قال الصحافي البريطاني ديفيد هيرست، في مقال نشره في موقع Middle East Eye، إن مهمة الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود، العائد إلى المملكة تتوقف على المدى الذي سيتمكن من خلاله من إقناع الأسرة المالكة بأنه لا مفرّ من عمل شيء إزاء ابن أخيه ولي العهد محمد بن سلمان، بعد إخفاقاته التي لا تُحتمل، ابتداءً من حرب اليمن، وانتهاء بقتل الصحافي جمال خاشقجي، التي بسببها لم يعد من الممكن أن يصبح ملك البلاد القادم.
يضيف هيرست، الصحافي المختص بالشرق الأوسط أنه " فيما لو تُرك محمد بن سلمان في موقعه، وأفلت من المساءلة فإن ذلك يعني تهديد وجود المملكة بأسرها، لأنه سيكون بمثابة السماح لوحش ضار بأن يعيش ليوم آخر".
حسب مقالة Middle East Eye يوجد أمام الأمير أحمد بن عبدالعزيز واحد من مسارين اثنين: الأول إقناع محمد بن سلمان بإبرام صفقة، بحيث يتخلّى عن موقعه كولي للعهد، وعن مواقع المسؤولية الأمنية في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، مقابل الاحتفاظ بدوره كمصلح اقتصادي.
وأما المسار الآخر، فهو أن يُلقي به من النافذة. يذكر أن رئاسة هيئة البيعة، التي يناط بها رسمياً على الأقل مهمة إقرار التعيينات الملكية، ما زالت شاغرة منذ وفاة مشعل بن عبدالعزيز. وفيما لو تم ترشيح أحمد بن عبدالعزيز رئيساً لهيئة البيعة فسيلعب دور صانع الملوك.
ويتعرَّض عالَم محمد بن سلمان للانكماش بشكل متسارع، حسب هيرست. فبعد غياب طويل في لندن، عاد عمّه وخصمه اللدود الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى الوطن، ليُستقبل كما يستقبل الأبطال، حيث سارع كبار الأمراء للترحيب به لحظة وصوله إلى المطار، ثم في حفلات الاستقبال التي نُظمت له بعد ذلك.
وكان من بين هؤلاء بعض كبار الوزن في البلاد، مثل رئيس المخابرات السابق خالد بن بندر، ونائب وزير الدفاع السابق خالد بن سلطان، وولي العهد السابق مقرن بن عبدالعزيز. ثمة دلالة مهمة في عدم ظهور صور حتى الآن للأمير أحمد مع محمد بن سلمان، رغم ما ذُكر في بعض التقارير، من أن محمد بن سلمان وشقيقه خالد بن سلمان رحَّبا بالأمير العائد، لحظة وصوله إلى المطار.
يقول هيرست: لقد بلغني أن الأمير أحمد رفض أن تُلتقط له صور مع أي منهما، في إشارة إلى أنه لم يُرد أن تُستغل عودتُه لإعطاء الانطباع بأنه يُقرّ ابنَ أخيه على ما هو عليه.
وفيما لو تُرك محمد بن سلمان في موقعه، وأفلت من المساءلة بمجرد صفعة بسيطة، فإن ذلك سيعني تهديد وجود المملكة بأسرها، لأنه سيكون بمثابة السماح لوحش ضار بأن يعيش ليوم آخر.
ويضيف هيرست: لا يوجد نقص في المرشحين لاستبدال محمد بن سلمان، فهناك شقيقه فيصل بن سلمان، خريج أكسفورد، ناهيك عن محمد بن نايف، ومتعب بن عبدالله، الذي قضى سنواتٍ في الحرس الوطني قبل أن يُصبح رئيساً له، "ومن السخف أن يقول أحد إنه لم يبق سوى شخص واحد من آل سعود، الذين يبلغ تعدادهم 30 ألفاً، بل هناك العديد ممن هم أكثر خبرة وحكمة من ولي العهد الحالي".
