فاجأت النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، الجميع بعد اكتساح الديمقراطيين لمجلس النواب، ولكن المفاجأة الأكثر إثارة كانت فوز مرشحتين مسلمتين في هذا الاقتراع منهم المهاجرة الصومالية إلهان عمر صاحبة 37 عاماً.
إلهان عمر المهاجرة التي كانت في قبل 20 عاماً إحدى ضحايا الحروب في الصومال وعاشت في مخيم للاجئين في كينيا، لكنها غادرته ووصلت إلى واشنطن وهناك نجحت في اقتحام عالم السياسة.
اللاجئون الذين عاشوا مع إلهان تذكروا تلك الفتاة النحيفة الخجولة حينما كانت تعيش بينهم وكيف صار بها الحال الآن، ومن بين هؤلاء سيدة تدعى فادومو كوسو بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
نظَّمت كوسو الأسبوع الماضي احتفالاً صغيراً مع الأصدقاء في مخيَّم إيفو، وهو جزءٌ من مجمَّعٍ واسع لمستوطنات اللاجئين موجود على السهولٍ الجافة الوعرة المحيطة ببلدة داداب النائية في كينيا. وعلى بعد ثمانية آلاف ميل (13 ألف كيلومتر تقريباً)، باتت تلك الفتاة النحيفة الخجولة -وقد بلغت الآن سن 37 عاماً- لتوها العضوة المنتخبة في مجلس النواب الأميركي عن الدائرة الخامسة بولاية مينيسوتا.
ستتولَّى إلهان عمر، وهي عضوة بالحزب الديمقراطي، منصبها في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، وستتشارك مع رشيدة طليب هذا الإنجاز التاريخي بكونهما أول امرأتين مسلمتين تُنتَخبان في الكونغرس الأميركي.
ماذا قال أصدقاء إلهان عنها؟
وقالت كوسو للصحيفة البريطانية: "النساء هنا كن يتحدثن عنها. أتذكَّر أنَّني وإلهان اعتدنا عند أوقات الظهيرة في الطقس الحار لعب قفز الحبل قرب بَيتينا. كانت أسرتي تعيش في خيمة، وكانت أسرة إلهان تعيش في بناء مؤقت مصنوع من العصي والقماش".
وُلِدَت إلهان في العاصمة الصومالية مقديشو، لكنَّها نشأت في مدينة بيدوا البعيدة عن الساحل. فرَّت إلهان من الحرب الأهلية الصومالية مع والديها في سن الثامنة، وقضت أربع سنوات تعيش في ما عُرِف باسم مخيم داداب في كينيا المجاورة.
وكانت الأوضاع في داداب، التي أصبحت الآن مدينة كبيرة وفقيرة يبلغ عدد سكانها ما لا يقل عن 250 ألف شخص، بدائية عندما سكنتها إلهان. وكان الكثير من اللاجئين قد قدموا إليها من الصومال وليس بحوزتهم إلا ما أمكنهم حمله.
وقالت كوسو (40 عاماً): "كنَّا جيران في مخيَّم إيفو داخل مجمَّع داداب. كانت الحياة شاقة جداً تلك الأيام. كان ذلك بعد الحرب الأهلية في الصومال بفترةٍ قصيرة، وكان أناسٌ كثيرون يأتون إلى المخيم. أتذكَّر أنَّه في البداية لم تكن هناك مدرسة لنا هنا".
وأضافت: "كان أمن المخيم كارثياً. فكانت الفتيات والنساء يُغتَصبن، وكُنّا دوماً نخاف الرجال. أتذكَّر أنَّه عندما كان يحل المساء، لم تكن أمي تسمح لي بالخروج بسبب الخطر".
في عام 1995، وصلت إلهان إلى الولايات المتحدة لاجئةً، واستقرت في البداية في مقاطعة أرلنغتون بولاية فيرجينيا، قبل أن تنتقل إلى مدينة منيابولس بولاية مينيسوتا عام 1997. فازت إلهان بمقعدٍ في المجلس التشريعي بالولاية عام 2016، لتصبح بذلك أوَّل مشرِّعة صومالية-أميركية في البلاد. وكانت قد عملت قبل ذلك مُنظِّمةً للعمل المجتمي، ودارسةً متعمِّقة للسياسة تعمل لدى القادة بمدينة منيابولس، وقياديةً بالفرع المحلِّي للجمعية الوطنية للنهوض بالأشخاص ذوي البشرة الملونة، وهي مجموعة حقوقية معنية بالأفارقة الأميركيين
قالت كوسو: "رأيتُها على التلفاز الليلة الفائتة عندما ظهر فوزها المتوقع بالانتخابات. هنيئاً لها. لقد حاولت بذل قصارى جهدها. الحمد لله أنَّها فازت الآن".
