قالت صحيفة Washington Post الأميركية إن خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حول ثورة يناير 2011، تغير في غضون عامين، من الاحتفال بها، واعتبارها ثورة شعبية أحيت "مبادئ نبيلة" وأسست لـ"مصر جديدة"، إلى وصف شبابها الذين أشعلوها، بأنهم "فتحوا أبواب جهنم". وأن "التغيير العشوائي ينتج فراغاً، لن يتحرك لملئه سوى الأشرار".
وأوضح زعيم أكبر دولة عربية مرةً أخرى أنَّه لن يداهن الربيع العربي ووعوده بالديمقراطية والحق في تحدي الحكومة بمجرد الكلام حتى. وذلك في كلمته في منتدى شباب العالم في شرم الشيخ بسيناء في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Washington Times الأميركية
إسكات الأصوات المعارضة
قالت الصحيفة، إنه لم يتفاجأ معظم مراقبي الأوضاع في مصر من مثل هذه الآراء. ومع أنَّ معظم المنطقة في حالة ذهول من الأحداث المصاحبة لعملية القتل الواضح للصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، يقول الناشطون المصريون ومجموعات حقوق الإنسان الدولية إنَّ حكومة السيسي انخرطت في حملة طويلة وممنهجة لترسيخ السلطة وإسكات أي صوت منتقد للقائد العسكري الذي بات رئيساً.
يقول المعارضون إنَّه منذ تولى السيسي الحكم عام 2014 بعد إطاحة الرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي، وهناك تآكل بطيء للحقوق المدنية، تتجاوز في نواحٍ كثيرة الأساليب القمعية القديمة.
ففي ظل حكم مبارك، كان يُسمَح للصحافة بقدرٍ من الحرية في مناقشة قضايا السياسة الداخلية والخارجية، وكان هناك تسامح مع مظاهرات الطلاب، ومظاهرات جماعات الضغط العمالية والمهنية.
لكن لأنَّه يجري تحميل مسؤولية تنامي الإرهاب منذ الربيع العربي للعلمانيين والمعارضة السياسية وجماعات الإسلام السياسي، بالإضافة إلى حالة السخط العام حول برنامج الحكومة الاقتصادي الإصلاحي غير العادل، فقد شنَّت القيادة المصرية حملة قمع عام على المجتمع المدني تسارعت ببطءٍ على مدار العام الماضي.
دولة سلطوية تقوم على الرجل الواحد
نقلت الصحيفة، عن خالد داود المتحدث الرسمي السابق باسم حزب الدستور الليبرالي قوله: "احتججنا على مرسي لأنَّنا كنا نعتقد أنَّنا لم نرد استبدال ديكتاتور بآخر". دعم الحزب ثورة 2011 ضد مبارك واحتجاجات الشارع في 2013 التي أدت إلى إطاحة مرسي، الذي كانت له صلات وثيقة مع الفرع المصري لجماعة الإخوان المسلمين.
الآن يقول داود إنَّه يعتقد أنَّ السيسي، الذي انتُخِب مجدداً في شهر مارس/آذار الماضي لولاية جديدة من أربع سنوات، قد أرسى "أسوأ دولة سلطوية تقوم على حكم رجل واحد وبرلمان لا يعدو كونه مجرد ختم للتصديق على كل المراسيم التي يصدرها".
وأضاف: "يتعرض المزيد والمزيد من الناس للاعتقال، وأصبح واضحاً أنَّ الدولة لا تريد احتجاجات شعبية بعد الآن".
تشير جماعات المراقبة الدولية، مثل منظمة العفو الدولية، إلى ما حدث في 1 نوفمبر/تشرين الثاني من اعتقالٍ لـ19 محامياً وناشطاً على الأقل، من بينهم هدى عبد المنعم محامية حقوق الإنسان التي يبلغ عمرها 60 عاماً، والتي كانت عضواً سابقاً في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتبار ذلك أحدث إشارة على التدهور الشديد في الحرية الفردية وحرية التعبير في مصر.
وقالت ناجية بونعيم مديرة برنامج الحملات الإقليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لندن: "تمثل الموجة الشديدة من الاعتقالات التي تستهدف مجتمع حقوق الإنسان انتكاسة مريعة أخرى لحقوق الإنسان في مصر". وأضافت: "أظهرت السلطات المصرية بهذه الاعتقالات عزمها الصلب على سحق كل النشاطات وتفكيك حركة حقوق الإنسان في البلاد".
