ليست صدفةً أن يكون ملك إسبانيا الفخري خوان كارلوس، هو من أوائل الشخصيات الغربية التي تكسر المقاطعة الغربية غير الرسمية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ إن العلاقة بين آل سعود والأسرة المالكة الإسبانية وثيقة لدرجة أن الملك خوان كارلوس تلقى عمولات من السعودية لعقود.
فهل حان الوقت لملك إسبانيا الفخري لردّ الجميل لآل سعود، الذين دعموه في لحظات حرجة في تاريخ إسبانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Publico الإسبانية.
في أبوظبي كان لقاؤهما وصورتهما المثيرة للجدل لتخترق مقاطعة دولية واسعة
أثارت الصورة التي جمعت الملك الإسباني الفخري خوان كارلوس الأول، وولي العهد السعودي، مطلع هذا الأسبوع في أبوظبي، الكثير من الأسئلة حول توقيت التقاط هذه الصورة.
إذ تأتي في وقت يشك فيه جزء كبير من المجتمع الدولي في تورّط ولي العهد في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وشهد منتدى مستقبل الاستثمار (دافوس الصحراء)، الذي عقد في الرياض، الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مقاطعة دولية واسعة على خلفية مقتل خاشقجي.
ومثَّلت مشاركة السائق الإسباني فرناندو ألونسو في فورميلا 1 في أبوظبي، التي تعد الأخيرة في مشواره، مناسبةً للقاء الملك الإسباني السابق خوان كارلوس الأول (يوصف بالملك الفخري للبلاد) بولي العهد السعودي.
ويبدو جلياً أن هذا اللقاء لم يكن بمحض الصدفة،حسب الصحيفة الأسبانية.
إذ إنه يأتي في وقت حرج بالنسبة للأمير السعودي الشاب، وهو تذكير بطبيعة العلاقات بين آل سعود والأسرة المالكة الإسبانية، التي ليست وثيقة فقط، بل هي مثيرة للجدل أيضاً.
وكانت السلطات السعودية قد أعلنت عن مصرع خاشقجي بين جدران القنصلية السعودية في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد أن قالت في البداية إنه غادر القنصلية سالماً.
وبعد مرور شهرين تقريباً لا تزال جثة الصحافي مختفية إلى اليوم.
وقد أشارت كل من تركيا ووكالة المخابرات المركزية، إلى أن ولي العهد أمر بقتل خاشقجي بشكل مباشر، على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب برّأ الأمير محمد من القضية، مما تسبب في إثارة الكثير من الجدل.
العلاقة بين آل سعود والأسرة المالكة الإسبانية قديمة إذ تعود لعهد الدكتاتور فرانكو
العلاقات بين آل سعود والأسرة المالكة الإسبانية ليست حديثة العهد.
وأبرز تجسيد لهذه العلاقة هو الصداقة القديمة التي تجمع ملك إسبانيا الفخري خوان كارلوس الأول بملوك السعودية، التي بدأت قبل توليه العرش.
فأثناء حكم الدكتاتور فرانثيسكو فرانكو لإسبانيا، جمعت علاقات ممتازة بين كارلوس الأول، عندما كان أميراً آنذاك، وبين بعضٍ من نظرائه السعوديين.
ولكن كان علاقة وثيقة تربط خوان كارلوس بأمير سعودي سيكون له شأن كبير بعد ذلك.
وسيكون لذلك تأثير كبير على العلاقات بين آل سعود والأسرة المالكة الأسبانية فيما بعد.
وها هي السعودية تنقذ إسبانيا إبان الأزمة النفطية وكارلوس يصف فهد بأخيه
كان لكارلوس علاقة خاصة مع الأمير فهد بن عبدالعزيز آل سعود آنذاك، الذي اعتلى بعد ذلك عرش المملكة، تماماً مثلما فعل خوان كارلوس الأول.
