أفرجت السُّلطات السعودية عن الأمير خالد بن طلال شقيق الملياردير الأمير الوليد بعد اعتقالٍ دامَ قرابة عام، بحسب ما قاله السبت 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أفراد من العائلة، وذلك في وقت تُواجه المملكة فيه ضغوطاً دولية، على خلفية قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأكد 3 على الأقل من أقرباء الأمير خالد بن طلال، بـ"تويتر"، أن الأخير قد تم الإفراج عنه، ونشروا صوراً له وهو يقبّل نجله، الذي دخل في غيبوبة منذ سنوات.
الحمدلله على سلامتك❤️ pic.twitter.com/drFWupyKQy
— ريم بنت الوليد (@Reem_Alwaleed) November 2, 2018
وكتبت الأميرة ريم بنت الوليد على "تويتر": "الحمدلله على سلامتك"، ونشرت صوراً للأمير المفرج عنه، مع أقارب له.
ولم تُقدّم الحكومة أي تفسير علني لاعتقاله أو شروط الإفراج عنه.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الأمير احتُجز 11 شهراً بسبب انتقاده أكبر حملة اعتقالات طالت عشرات الأمراء ورجال الأعمال الذين تم توقيفهم بفندق "ريتز كارلتون" بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في إطار ما قالت الحكومة إنها حملة على الفساد.
وكما حدث مع الأمير الوليد بن طلال، قامت السُّلطات بعد ذلك بـ"ترتيبات" مالية مع معظم المعتقلين الآخرين في مقابل الإفراج عنهم.
وقالت السُّلطات السعودية إنّ حملة الاعتقالات تلك، كان هدفها مكافحة الفساد المستشري في المملكة. لكن بالنسبة إلى منتقدي وليّ العهد السعودي، فإن الأمر كان يتعلق بمحاولة من الأمير محمد بن سلمان لاستبعاد أي منافسين محتملين له وتعزيز سلطته.
وتأتي عملية الإفراج هذه، في وقت تُواجه فيه المملكة ضغوطاً دولية مكثفة، على خلفية قضية الصحافي جمال خاشقجي، الذي قُتل بالقنصلية السعودية في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الجمعة 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن الأمر بقتل خاشقجي صدر من "أعلى المستويات في الحكومة السعودية"، مشدّداً في الوقت نفسه على أن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، فوق أي شبهة بهذه الجريمة.
ربي يحفظكم pic.twitter.com/cGyE3HffZY
— ريما بنت طلال (@Rima_Talal) November 2, 2018
ويبدو أن الحكومة ترغب الآن في كسب دعم العائلة المالكة؛ في محاولة لتهدئة الأزمة. وهي قد تُفرج في هذا السياق عن مسؤولين آخرين لا يزالون محتجزين، وبينهم أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله، والملياردير محمد العمودي، بحسب "وول ستريت جورنال".
وكانت صحيفة The Times قالت إن أمراء المملكة العربية السعودية ينهمكون في محادثات أزمة حول كيفية إنقاذ النظام الملكي والبلاد من الخزي العالمي الذي ألحقته بهم حادثة قتل جمال خاشقجي في إسطنبول.
أشارت الصحيفة في تقرير لها إلى أنَّ العائلة المالكة، المُنزوية التي تخلَّى عنها شركاؤها التجاريون وشلَّتها الإدانة العالمية اللاذعة، تبحث عن وسيلةٍ تَحفظ ماء الوجه لتُخرِجها من أسوأ أزمةٍ سياسيةٍ تمرّ بها المملكة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية.
محاولة لقص أجنحة ولي العهد العنيد
ينظر دبلوماسيون غربيون كبار إلى عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز وهو الأخ الشقيق الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، المفاجئة إلى السعودية، باعتبارها علامةً على أنَّ العائلة المالكة السعودية قد تكون الآن بصدد محاولة تقليم أجنحة ولي العهد العنيد والحاكم الفعلي للبلاد الأمير محمد بن سلمان.
وترى الصحيفة البريطانية أن الملك سلمان قد يضطر، تحت إلحاح عشرات كبار الأمراء الذين همَّشهم وأرهبهم محمد بن سلمان (33 عاماً)، على التراجع عن حُكم الرجل الواحد والقبول بقيادة أكثر تقليدية وجماعية للبلاد.
كان الأمير أحمد، الذي شغل منصب وزير داخلية السعودية لفترةٍ وجيزة قبل أن يعزله محمد بن سلمان، يعيش في لندن، وأجَّل مراراً عودته إلى موطنه خوفاً من أن يضعه ولي العهد تحت الإقامة الجبرية، إذ لم يتردد ولي العهد من قبل في إقصاء خصومه من أفراد العائلة الملكية الممتدة.
