خلال زيارته الأخيرة إلى إسبانيا، شرح عمّ الملك عبدالله الثاني، الأمير حسن بن طلال الأسباب التي جعلت الأردن يلجأ إلى إلغاء عقود إيجار أراضٍ أردنية إلى إسرائيل، بحسب ما ذكرت صحيفة abc الإسبانية.
وأجرى الأمير حسن بن طلال زيارة، خلال هذا الأسبوع، إلى إسبانيا، حيث تمت تسميته عضواً فخرياً في الأكاديمية الملكية للتاريخ. وقد مثّلت هذه التسمية اعترافاً جديداً بالنضال الشاسع والمكثف للأمير الأردني في المجال الإنساني، وفي البحث عن حلول تعزّز الحوار والتعايش بين الأديان. ويعد الأمير مؤسس المعهد الملكي للدراسات الدينية، وشارك في لجان الأمم المتحدة ومنتدى الفكر العربي، وغيرها من المنظمات الأخرى، كما أن له العديد من المؤلفات.
في إطار نشاطه السياسي ودفاعه عن أهمية الحوار في الصراعات، لعب بن طلال دوراً بالغَ الأهمية في التوصل إلى اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل خلال سنة 1994. وبعد مرور 24 سنة على هذا الاتفاق، قرَّر الملك عبدالله الثاني مراجعته، مما أدى إلى إلغاء ملحقين من هذا الاتفاق.
وبالتزامن مع زيارته لمدريد، تمت مناقشة الأمير حسن بن طلال حول الأسباب التي جعلت الملك الأردني يقدم على هذه الخطوة. وقبل اتخاذ الأردن لهذا القرار، شهدت البلاد ضغوطات سياسية واجتماعية، ومرَّت بفترة حساسة بسبب الأزمة التي عاشتها الحكومة الأردنية خلال الأشهر الأخيرة جراء زيادة قيمة الضرائب.
سؤال: هناك من رأى أن قرار إلغاء عقد الإيجار وسيلة للضغط على الحكومة الإسرائيلية في ظلِّ عدم إحراز تقدّم في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، التي تؤثر بدورها على الأردن باعتباره البلد الذي بلغ فيه عدد السكان من أصول فلسطينية حوالي 60% فما هو تعليقكم؟
جواب: لا أعتقد أن السلام بين الشعبين سيكون من مكاسب اتفاق سنة 1994، لأنه كان مجرد وثيقة تم توقيعها بين البلدين. وعندما تحدَّث السفير الإسرائيلي في الأردن عن آرائه حول اتفاق السلام، كان واضحاً كل الوضوح عندما حدّد مئات العراقيل أمام السلام.
وفي نهاية المطاف، مازالت هذه المشاكل على حالها بعد مرور 25 سنة تقريباً. وبشكل عام، يجب معالجة مسألة استئجار الأراضي من وجهة نظر العلاقة بين المالك والمستأجر، وعلى هذا النحو أعتقد أن ما قام به الأردن أمر يعكس استياءه من الوضع. وعلى وجه الخصوص لم تحرز عملية السلام مع فلسطين أي تقدم، مما سيوجب التعرف على مستقبل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل إبرام أي اتفاقات جديدة.
هل يعد قرار إلغاء ملحقين من اتفاق السلام بمثابة الاستجابة للضغط الذي يمارسه الشعب الأردني على حكومة بلاده؟ هل تعد هذه الخطوة طريقة من أجل التقرب منه في الوقت الذي تمر فيه البلاد بأزمة اجتماعية نظراً لزيادة الضرائب؟
عموماً، ترتبط مسألة الضرائب بصندوق النقد الدولي، كما أنها لا علاقة لها بالأردن. وتُرد حالة الانزعاج المتنامية في المنطقة إلى الموقف الذي تبنَّته الولايات المتحدة الأميركية، الذي يقضي بقطع الإعانات التي واظبت في السابق على تقديمها. وحتى منظمة اليونيسيف، التي كانت تتلقى سنوياً تمويلاً بقيمة ثمانية ملايين دولار من أجل تقديم الإعانة للأطفال في الأراضي المحتلة، قرَّرت واشنطن سحب التمويلات التي تقدمها لها. علاوة على ذلك، تزايد في الأردن عدد اللاجئين الفلسطينيين وحتى السوريين. وفي ظل هذه الأوضاع تنصلت جميع الجهات من تحمل مسؤوليتهم الاقتصادية.