وخلال الأزمة النفطية في عام 1973، التي كان لها العديد من التداعيات، وتأثير كبير على الاقتصاديات الغربية، بَعَث خوان كارلوس الأول برسالة إلى الأمير فهد لطلب المساعدة.
وردَّ الأمير السعودي على خوان كارلوس واصفاً إياه بـ "أخيه" (وهي طبيعة العلاقة التي جمعت بينهما طيلة حياتهما)، وتعهد بأنه سيوفر لإسبانيا كمية النفط التي تحتاجها.
وحصل ملك إسبانيا على نصيبه من هذه الصفقة
وحصل خوان كارلوس على حصته المالية من تلك العملية النفطية، ووفقاً لكتاب "biografía sin silencios" للصحافية الإسبانية ربيكا كوينتاس.
كما حصل على حصص مالية أخرى في غيرها من العمليات اللاحقة، التي تم تنفيذها منذ مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني، حسب الصحافية الإسبانية.
واعتاد الملك فهد قضاء عطلة الصيف في مدينة مربلة الساحلية في إسبانيا.
ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه المدينة من أكثر الوجهات التي دأب على زيارتها الأمراء السعوديون في أوروبا على مدار العام.
ثم مَنح الملك فهد مدريد قرضاً في وقت حرج، ويبدو أنه لم يُردّ أبداً
في عام 1977، بعد أن الأمير فهد ولياً للعهد في السعودية والرجل القوي في البلاد، منح إسبانيا قرضاً بقيمة 100 مليون دولار.
وعلى ما يبدو أن الملك الإسباني هو من طلب هذا القرض من أجل "ترسيخ الديمقراطية والملكية"، حسب ماورد في تقرير الصحيفة الأسبانية.
وليس هناك أي براهين تدل على إرجاع إسبانيا لهذا القرض للسعودية.
وقد أهدى خوان كارلوس الأول يختاً يحمل اسم "فورتونا" لصديقه فهد، الذي استخدمه العاهل الإسباني لأكثر من عقد من الزمان.
وأصبح الملك كارلوس وسيطاً لرجال الأعمال الإسبان لدى الرياض
تواصلت العلاقة بين آل سعود والأسرة المالكة الإسبانية، وتحديداً الملك الفخري الحالي خوان كارلوس (كان آنذاك ملكاً للبلاد قبل أن يتخلَّى عن العرش لابنه الملك الحالي فيليبي عام 2014).
كانت العلاقات التي تجمع الملك فهد بنظيره الإسباني وثيقة للغاية، ولطالما تم الحديث عن كم الهدايا القيمة جداً التي قدَّمها الملك السعودي لخوان كارلوس الأول.
وعلى مرّ العقود، لجأ رجال الأعمال الإسبان، الذين تجمعهم مصالح بالسعودية، إلى خوان كارلوس الأول، للتدخل كوسيط بين البلدين.
وقد أصبح التحاور والقيام بأعمال تجارية مع السعودية أكثر سهولة بفضل الروابط الشخصية التي أقامها الملك الإسباني مع الملوك والأمراء السعوديين.
ثم نال كارلوس حصته من مشروع قطار الحرمين
ثم فاز تحالف شركات إسبانية بمشروع "قطار الحرمين"، الذي يربط مكة بالمدينة، بفضل وساطة خوان كارلوس الأول.
وقد أشار الجميع إلى أن الملك الإسباني أخذ حصته، حوالي 7 ملايين يورو، من هذه الصفقة.
وقد نسبت صحيفة "El pais" الإسبانية إلى الملك الفخري قيامه ببيع السعوديين ما بين 250 و300 دبابة ليوبارد عام 2014.
وغالباً ما أثمرت هذه الأنشطة التجارية عن العديد من الفوائد لصالح خوان كارلوس الأول.