وتقول الجماعات الحقوقية إنَّ حكومة مصر سجنت عشرات آلاف الأشخاص، بينهم الكثير من النشطاء البارزين ممن كانوا وراء احتجاجات الربيع العربي، منذ تولي الجيش للسلطة عام 2013. وبقيَ العديد ممن اعتُقِلوا لأشهر أو حتى سنوات دون محاكمة.
مع استمرار حملات القمع
وقالت صحيفة Washington Post الأميركية إنه لم تقتصر اعتقالات هذا العام على الشباب المتطرفين أو السياسيين أو المحامين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين.
فسُجِن معصوم مرزوق، الدبلوماسي المصري السابق والمقاتل السابق في حرب 1973 ضد إسرائيل، في أغسطس/آب لمناداته باستفتاءٍ على حكومة السيسي. سُجِن كذلك الاقتصادي عبد الخالق فاروق والناشر إبراهيم الخطيب لمدة أسبوعين الشهر الماضي لمجرد نشرهما كتاباً يطرح تساؤلات حول أجندة الإصلاح الاقتصادي للحكومة.
تناول كتاب فاروق، بعنوان "هل مصر بلد فقير حقاً؟"، العلاقة بين التوظيف والكثافة السكانية في البلد، وتساءل كيف استطاعت الحكومة تمويل تكاليف بناء العاصمة الإدارية الجديدة البالغة 45 مليار دولار. وطرح أيضاً تساؤلات حول الاشتباه في الفساد الحكومي.
في نفس الوقت، يتزايد غضب الجمهور حيال برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي الذي يستمر لثلاث سنوات، والذي يتسبَّب في عناء لمصر المثقلة بالديون بالأساس. وطبقاً لجهاز الإحصاء الحكومي، بلغ معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في المناطق الحضرية 17.7% في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكشف استطلاعٌ للرأي أجرته شركة أبحاث Dalia Research أنَّ 45% من المصريين يعتقدون أنَّ مستوى الفساد زاد على مدار السنة الماضية. في الوقت نفسه، يقول 65% من المُستطلعة آراؤهم إنَّ الفجوة بين الفقراء والأغنياء في مصر اتسعت على مدار الأشهر الـ12 الماضية.
وتقول هالة فودة، أمينة لجنة الحقوق والحريات بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي: "لا توجد بصيرة في البرنامج الاقتصادي الحكومي، وهم يمنحون الأولوية للأشياء الخاطئة، أولاً بتوسعة قناة السويس، ثم العاصمة الإدارية الجديدة". وأضافت: "يمثل الحد من الانتقادات الموجهة لهذا الأمر جزءاً كبيراً من الدوافع وراء القيود المفروضة على الصحافة، والتي تشمل حتى ما ينشره الناس على الشبكات الاجتماعية".
في غضون ذلك، نشرت حكومة السيسي قوانين تنظيمية تهدف إلى تخويف آخر وسائل الإعلام المستقلة المتبقية في الدولة. إذ يتطلَّب القانون، الذي بدأت السلطات في تطبيقه في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن تسجل الصحف الإلكترونية نفسها لدى الحكومة، ويجب على المواقع ذات التوجه الإخباري إيداع ضمان مالي بقيمة 30 ألف كي تعمل.
وحجبت مصر مئات المواقع، من بينها العديد من المنافذ الإعلامية المستقلة، في حين أنَّ كل المنافذ الإعلامية الرئيسية في مصر تدعم الحكومة.
وقال السيسي، الذي أقام علاقات وثيقة مع الرياض، إنَّ تغطية وسائل الإعلام الدولية أدت "دوراً سلبياً" في قضية خاشقجي، الذي من الواضح أنَّه قُتِل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول على يد فريق اغتيال الشهر الماضي. وتدعم مصر المملكة العربية السعودية في هذه المسألة، التي أحدثت صخباً واجتذبت تهديدات بفرض عقوبات من الغرب.
السيسي أضاف: "نحتاج أن نتوقف وننتظر السلطات المعنية والهيئات القضائية في السعودية حتى تعلن نتيجة التحقيقات". وقال إنَّه يدافع عن المملكة العربية السعودية لأنَّه يريد حماية استقرار كل الدول "في منطقة لا تتحمل أي فوضى أخرى".