أياً كان الشخص الذي سيتسلم مقاليد الأمور من محمد بن سلمان فسيتوجَّب عليه تعلم الدرس والاعتبار.
الأمير أحمد تحدَّث مبكراً
قبل شهرين فقط، كان لمحمد بن سلمان من الجبروت ما مكَّنه من تقويل عمه أحمد عبدالعزيز ما لم يقله. حدث ذلك بعد أن مشى الأمير أحمد باتجاه مجموعة من المحتجين اليمنيين والبحرينيين، الذين تجمعوا أمام منزله في لندن، ليخبرهم بأن عائلة آل سعود لا تتحمل المسؤولية عن الحرب في اليمن. وعندما سأله المحتجون: "فمن يتحمَّل المسؤولية إذن؟"، قال لهم الأمير: "الملك وولي عهده، وغيرهم ممن يديرون شؤون الدولة".
خلال ساعات، نقلت وكالة الأنباء السعودية التي تخضع لسيطرة الدولة، عن الأمير أحمد قوله: إن "التفسير" الذي ذهب إلى أنه انتقد الملك كان "خاطئاً". وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الأمير أحمد كان ببساطة يقول إن العائلة الملكية هي المسؤولة، وذلك بسبب ما يحتله أفرادها من مواقع داخل الحكومة.
ويضيف هيرست في مقاله: "كنت قد كتبت في ذلك الوقت أقول إن الأمير أحمد أعلن تمسكه بما صدر عنه ابتداء، وبأنه كان يفكر في البقاء بالمنفى دائماً. بعد شهرين على تلك الحادثة، تلتزم وسائل الإعلام السعودية الرسمية الصمت التام بشأن عودة نجل مؤسِّس المملكة الملك عبد العزيز. ولا ريب في أن محمد بن سلمان لا يجرؤ اليوم على تقويل عمه ما لم يقله، كما فعل من قبل".
وعقد الأمير أحمد، منذ عودته، العديد من اللقاءات مع أشقائه وكبار أمراء آل سعود. شهدت تلك اللقاءات، حسب Middle East Eye، حواراً مفتوحاً حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية، وهو ما كان وارداً حدوثه قبل أسابيع قليلة، حينما كان محمد بن سلمان في وضع يمكّنه من فرض رقابة تامة على العائلة.
البحث عن حصن مكين
خلال أقل من أسبوع، انتقل محمد بن سلمان من وضع كان يستعرض فيه بِخُيلاء أمام العالم كله، إلى وضع يبحث فيه عن حصن مكين. ما بدا منه من خُيلاء موثَّقٌ بشكل جيد، ولا يحتاج المرء سوى العودة إلى المقابلة التي أجرتها معه "بلومبيرغ" بعد أيام قليلة على جريمة قتل خاشقجي، وواضح أنه لم يصحُ من غفلته إلا بعد حين، ليدرك حجم المشاكل التي تراكمت على كاهله.
بعد أيام قليلة على جريمة القتل داخل القنصلية، أرسل محمد بن سلمان رئيسَ المخابرات، خالد علي الحميدان، إلى تركيا، والذي عاد يساوره القلق حول كمّ المعلومات المتوافرة لدى الأتراك، وكانت خلاصة التقرير الذي قدمه لدى وصوله إلى الرياض، تفيد بأن الوضع في غاية السوء.
اتصال الملك و"رشوة أردوغان"
وصل بعده إلى أنقرة خالد الفيصل، مستشار الملك وأمير مكة، الذي تقدّم بمجموعة من العروض في أثناء اجتماعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ذلك أن تقوم السعودية بمساعدة تركيا بالاستثمار فيها، وكذلك من خلال شراء الأسلحة منها. يفيد مصدر مطلع بأن أردوغان قاطعه قبل أن يكمل حديثه، قائلاً له: "هل تحاول أن ترشوني؟"، ثم سمح لخالد الفيصل بالاستماع إلى شريط مسجل لجريمة قتل خاشقجي، مدته 15 دقيقة. فعاد أدراجه يجرُّ ذيول الفشل.