حتى إن رئيس الوزراء الإسباني آنذاك خصَّص له نسبة مئوية من الصفقات
وأفاد كتاب "biografía sin silencios" بأن رئيس الوزراء الإسباني، أدولفو سواريث، الذي تقلَّد هذا المنصب خلال فترة الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، خصَّص نسبةً مئويةً متواضعة لخوان كارلوس الأول، من الأعمال التجارية التي يلعب فيها دور الوسيط مع السعودية.
وهي ممارسة لا تزال قائمة إلى اليوم.
وأثارت صفقة بيع طرادات أفانتي للسعودية الكثيرَ من الجدل، وأصبحت بمثابة مشكلة لحكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية، التي تحكم البلاد حالياً.
ومثَّلت هذه المسألة أول أزمة حقيقية تواجهها هذه الحكومة الإسبانية، عندما قرَّرت إلغاء بيع الطرادات بسبب قضية خاشقجي، بعد تلقّي تعليمات من البرلمان الأوروبي.
إلى أن جاءت أزمة خاشقي فتم إلغاء صفقة طرادات، ولكن لبضع سويعات
واستمرَّ هذا الحماس الإسباني للدفاع عن حقوق الإنسان بضع ساعات فقط، قبل أن يتم التراجع عن هذه الخطوة.
وقُدّرت قيمة صفقة الطرادات بنحو 2000 مليون يورو، كما أنها توفر الآلاف من فرص العمل في إقليم الأندلس بجنوبي إسبانيا.
وحاولت الحكومة الإسبانية تصحيح القرار الذي اتخذته، مع ذلك لم يُرحب بها في الرياض، الأمر الذي جعل الجهاز التنفيذي في الدولة الإسبانية يدعو على وجه السرعة الملك فيليبي السادس، ووالده الملك الفخري خوان كارلوس الأول للتوسط لحل هذه المشكلة.
ولكن المشكلة ليست في اغتيال خاشقجي فقط، فهناك أطفال اليمن
لم تثر الصورة التي جمعت الملك الإسباني السابق وولي العهد السعودي الجدل بسبب قضية مقتل خاشقجي فقط، بل أيضاً بالنظر إلى تورّط محمد بن سلمان في الحرب اليمنية.
فقد تسبَّبت الأسلحة التي تبيعها إسبانيا للسعودية، التي تستخدم في تلك الحرب في مقتل ما بين 10 آلاف و50 ألف شخص حسب مصادر، إضافة إلى دوامة من المعاناة للشعب اليمني.
ووفقاً لمنظمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية، لقي 85 ألف طفل يمني حتفهم جراء سوء التغذية في السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب.
وعندما جاء موعد الاختيار بين الأخلاق والاقتصاد كان هذا قرار إسبانيا
واتبعت إسبانيا الطريق الذي سلكته أغلبية الدول، التي تواصل بيع الأسلحة للسعودية، المستخدمة في الحرب في اليمن.
فعلى خلاف ما فعلته ألمانيا وعدة بلدان من الشمال الأوروبي التي أوقفت تصدير الأسلحة للسعودية، فإنه يبدو أن الحكومة الاشتراكية الإسبانية لن يكون لها دور كبير في مواجهة الملك السابق خوان كارلوس الأول، الذي حدَّد بنفسه صادرات الأسلحة للسعودية.
إذ إن هذه المسألة تتطلب الاختيار بين الأخلاق والاقتصاد.
وتطمح الشركات الإسبانية، اليوم، إلى بناء مترو الرياض، الأمر الذي سيظل مستبعداً إذا توقَّف الملك فيليبي السادس ووالده خوان كارلوس الأول عن التعامل مع الأمراء السعوديين.
ويبدو أنه على إسبانيا الاختيار بين المال والوظائف من جهة، ووقف الحرب اليمنية من جهة أخرى.
وتظل الصورة غير المرحب بها لخوان كارلوس الأول مع ولي العهد محمد بن سلمان في أبوظبي، حسب وصف الصحيفة الإسبانية، كفيلةً بشرح توجهات الحكومة الإسبانية.