ذكريات في مخيم اللاجئين
وقَدِم عبد الله عثمان حاجي هو وعائلته أيضاً إلى داداب عام 1991، ويتذكَّر هو الآخر إلهان عمر حين كانت في مخيم اللاجئين.
وقال للصحيفة البريطانية: "في أوائل عام 1991، كنت شاباً عندما قَدِمتُ إلى مخيم داداب. بعد ذلك بقليل أتت أسرة إلهان بعدما احتدم القتال في الصومال. أتذكَّر أنَّها لطالما كانت وحدها تجلس قرب منزلهم المؤقت. كنتُ أظن أنَّ تلك الحياة ميؤوسٌ منها، لكنَّني اليوم متأكدٌ أنَّها لم تكن كذلك".
وأضاف: "كل ما يمكنني قوله عنها هوَ ابتسامتها ومدى خجلها. كانت في الثامنة من عمرها. ولم تكن تتحدَّث كثيراً. لم يكن بالمخيَّم مستشفى ولا خدمة طوارئ. وكانت خدمة الإسعاف الوحيدة التي أمكننا إيجادها هي عربة يدوية استخدمناها لنقل المرضى إلى مستشفى بعيد. ولم تكن لدينا مدرسة لعامين".
ويوم الجمعة، حضر آدم (46 عاماً) صلاة الجمعة بمسجد المخيَّم، حيث دعا الشيوخ الأكبر سناً لعضوة الكونغرس الجديدة.
وقال: "نحن سعداء بفوزها. لقد جعلتنا -كلاجئين وكصوماليين- فخورين. هذا يدلُّ على أنَّه حتى لو كنتَ لاجئاً، ما زال بوسعك أن تنجح. ندعو لها ونرجو أن تساند اللاجئين. لا بد أن تعرف أنَّنا هُنا في داداب".
قالت الحكومة الكينية قبل عامين إنَّها ستغلق مخيم داداب. لم تتمكَّن الحكومة من تنفيذ ذلك، لكن يُخيِّم على السكان خطر البدء في مساعٍ جديدة لإغلاق المخيَّم. ولم تعد حصص الطعام الآن كافية بعد تقليص التمويل الممنوح للوكالات الدولية.
وقال عمر شيخ أحمد (48 عاماً) وهو أحد أبناء عمومة والد إلهان عمر، إنَّ السياسية هي "نجمتنا".
وأضاف: "صوتها في الكونغرس يمثِّل الأقليات، واللاجئون هُم من الأقليات. هي تدرك أنَّنا في داداب ليس لدينا مدارس جيدة. ونواجه كذلك نقصاً في حصص الطعام. ولا نملك حرية الحركة. مستقبلنا محطَّم".
ماذا تبقى أمام اللاجئين في كينيا بعد قرار ترمب؟
وبحسب الصحيفة البريطانية فبالنسبة للعديد من سكَّان داداب، كان برنامج الولايات المتحدة لإعادة توطين اللاجئين هو الأمل الرئيسي من أجل مستقبلٍ أفضل. ومنذ بدء البرنامج عام 1980، أدَّى إلى قبول دخول مئات الآلاف من الأشخاص من حول العالم إلى الولايات المتحدة.
وفي العام الماضي، قِيل لمئاتٍ من اللاجئين الصوماليين في كينيا كانوا على بُعد أيامٍ من السفر إلى الولايات المتحدة لبدء حيواتٍ جديدة بموجب البرنامج إنَّه لا يمكنهم السفر، وذلك بعدما منع القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب دخول المهاجرين من سبع دولٍ ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر.
ومنذ ذلك الحين، أدَّى ما تلا ذلك من عمليات تدقيق ومراجعة أكثر صرامة للإجراءات إلى انخفاضٍ كبير في عدد اللاجئين الواصلين إلى الولايات المتحدة.
ووفقاً لوكالة رويترز، أُعِيد حتى يوم 10 سبتمبر/أيلول الماضي توطين 251 لاجئاً صومالياً هذا العام، أي بانخفاضٍ بنسبة 97% عن الـ8300 لاجئ صومالي الذين قُبِل دخولهم إلى البلاد في نفس الوقت من عام 2016.
وقال آدم، وهو الزعيم الحالي لمخيَّم إيفو: "إلهان امرأة لها خصوصية كبيرة جداً بالنسبة للَّاجئين في داداب. إذ أحرزت هذا الفوز في وقتٍ يواجه اللاجئون فيه تحدياتٍ. ويقول الجميع إنَّ اللاجئين أشخاصٌ سيئون، لكنَّها أثبتت خطأهم".
وكان لدى كوسو طلبٌ واحد عاجل من إلهان، فقالت: "أريد مناشدة إلهان: من فضلك، تعالي زورينا هنا في داداب. سنرحِّب بكِ باعتبارك ابنتنا".