من جانب آخر، تُميز الأمم المتحدة بين اللاجئين والمهاجرين. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد 65 مليون لاجئ في العالم، ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يوجد حوالي 200 مليون مهاجر في العالم. وبالنسبة لبلد صغير مثل الأردن، الذي تضاعف عدد سكانه بسبب تدفقات اللاجئين والمهاجرين، يعتبر تحميله مسؤولية اللاجئين والمهاجرين على حد سواء ضرباً من الجنون. فضلاً عن ذلك، تواصل جهات خارجية استئجار أراضيه. أما السؤال المطروح فهو التالي: لماذا يجب أن نستمر في إيجار أراضٍ لبلد يحتل بالفعل أراضي أخرى، على غرار الضفة الغربية أو غزة، فضلاً عن عدم إحراز تقدم في عملية السلام في هذه الأراضي المحتلة؟
لقد أشرت إلى أن قرارات الإدارة الأميركية الحالية قد سبَّبت حالةً من الاحتقان في المنطقة. ومن بين هذه القرارات نجد نقل السفارة الأميركية إلى القدس… هل رأيتم ذلك بمثابة استفزاز أو عقبة أخرى أمام عملية السلام؟
في الوقت الراهن، يتمركز في الحي الدبلوماسي في القدس حوالي 100 سفارة، وهو عامل سيؤثر على الحياة في المدينة دون أدنى شك. وبشكل عام، عندما يقوم شخص بلفتة، يتوقع أن يحدث أمر ما مقابل ذلك. لكن ما الذي تنتظره الولايات المتحدة كمقابل لدعمها لإسرائيل؟ هي في واقع الأمر تنتظر أن تخدمها هذه الخطوة في دعم عملية السلام.
وبالنسبة لي، لا أرى أن هذه الخطوة استفزاز فحسب، بل ستكون لها عواقب على عملية السلام؛ لأن الفلسطينيين في المناطق المحتلة يعرفون أن ما حدث خطأ من الناحية القانونية. ووفقاً للقانون الدولي لا يمكن القيام به. ومن جهتي كتبت بعض التقارير التي تتحدث عن هذا الموضوع. ومن وجهة نظر سياسية، يبقى ما سيحصل عليه الفلسطينيون في المقابل محل تساؤل. فضلاً عن ذلك، هل ستكون عاصمة للفلسطينيين في القدس أيضاً على غرار الإسرائيليين؟ وهل سيتم حل الدولتين؟
أما التبعات، فلن تكون حكراً على الفلسطينيين، وستشمل سكان المنطقة. ومن بين هذه النتائج سنلاحظ انتشار الكراهية في أراضينا، الأمر الذي لا نحبذه، خاصة أننا ندعم التنوع الديني. وفي ظل إمكانية الاعتراف بحق إسرائيل في الأمن يبقى السؤال مطروحاً حول إمكانية الاعتراف بحقوق أخرى للفلسطينيين.
من وجهة نظركم، أي مستقبل سيكون لعملية السلام في ظلِّ إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو للحكومات الأميركية والإسرائيلية على التوالي؟ هل ترى أنه سيتم التوصل إلى اتفاق سلام على المدى القصير أم أنه يجب الانتظار لفترة أطول؟
بالنسبة لي، لا يهمني أن أعلّق على أطراف معينين. وخلال الخمسين سنة الماضية، شهدت على سياسيين يدخلون الساحة السياسية، وآخرين يخرجون منها. وفي حال أردنا أن تكون هناك حركة معينة لتعزيز استقرار بلاد الشام، يجب علينا أن نضع النص في سياقه. ففي السابق، كانت إسرائيل دولة وحيدة تحتاج إلى تكوين صداقات. وفي الوقت الراهن أصبحت إسرائيل دولة أكبر (…)، لكن يبقى من الجدير التساؤل حول ما إذا كان يجب اعتبار إسرائيل جزءاً من المنطقة، أم يجب أن نتحدث عن إسرائيل و"المنطقة".
عموماً، يعد السلام طريقاً ذا اتجاهين، ومن جهتنا يجب أن نكون متفائلين. وبالنسبة لي، يعني السلام ألّا نمرر إرث الكراهية للأجيال المستقبلية. فضلاً عن ذلك أؤمن بمبدأ اتفاق بنلوكس، الذي يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل، والعمل المشترك في الجوانب المشتركة بيننا. لقد بدأت أوروبا بالفحم والصلب، فلماذا لا تبدأ منطقتنا بالطاقة والمياه؟ في الوقت الراهن أصبحت الكرامة الإنسانية بين أيدي المتعصبين والمتطرفين. وسيحصد كل منا نتيجة فعله.