وعبَّر الأمير أحمد صراحةً عن رغبته في أن يُوقِف محمد بن سلمان حربه في اليمن، التي تُسفِر عن أضرار جسيمة تَلحق بصورة السعودية فيما يقف ملايين اليمنيين على حافة الموت جوعاً.
ونفى الأمير أحمد أنَّه يقصِد بذلك توجيه أي انتقادٍ لمحمد بن سلمان، لكن بصفته العضو الوحيد المتبقي من السديريين السبعة على قيد الحياة، وهُم أبناء الملك عبد العزيز مؤسس المملكة السعودية من زوجته المفضلة حصّة بنت أحمد السديري، فإنَّ له وزنه داخل العائلة.
أمراء الريتز كارلتون.. الآن يتكتلون
عادى ولي العهد السعودي عدداً كبيراً من أفراد العائلة المالكة، ويقول الدبلوماسيين أنَّه أوجد تحالفاً مُعارِضاً قوياً.
وكان احتجازه لعددٍ من أغنى الأمراء السعوديين في فندق الريتز كارلتون العام الفائت خطوة غير مسبوقة أهانت الأمراء وخلَّفت لدى أولئك الذين اضطر بعضهم لدفع مبالغ كبرى من المال مقابل إطلاق سراحهم، ومن بينهم الأمير الثري الوليد بن طلال، سخطاً موغلاً.
وتُفيد تقارير بأنَّ العديد من أولئك الذين رفضوا الدفع قد اعتُقِلوا.
تعرَّض الآخرون الذين اعترضوا طريق محمد بن سلمان هم أيضاً للاعتقال أو التهديد. ومن بين هؤلاء ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، وهو أحد أبناء إخوة الملك سلمان وكان قد شغل منصب وزير الداخلية السعودي والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء. عُزِل بن نايف من سلم خلافة العرش في شهر يونيو/حزيران العام الماضي.
أحد الأمراء الآخرين الذين لديهم سببٌ وجيه للشعور بالامتعاض هوَ أصغر أبناء الملك الراحل عبد العزيز بن سعود، الأمير مقرن، الذي كان رئيساً للاستخبارات العامة السعودية وعيَّنه الملك السابق، عبد الله، ولياً لولي العهد. وعندما تولَّى الملك سلمان السلطة، ترقَّى مقرن لمنصب ولي العهد، لكنَّه انتُزِع منه بعد أربعة أشهر لا غير في أبريل/نيسان عام 2015.
هل يقال محمد بن سلمان
ويقول الدبلوماسيون الغربيون إنَّه من المستبعد أن يعزل الملك سلمان ابنه من ولاية العهد، لأنَّ ذلك سيكون ضربةً قوية تُفقدهم ماء وجوههم.
وقال دبلوماسي بريطاني ذو خبرةٍ كبيرة بالشأن السعودي: "لا يزال محمد بن سلمان يحظى بشعبيةٍ كبيرة لدى الكثير من السعوديين الشباب. لذا فإنَّ ما قد تحاول العائلة فعله هو أن تضع حداً لسلطته، لا أن تنزعها منه".
وترى الصحيفة البريطانية أن هناك عاملاً آخر يُعقِّد هذا الوضع أكثر هو ما أسمته رغبة تركيا، وهي دولةٌ عضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنافسة لدودة للسعودية على النفوذ في العالم الإسلامي، في استغلالجريمة قتل خاشقجي لخدمة مصالحها، إذ يذهب بعض محللين إلى احتمالية استعداد تركيا لحجب بعض الأدلةٍ الخاصة بجريمة قتل خاشقجي -وعلى أية صلاتٍ تورِّط محمد بن سلمان- إذا ما كانت السعودية مستعدة للاستثمار في تركيا.
لكنَّها مع ذلك لعبةٌ محفوفة بالمخاطر. وكما يشير كريس دويل، رئيس مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني: "إذا ما ظل محمد بن سلمان في السلطة، فإنَّه لن ينسى محاولة الرئيس التركي أردوغان الإضرار به. وسيُكِنّ هذه الضغينة طويلاً".
ومع ذلك، فإنَّ الخيارات المُتاحة أمام العائلة المالكة السعودية للتعامل مع أزمة ولي العهد الذي لُطِّخَت سُمعته -والذي ربما لا يزال زمام المبادرة بيده- محدودة للغاية.