض أجهزة الراوتر الخاصة بشركة YemenNet، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ومن المعروف أن عملية تعدين العملات الرقمية تنطوي على حل مسائل رياضية معقدة، التي تُشكِّل أساس مثل هذه العمليات التعدينية بطريقةٍ حسابية. وفي المقابل، يكافَئ الكمبيوتر الذي يُكمل تلك الحسابات بتعدين العملة.
إذ يرجح أنهم قاموا بعمليات تعدين لعملات رقمية
ووفقاً لشركة Recorded Future، لا يمكن الجزم بارتباط عملية تعدين العملة الرقمية بالحكم الحوثي.
لكنَّ وينونا ديسومبر، إحدى المُشارِكات في التقرير، قالت إنَّ احتمالية أنَّ الحكومة الخاضعة للحوثيين تستكشف استخدام مثل هذه التقنية تتسق مع توجُّهٍ متزايد لدى الحوثيين في هذا السياق.
وقالت وينونا: "هذه حكومة أخرى معزولة من جانب المجتمع الدولي، تسعى لتعدين العملات الرقمية من أجل دعم نظامها مالياً. إذ استخدمت كوريا الشمالية أيضاً آلية التعدين في الماضي للالتفاف على العقوبات الدولية".