من كثبٍ، يراقب معارضون مصريون التحركات الأميركية بشأن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي حين يعتبر ترمب أن الرد على مقتل خاشقجي يتعلق بالموازنة بين قيم الولايات المتحدة ومصالحها، بالنسبة للمنفيِّين المصريين، فإن طريقة رد أميركا هي مسألة حياة أو موت.
على مدار السنوات الخمس الماضية، عاشت نانسي عقيل حياةً آمنةً نسبياً في المنفى.
ونظراً إلى أنها تشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، فإنها تحظى بمكانةٍ كبيرة تجعلها لا تكترث كثيراً بشأن التهديدات مجهولة المصدر ومضايقات النظام المصري الذي فرَّت منه.
ثم قُتِلَ جمال خاشقجي.
كانت نانسي وجمال جزءاً من مجموعة ضيقة من المعارضين العرب المقيمين بمدينة واشنطن وما حولها.
وقالت لموقع Bloomberg إنه إذا ما نُسِبَت جريمة قتله إلى أي شخص غير ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، "فهي إذن رخصة لقتلنا جميعاً".
جدير بالذكر أنه صدر العام 2012 قرار بحبس عقيل لمدة 5 سنوات في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
تدرك نانسي عقيل أن السيسي يترقب رد الفعل الأميركي
تقيم نانسي إقامةً دائمةً بالولايات المتحدة، تماماً مثلما كان خاشقجي.
في عام 2013، حُكِمَ عليها غيابياً في أول محاكمة علنية رئيسية للمعارضين والنشطاء الذين شاركوا في ثورة 2011 بمصر.
وذكرت أنها في أثناء احتجازها بقفص بالقرب من قاعة المحكمة حيث أُقيمَت محاكمتها، قرأت آنذاك كتاب "الحنين إلى كتالونيا" لجورج أورويل، حيث سرد الكاتب بطريقةٍ مروعة، الأهوال التي حلَّت بالبلاد على أيدي الفاشيين في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية.
لذا، من السهل معرفة سبب القلق الذي يسيطر على نانسي، فهي تعلم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، شأنه شأن بقية العالم، يترقب رد فعل الولايات المتحدة على ما فعلته المملكة العربية السعودية.
وتخشى أن يُعتبر أي تهاون رخصة للنيل من معارضيه في الخارج
تقول نانسي إنه إذا تهاونت الولايات المتحدة في معاقبة السعودية على مقتل خاشقجي، فإن السيسي سيعد ذلك بمثابة إذناً للنيل من المعارضين الذين يعيشون في الخارج.
ليست تلك الأفكار مجرد افتراضات لمئاتٍ من المصريين الذين نفاهم نظام السيسي.
فحتى قبل مقتل خاشقجي، تجاوز النظام حدوده وتعرَّض بالمضايقات للمعارضين المنفيين.
تجدر الإشارة هنا إلى بعض التهديدات الأخيرة التي تعرَّضَ لها بهي الدين حسن، وهو صحافي وناشط بمجال حقوق الإنسان يعيش الآن في باريس.
في أثناء سفره إلى إيطاليا في مايو/أيار 2017، برفقة مجموعة من المعارضين المصريين، لاحقهم بعض ضباط الأمن المصريين والتقطوا صوراً لهم.
وفي وقتٍ لاحق، قال الإعلامي المقرب من السيسي، مصطفى بكري، في برنامجه التلفزيوني، إنه ينبغي للحكومة "اختطاف" هؤلاء المصريين المنفيِّين وإحضارهم إلى البلاد في "أكفانهم".
لكن الحكومة المصرية تتبع أساليب أدهى في توجيه التهديدات
تقول نانسي إنه في اليوم الذي أدلت فيه بشهادتها أمام الكونغرس عام 2015، توجهت الشرطة المصرية إلى منزل والدها، ومنزل طليقها حيث يعيش أطفالها.
هذا فضلاً عن أن التلفزيون المصري الحكومي نعتها بـ"الخائنة".
وبدوره، قال بهي الدين حسن إنه بدأ في تلقي تهديدات مجهولة المصدر بالقتل، بعد شهرٍ من فوز السيسي بالانتخابات للمرة الأولى عام 2014.
وبعد التشاور مع حلفاء ودبلوماسيين غربيين، قرَّر مغادرة مصر. ويقول الآن إنه يخشى ألا يكون آمناً في المنفى.
ونانسي تحذر الآخرين من السفر إلى أي مكان
Saudi Arabia, in latest reversal, says Khashoggi's killing was premeditated https://t.co/ECrlHNNpTr
— Nancy Okail (@NancyGEO) October 25, 2018
صَرَّحَ كلٌّ من حسن ونانسي بأنه يجب عليهما، وعلى غيرهما من المصريين المنفيِّين، النظر بحذرٍ في شأن سفرياتهم إلى الخارج أو حتى فكرة السفر ذاتها.
وقالت نانسي: "لا أخشى أن يصيبني شيءٌ وأنا في الولايات المتحدة. ولكنني أسافر إلى تركيا وغيرها من البلاد. ومن الممكن تزييف الأمور لتبدو كأنها حادثة غير مقصودة".
يراقب معارضون مصريون التحركات الأميركية ويطالبون بمحاسبة بن سلمان
بالطبع، لم تتكلَّف السعودية عناءً في تنفيذ عملية قتل خاشقجي.
ووفقاً لمصادر في الكونغرس، من المرجح أن تؤيد إدارة ترمب العقوبات المفروضة على السعوديين الذين شاركوا في مقتل خاشقجي.
هناك أيضاً محاولات مبذولة للمطالبة بالإفراج عن نشطاء حقوق المرأة وغيرهم في السجون السعودية.
وتلك بدايةٌ جيدة، ولكنها ليست مبشرةً بما يكفي، لا سيما إذا أفضت إلى مسايرة الحكومة الأميركية قصة مختلقة، من شأنها إعفاء ولي العهد، محمد بن سلمان، من المسؤولية.
وكان رأي حسن مع رأي نانسي، في أنه لا بد من محاسبة محمد بن سلمان نفسه على تلك الجريمة؛ لأن تلك هي النقطة الوحيدة التي تهم السيسي.
بالنسبة لها فإن طريقة ردِّ أميركا مسألة حياة أو موت وليس مجرد عقوبات
في حال أُدين ولي العهد، فلن يمر ذلك مرور الكرام، فما تزال السعودية حليفاً حيوياً للولايات المتحدة بالشرق الأوسط، شأنها في ذلك شأن مصر.
وفي الوقت نفسه، ثمة خطرٌ يتمثَّل في أن بقية حلفاء أميركا المهمين، مثل مصر، سيتَّبعون النموذج السعودي إذا ما سمحت أميركا لولي العهد بالتملص من جريمته.
ويبدو أن مخاوف نانسي في محلها؛ إذ اعتبرت مجلة Foreign Policy الأميركية أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لن تتخلى عن مصالحها في الشرق الأوسط، ومن ضمنها علاقاتها بالسعودية، رغم الضغوط التي تمارَس على المملكة.
قد يكون الرد بالنسبة لترمب وحكومته يتعلق بالموازنة بين قيم الولايات المتحدة ومصالحها. ولكن بالنسبة لنانسي وحسن، فهو مسألة حياة أو موت.