لقد دخلنا مرحلةً غير مألوفة تماماً في تاريخ كوكبنا، إذ إن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة على الأرجح.
في الوقت الذي يواصل بعض الساسة الأميركيين التشكيك فيما إذا كان التغير المناخي يعزى إلى البشر، فمن المرجح إلى حدٍّ كبير أنَّنا قد تسبَّبنا في جعل مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة على الأرجح، بحسب ما ورد في تقرير لموقع Mashable الأميركي.
وهذا الرقم أعلى بكثير من الإحصائية التي كثيراً ما يستشهد بها الجيولوجيون وعلماء المناخ، القائلة إنَّ مستويات الكربون اليوم في أعلى مستوى لها منذ ما لا يقل عن 800 ألف عام.
وثاني أكسيد الكربون يعد أحد الغازات الدفيئة القوية على كوكب الأرض، وقد وصل إلى أعلى مستوياته منذ 15 مليون سنة.
كيف اكتشف العلماء أن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة؟
على الرغم من تأكيد العلماء أنَّ فقاعات الهواء المحفوظة في الجليد تشكل مقياس الكربون، فثمة طرق أقل مباشرة، وإن كانت أقل موثوقية بكثير لقياس مستويات الكربون القديمة.
وتُعرَف وسائل القياس هذه على نطاق واسع بالوسائط (proxies)، وتشمل التركيب الكيميائي للعوالق الميتة منذ زمن طويل، والأدلة المخزنة في خلايا تنفس النباتات القديمة أو مسامها.
وقد اكتشف العلماء أن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة، عبر قياس وسائط وإعادة قياس وسائط أخرى في جميع أنحاء العالم.
وقال مايكل براثر، أستاذ علم نظام الأرض بجامعة كاليفورنيا في مقابلة صحافية: "هذا توثيق علمي جيد، لكنَّه إجراء غير مباشر"، حسب تعبيره.
وأضاف براثر، أحد المؤلفين البارزين لتقارير الأمم المتحدة المناخية، مستشهداً بدليل ثاني أكسيد الكربون في الحياة البحرية الحفرية: "ثمة أدلة كثيرة على هذا الرقم. فهذا ليس مجرد رقم مجنون اكتشفه شخص واحد".
إنها أعلى نسبة لثاني أكسيد الكربون في التاريخ الإنساني
وتظهر القياسات المباشرة للهواء أنَّ مستويات ثاني أكسيد الكربون قد تخطَّت مؤخراً حاجز الـ410 أجزاء في المليون.
وهو أعلى رقم مُسجَّل في التاريخ الإنساني، حسبما يشير تقرير الموقع الأميركي.
وقال ماثيو لاخنيت، عالم المناخ القديم بجامعة نيفادا في مدينة لاس فيغاس الأميركية، في مقابلة صحافية: "في معظم الفترات، كان معدل ثاني أكسيد الكربون أقل من 400 جزء في المليون، في آخر 14 مليون سنة تقريباً".
والعصر المشابه لزمننا الحالي كان طقس الأرض فيه شديد الحرارة
وربما كان هناك وقت، منذ نحو 3 ملايين عام في أثناء فترة شديدة الحرارة تسمى العصر الحديث القريب (عصر البليوسين- Pliocene).
في ذلك العصر كان منسوب البحار أعلى من المنسوب الحالي بقيمة تتراوح بين 16 و131 قدماً (5 أمتار و40 متراً).
واللافت أن هذا العصر السحيق كانت فيه تركيزات الكربون قريبة من المستويات الحالية.
يقول دانيل بريكر، عالم المناخ القديم في كلية جاكسون لعلوم الأرض بجامعة تكساس في مدينة أوستن الأميركية، عبر البريد الإلكتروني"إنَّ تركيزات مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة أو قريبة على الأقل من أعلى المستويات خلال هذه الفترة".
وبما أن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة، حسبما يرجح العلماء، فإنها قد تكون أعلى أو مماثلة للمستوى الذي كانت فيه في هذا العصر شديد الحرارة.
ولكن المشكلة ليست في هذا الرقم الضخم، بل الأسوأ أنها تزداد
ومع ذلك، فإنَّ الفارق الحاسم اليوم هو أنَّ انبعاثات الكربون من المتوقع لها أن تستمر في التزايد. فمع الحرق غير المسبوق للوقود الأحفوري، سيستمر ارتفاع تراكمات الكربون.
Great to acknowledge measurable changes @marcorubio but we aren't debating the cause of climate change as much as you think. Fossil fuels are dead plants, which prefer light carbon, which spiked with CO2 went up. It's definitely us. Remix from doi: 10.1002/jgrd.50668 @jaketapper pic.twitter.com/DQYP7qfhVo
— Kris Karnauskas (@OceansClimateCU) October 15, 2018
وقال لاخنيت: "بالطبع لن تتوقف تركيزات ثاني أكسيد الكربون عند المستوى الحالي. ومن المحتمل أنَّها ستتراوح بين 550 و600 جزء في المليون".
