لم يتضح من التصريحات التركية المتكررة بشأن التحرك شرقي الفرات، إذا ما كانت القوات التركية تستعد للهجوم على عين العرب (كوباني) أم غيرها من المناطق، لكن تجدُّد القصف المدفعي التركي صوبَها جعل الأنظار تتجه نحوها من جديد.
ولَطالما كانت المنطقة ضمن الخطط التركية، التي تحررت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، على يد القوات الكردية بدعم من التحالف الدولي وقوات "البيشمركة" العراقية في عام 2015، بعد قتال دَامَ نحو 112 يوماً.
وبحسب أنقرة فإن القوات الكردية في سوريا تشكّل خطراً على أمنها القومي، وتعتبرها جزءاً من حزب العمال الكردستاني التركي، المعروف بـ "PKK"، وهي منظمة مصنفة إرهابية على لوائح الأمم المتحدة، لذلك ترفض تركيا أي وجود لتلك القوات على حدودها.
تمهيد حقيقي للمعركة عسكرياً وإعلامياً
وذكرت وكالة الأناضول، يوم الأحد الماضي، أن المدفعية التركية قصفت مواقع القوات الكردية في منطقة عين العرب شرقي نهر الفرات، وأشارت إلى أن القصف استهدف مواقع في المناطق المرتفعة المطلة على الحدود التركية بقرية "زور مغار"، بهدف إعاقة التحركات العسكرية وأعمال بناء الخنادق والتحصينات التي تقوم بها القوات الكردية.
ولفت الباحث في الشأن السوري محمد العطرة إلى أن التصريحات الإعلامية من قبل رئيس الجمهورية وما رافقها من عمليات قصف في مناطق متفرقة للقوات الكردية، تدل على أن هناك تحضيراً حقيقياً من أنقرة لإطلاق المعركة، وقال لـ "عربي بوست" إن سيطرة القوات التركية على عين العرب "سيُضيق الخناق بشكل كبير" على القوات الكردية، مستدركاً بالقول: "لكن ذلك قد يتسبب في أزمة سياسية جديدة مع واشنطن".
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمقر البرلمان التركي في العاصمة أنقرة، إن "قوات بلاده المسلحة نفذت قبل عدة أيام ضربات ضدّ الإرهابيين في شرقي الفرات، وأنها تستعد الآن لإطلاق عمليات أوسع قريباً"، ولفت إلى أن أنظار تركيا ستتوجه حالياً إلى شرقي الفرات، دون الالتهاء بملف مدينة منبج، المعلق موضوعها حتى اليوم.
القوات التركية تحيط بعين العرب
وقال مصدر خاص لـ "عربي بوست" إن الجيش التركي في حالة تأهب على الحدود السورية التركية، ونشر قوات ودبابات ومنصات صواريخ قبالة مدينة عين العرب (كوباني).
فيما صرَّح الرئيس التركي الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول، أن بلاده أكملت خططها واستعداداتها لتدمير مواقع الإرهابيين في شرقي نهر الفرات بسوريا، وأن أنقرة ستطلق قريباً عمليات أوسع نطاقاً وأكثر فاعلية في تلك المنطقة.
وقال المحلل السياسي التركي بكير أتاجان إن الحكومة التركية أخذت على عاتقها ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني داخل العراق وسوريا، وحصلت على موافقة البرلمان التركي بشأن ذلك، وأضاف لـ "عربي بوست" أن نية التوجه شرقي الفرات للقوات التركية تندرج ضمن هذه الغاية، وهي القضاء على جميع التنظيمات التي تسبب خطراً على تركيا.
إنشاء منطقة عازلة بعمق 50 كم
وأشار بكير أتاجان إلى أن الضربات التركية ستتجدد في الأيام المقبلة بهدف منع تسلل المقاتلين الأكراد إلى داخل الأراضي التركية كمرحلة أولى، وأوضح أن تركيا تريد إنشاء منطقة عازلة قد تمتد إلى عمق 50 كم وفق قوانين الأمم المتحدة.