قال هيرست أيضاً، إنه علم من مصادر لديها اطلاع جيد على تفاصيل المكالمات التي تلقاها أردوغان من الملك، أن "العاهل السعودي بدا كما لو أنه يقرأ من ورقة، بدليل أنك إذا سألته سؤالاً ما لا يستطيع الإجابة، بحسب ما قاله مصدر كان موجوداً حينها داخل مكتب أردوغان. إلا أن ذلك لم يفتَّ في عضد أردوغان، الذي قال للملك بكل وضوح: إذا أرادت المملكة العربية السعودية إنقاذ نفسها فلا بد من تسليمنا الجثة".
الأخطاء التي قام بها كانت فادحة
والأخطاء التي وقع فيها محمد بن سلمان بدأت بحرب اليمن، وخطف رئيس وزراء لبنان، وفرض الحصار على دولة قطر، وفشل مشروع طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب، والتخلي عن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة، وانتهت الآن بقتل جمال خاشقجي، حسب مقالة هيرست.
وقائمة الأخطاء طويلة، ويمكن أن تطول أكثر فيما لو أصبح محمد بن سلمان ملكاً.
لقد تخلى دونالد ترمب، منذ مدة، عن الزعم بأن تصريحات السعوديين صادقة، وذلك أنهم غيَّروا أقوالهم خمس مرات حتى الآن، وكان آخرها نفي المدعي العام السعودي، سعود المعجب (الذي وصفه نظيره التركي بأنه من أحط الخلق)، أن جثة خاشقجي سُلّمت إلى "متعاون محلي".
وتقيدت قدرة البيت الأبيض على النهوض دفاعاً عن حليفه السعودي، البالغ من العمر 33 عاماً، بفضل رد فعل وسائل الإعلام الدولية، التي بات لها مفعول مؤثر. وحسب هيرست، لن تسمح وسائل الإعلام الأميركية لترمب هذه المرة بالإفلات. ونظراً إلى خشيته من أن يخسر حزبه في انتخابات الكونغرس النصفية، فقد خفف من حدة خطابه، فهو يعلم أنه بعد هذه الانتخابات قد يكون أقل قدرة على حماية حريته في قول ما يريد.
استقرار المملكة
يضيف هيرست: "في تناغم تام، تجد صهر الرئيس ترمب، غاريد كوشنر، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والأبواق التي استأجرها محمد بن سلمان داخل واشنطن، يلجأون جميعاً إلى الحجة القائلة بأن خلع محمد بن سلمان سيؤدي إلى زعزعة المملكة بأَسرها".
وهذه النظرة، حسب هيرست، غير صحيحة، "فبمجرد صعوده إلى السلطة، أقدم محمد بن سلمان على عزل الشخصيات ذاتها التي كانت واشنطن تعتمد عليها في ضمان استقرار البلاد، وكان أبرزهم ابن عمه محمد بن نايف، الذي عُزل من منصبه ثم أُلقي به جانباً؛ بفعل آلة التشويه وتلطيخ السمعة التي لجأ إليها محمد بن سلمان لوصمه بمدمن المخدرات".
والمشكلة الثانية، هي أن الأشخاص الذين عزلهم محمد بن سلمان كانوا أكثر خبرة منه، وهم الذين قضوا عقوداً في مناصبهم. ومن هؤلاء متعب بن عبد الله، الذي قضى سنوات في الحرس الوطني قبل أن يصبح رئيساً له، وخلال ذلك الوقت تمكن متعب من بناء شبكات من الولاءات والتحالفات. أما محمد بن سلمان، فلم يقضِ ما يكفي من الوقت في أي وظيفة حتى يتمكن من إقامة مثل هذه الشبكات، فيما عدا أولئك النفر الذين يجد نفسه الآن مضطراً إلى التخلص منهم.