وأشار لاخنيت إلى أنَّ هذه التركيزات من الكربون لم تشهدها الأرض منذ أكثر من 20 مليون عام.
وأضاف لاخنيت: "وذلك الأمر يجعل هذا النقاش أوضح".
كما أنَّ بعض الباحثين في مجتمع المناخ قالوا إنَّ مناخ العصر الحالي يحتوي على أعلى تركيزٍ لإجمالي الغازات الدفيئة منذ أكثر من 20 عاماً.
ويقصد بغاز الدفيئة عندما يُضاف لغار ثاني أكسيد الكربون غازاتٌ مثل الميثان (الغاز الطبيعي) وثاني أكسيد النيتروجين.
وفي نهاية المطاف، فليس التركيز الفعلي لثاني أكسيد الكربون هو ما يهم، بل مدى حساسية الأرض لهذا الارتفاع الهائل في تركيزات الكربون، وفقاً لما ذكره بريكر.
وقد أثبتت الأرض بالفعل أنها حسَّاسة للغاية.. إليك عواقب هذا التغير على حياتنا
فمنذ بداية الثورة الصناعية، ارتفع متوسط حرارة الأرض بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت، أو درجة مئوية واحدة.
وقد لوحظت عواقب كبيرة بالفعل في دورة الماء على كوكب الأرض، ما يزيد من احتمالات وقوع كوارث طبيعية مثل الفيضانات والجفاف.
كما بدأت تحدث النتائج التي كانت أسهل في التنبؤ بها من قبل العلماء، وأصبحت اليوم واقعاً جراء السيناريو الذي يحاول البعض إنكاره، وهو أن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة.
ومن هذه النتائج موجات الحرارة القياسية وحرائق الغابات التاريخية على المستوى العالمي، فضلاً عن تغيرات أكثر تعقيداً في الغلاف الجوي.
وقال عالم المناخ ستيفان راهمستورف رئيس تحليل نظام الأرض بمؤسسة Potsdam for climate Impact Research، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي: "يرفع الاحترار العالمي مستويات مياه البحار ويجعل هبوب العواصف أسوأ، ويجعل الغلاف الجوي أكثر رطوبة، ما يؤدي إلى فيضانات من الأمطار الغزيرة.
كما لفت إلى أن "درجات الحرارة المرتفعة توفر للمحيطات طاقة إضافية للعواصف الاستوائية".
وأضاف راهمستورف: "يذوب الجليد القطبي، ويضعف نظام تيار الخليج في المحيط الأطلسي، ويزداد التيار النفاث غرابةً".
وبخلاف العصور الجيولوجية السابقة فإنَّ الظرف المُحدّد اليوم ليس مجرد زيادة الكربون في الجو بدرجةٍ ملحوظة، وإنما سرعة تراكم كل ذلك.
فقديماً كانت الأرض تُصلح نفسها، ولكنها اليوم لا تستطيع استيعاب نشاط البشر.. فالحل لديهم
الطبيعة كانت تضخ الكربون في الغلاف الجوي وتزيله منه على فترات طويلة من الزمن، تمتد من مئات إلى عشرات مئات الأعوام.
فعلى سبيل المثال، ثمة فترة دافئة تدعى Eemian، انتهت منذ نحو 120 ألف عام، أذابت ببطء جزءاً كبيراً من الصفائح الجليدية في غرينلاند، وذلك حتى مع وجود تركيزات أقل بكثير من الكربون وصلت إلى نحو 280 جزءاً في المليون.
لكنَّ المناخ، هذه الأيام، لم يواكب هذه التغيرات التي تحدث حتى الآن.
It's been an unprecedentedly warm spring and summer 2018 in Europe, smashing previous records. https://t.co/PhSlTG9kck
— Ed Hawkins (@ed_hawkins) October 26, 2018
وقال براثر، من جامعة كاليفورنيا الأميركية: "تزداد الحرارة بوتيرةٍ سريعة جداً، لدرجة لم تسمح لجزيرة غرينلاند بالذوبان، كما حدث سابقاً"، حسب تعبيره.
إنَّ قدرة الحضارة على التحكُّم في كميات الكربون مشروطة بمدى سرعة انتقال المجتمعات العالمية إلى الطاقة النظيفة، وتوليد الكهرباء دون الاعتماد الكبير على الوقود الحفري.
وبعد أن أصبح من المرجح أن مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض هي الأعلى منذ 15 مليون سنة، كما تشير الأبحاث، يتساءل لاخنيت: "كيف سينتهي بنا المطاف؟"
ويجيب قائلاً: "في غضون الأعوام المائة القادمة سوف نحدد فعلاً مصير العشرة آلاف سنة القادمة من تاريخ المناخ".