وقال ناشطون إن القصف التركي تجدَّد، الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول، وطال هذه المرة بلدة "تل العبدة" بمحيط تل أبيض، بريف الرقة، وهو ما تسبب بقتل أحد عناصر القوات الكردية، وجرح آخرين.
واعتبر أتاجان أن هذه العمليات العسكرية التركية "لن تؤثر على اتفاق منبج مع الولايات المتحدة"، وأضاف "بالتأكيد هناك ضوء أخضر أميركي لتركيا أو غض طرف إذا ما حصل هذا التدخل شرقي الفرات".
خوف تركي مما تخفيه واشنطن
لكن الباحث محمد العطرة لم يتفق مع تصريحات أتاجان، وأشار إلى أن أنقرة لا تثق بواشنطن، وعلى الأخص في ظل تزويد القوات الكردية بالأسلحة الثقيلة بشكل مستمر ودون توقف، وأضاف العطرة أن التحركات التركية الجديدة تعود إلى المماطلة الأميركية بتنفيذ اتفاق "منبج".
وقال إن تركيا ترى في المشروع الكردي على حدودها خطراً كبيراً، وكانت تعوّل على التفاهم مع واشنطن لحل هذه الأزمة، لافتاً إلى أن أنقرة "تستعد لأخذ زمام المبادرة في الوقت الحالي ولن تنتظر أكثر".
وبعد عمليات القصف التركية لمحيط عين العرب بيوم واحد، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، استكمال عمليات التدريب والاستعداد للعسكريين الأتراك والأميركان لتسيير دوريات مشتركة في منطقة "منبج" السورية، لكن دون ذكر موعد انطلاق تلك الدوريات.
تدرَّبت القوات الأميركية والتركية طوال شهر أكتوبر/تشرين الأول، من أجل بدء تسيير دوريات مشتركة قرب مدينة منبج شمالي سوريا. وقال الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ الدوريات ستبدأ قريباً.
ووصل الجنرال فوتيل في اليوم التالي إلى التنف، وهي قاعدة أميركية في المنطقة المُقفرة جنوبي سوريا قرب الأردن والعراق، حيث شدَّد هناك على أهمية دور تلك القاعدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
تُعَد الزيارة والتصريحات حول منبج رمزيةً تُعبِّر عن الموقف الأميركي في سوريا عموماً، إذ تظل واشنطن ملتزمة بمحاربة داعش، لكنَّ توسيع المهمة وأهدافها أدّيا بها إلى مواجهة إيران، وكذلك محاولة التعامل مع المخاوف التركية.
وأوضح الناطق باسم البيت الأبيض، الرائد شون روبرتسون في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أمس الثلاثاء، أن بلاده تعمل على التهدئة بين تركيا والقوات الكردية، وقال: "نحن على دراية بتصريحات تركيا عن هجوم مخطط له في شمال شرقي سوريا، واتصلنا مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية لتهدئة الوضع".
وتملك واشنطن قاعدة عسكرية جنوب عين العرب في منطقة "صريّن" وتعمل على توسيعها، وكانت قد زودتها بنظام رادار وأنظمة إلكترونية من أجل الدفاع الجوي والتقاط إشارات استخبارية.
رمزية عين العرب لدى المقاتلين الأكراد
ولدى عين العرب (كوباني) قيمة معنوية لدى المقاتلين الأكراد، حيث انطلق منها المشروع القومي الكردي في سوريا، بعد صد قوات تنظيم "الدولة الإسلامية"، واسترجاع أحياء المدينة بالكامل، بالتعاون مع التحالف الدولي، ومنها توسع المقاتلون الأكراد وسيطروا بدعم أميركي على معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات، إضافة إلى منطقة "منبج".
وتقع المدينة على بُعد نحو 160 كيلومتراً عن محافظة حلب، ويبلغ عدد سكان المدينة 44 ألف نسمة، غالبيتهم من الأكراد، وانخرط عدد كبير من سكانها في حزب العمال الكردستاني التركي، وشارك عدد من أبنائها في المعارك التي خاضها الحزب بالأراضي التركية.