قالت صحيفة Washington Post الأميركية، إن جميع تصريحات الإدارة الأميركية حول مقتل الصحافي جمال خاشقجي على يد مسؤولين سعوديين. جاءت متوافقة في ضرورة الحفاظ على العلاقات مع المملكة العربية السعودية باعتبارها حليفاً قوياً لواشنطن، رغم تأكيد ترامب وكبار مساعديه عزمهم على الوصول إلى حقيقة ما حدث ومعاقبة جميع المُتورِّطين.
وأشارت الـ Washington Post في افتتاحيتها، إلا أن ما يمكن استنباطه من هذا، واضح، وهو لا يمكن لأيِّ شيءٍ أن يُفسِد الروابط بين البيت الأبيض وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الأقوى نفوذاً في المملكة.
رفض إدانة ولي العهد السعودي
ويبدو وفق ما قالت الـWashington Post أن هذه العلاقات الحيوية هي ما دفع إدارة الرئيس ترامب إلى رفض الاستنتاجات القاطعة التي توصَّلَت إليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حول أنَّ ولي العهد هو من أمر بقتل خاشقجي. إلى جانب أنها منعت وزارة الخارجية إلى الآن عن الكشف رسمياً عمَّا توصَّلَت إليه من استنتاجاتٍ حول القضية، لكن الرئيس ترامب تحدَّث بغموضٍ حول تقرير ذي صلة خلال الأسبوع الجاري.
وقد تكون الإدارة الأميركية مُحِقَّةً في اعتقادها أنَّ العلاقات مع السعودية، التي تعود بدايتها إلى إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت، تستحق الحفاظ عليها، إلا أنها تبالغ في الأهمية التي تمنحها لهذه الدولة التي تأخذ من الولايات المتحدة أكثر مما تعطي. إلى جانب أنها تخطئ في اختزال النظام السعودي بأكمله في شخصٍ واحد هو الأمير البالغ من العمر 33 عاماً، الذي تمكَّن خلال بضع سنوات من تعبئة سجل سيئ السمعة بالأفعال الطائشة. حسبما قالت الصحيفة.
وأصافت: كما كتبنا سابقاً، يبدو أنَّ ترامب يبالغ في تقدير السعودية كثيراً باعتبارها أحد مستوردي الأسلحة الأميركية ومنتجي النفط، و"حليفاً" ضد إيران. لكن الواقع أنَّ النظام لم يرقَ إلى مستوى التوقعات المنتظرة منه في ما يتعلَّق بهذه النواحي الثلاث".
لكن وفقاً لافتتاحية الصحيفة، فإن ترامب لم يُتمِّم سوى جزءٍ بسيط من صفقة الأسلحة التي تُقَدَّر بـ110 مليارات دولار، إضافة إلى ذلك، تفيد تقارير بأنَّ الرياض تنظر خفض إنتاج النفط، على الرغم من مطالبات ترامب بزيادة ضخ النفط إلى الأسواق.
أداء السعودية في ملفي إيران واليمن
وقالت الصحيفة، أنه رغم كون السعودية شريكاً عسكرياً في مساعي التصدي للعداء الإيراني، كان أداؤها أسوأ من أن يوصف بعديم الجدوى. إذ ليس لها وجود يُذكَر في سوريا، حيث تشن إيران أقوى حملاتها العسكرية.
وفي اليمن، أسفر التدخُّل العسكري الذي قاده محمد بن سلمان عن كارثة إنسانية، وفي الوقت نفسه عزَّز من موقف إيران. وسُرَّت طهران كذلك حين اندفع الأمير وفَرَضَ حصاراً على الدولة المجاورة قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط، وتهلَّلت كذلك حين اختطف بن سلمان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حليف واشنطن.
ربما نجح محمد بن سلمان في أسر قلوب الغرب بحديثه حول الإصلاح الديني وتطوير الاقتصاد، لكن على أرض الواقع ألحقت أفعاله أضراراً بالغة بهذه القضايا. إذ سجن عشرات السعوديين الليبراليين الذين يدعمون الإصلاح، من بينهم المرأة التي دافعت عن حق النساء في القيادة.
وبإشراف الأمير على عملية قتل خاشقجي، أسكت صحفياً مؤثراً كان يؤيد أهدافه لكن انتقد أساليبه. وتراجع ولي العهد كذلك عن تنفيذ الكثير من خطوات الإصلاح الاقتصادية الكبرى التي أعلنها سابقاً.
وذهبت الصحيفة إلى أنه لا يمكن أن تجبر الولايات المتحدة المملكة السعودية على عزل الأمير محمد بن سلمان من السلطة، وحقيقة أنه قد يستمر في منصبه ما هي إلا مبرر آخر لرد فعل الإدارة على واقعة القتل. بيد أنه من الممكن جداً أن تفرض واشنطن عقوبات على ولي العهد وتتجنَّب التعامل معه، وفي الوقت نفسه تستمر في علاقاتها الاستثمارية مع النظام السعودي.
ومن جانبهم، لن يستطيع آل سعود تحمل تكلفة تصدع العلاقات مع الولايات المتحدة، ولن يسمحوا بحدوث ذلك أيضاً. إلى جانب أنَّ إضعاف نفوذ ولي العهد سيسهم على الأرجح في تعزيز استقرار السعودية والشرق الأوسط.
ومن ناحية أخرى، فإنَّ فشل الإدارة في ضبط تصرفات الأمير محمد بن سلمان، سيشجع الأمير على ارتكاب مزيد من الأفعال المدمرة.