رغم أن الوزارة الأولى أصدرت أمر منع النقاب في الجزائر إلا أن نصيرة صحبة زميلتها سعيدة لم تغيرا شيئاً من لبسهما.
من أحد الأحياء الجنوبية لولاية واد سوف (600 كلم جنوب شرق الجزائر)، تركب الرفيقتان حافلة النقل صباح الأحد 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018، متوجهة إلى مقر عملها بإحدى المديريات التنفيذية بمركز الولاية بعد عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت).
ولم يتغير شكل سعيدة وزميلتها التي تعمل هي الأخرى في إحدى مراكز دفع الضرائب بنفس المدينة، بعدما ضربتا بالأوامر التي أثارت جدلاً كبيراً نهاية الأسبوع حول منع النقاب في المؤسسات والإدارات العمومية، وواصلتا التعبير عن حريتهما، كما تصفان لـ"عربي بوست".
اليوم الأول مر بسلام، فالتعليمات الجديدة لم تصل الإدارات المحلية بعد، إذ يتم إرسالها كبرقيات إلى ولاة الجمهورية، ومن ثم يتم تحويلها إلى الإدارات المحلية والبلديات.
وكانت مصالح الوزير الأول الجزائري، ممثلة في الوظيفة العمومية، قد راسلت ولاة الجمهورية، لتنفيذ تعليمة منع النقاب في الجزائر خلال تأدية واجب العمل الإداري داخل المؤسسات العمومية.
منع النقاب في الجزائر : حرب على الحرية والهوية؟
نصيرة التي ترفض ذكر اسمها كاملاً، تعتبر منع النقاب في الجزائر ، هي حرب على مكاسب تغنى بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كثيراً منذ توليه سدة الحكم سنة 1999، "وهو الذي دعم الحريات وعزز للمرأة حقوقها".
وقالت في تصريح لها لعربي بوست "بأن التعليمة هي بمثابة ضرب صريح للحريات الفردية، فاللباس من أكثر الأمور حرية لدى الفرد، ما لم يتنافى مع بنية المجتمع ولم يهدد أمنها وسلامتها".
ولا ترى نصيرة في النقاب "أي خطر على أمن وسلامة البلاد كما يروج له البعض، ولا يؤثر على مردودية العمل داخل الإدارات والمؤسسات، ولا يمكنه بكل حال من الأحوال أن يخفي هوية المرأة المعروفة بصوتها وكفاءتها في منصب العمل".
أما زميلتها وفاء التي تعمل في مركز للضرائب بولاية وادي سوف فترى هي الأخرى منع النقاب في الجزائر "ضرباً للحريات الفردية وكذا هوية المجتمع الجزائري وعلاقته بالتاريخ الإسلامي".
فالنقاب بالجزائر كما تقول وفاء لـ"عربي بوست" كان حاضراً في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، من خلال عمليات جهادية واستشهادية قامت بها النسوة حينها باستعمال الحايك والعجار وهو نوع من أنواع النقاب حينها".
ومحاربة النقاب اليوم "هي حرب على حقيقة تاريخية وهوية إسلامية وحرية فردية، وهو ما يرفضه المجتمع الجزائري" تضيف وفاء.
وكان النائب البرلماني عن حزب الاتحاد من أجل النهضة والعدالة مسعود عمراوي قد صرح لوسائل إعلام محلية "بأن ارتداء النقاب داخل المؤسسات العمومية أو غيرها من أماكن العمل هو حرية شخصية تقرره المرأة وحدها، ومنعه لن يؤثر كما ورد في التعليمة على مقتضيات الأمن والاتصال في العمل".
وقال أيضاً "الموظفة معروفة لدى مديرها من صوتها وهويتها منذ الوهلة الأولى خلال تسلمها منصبها، والاستثناء قد يكون في حالة واحدة وهو دخول المرأة المنقبة للمسابقات والامتحانات التي تستلزم الاطلاع على هويتها، والتأكد من ملامحها عبر مطابقة صورتها ببطاقة التعريف ووجهها لا غير".
لا ثقة في الموظفات الشبح
وعلى عكس نصيرة وزميلتها فإن الناشطة النسوية عويشة بختي، عبرت عن مساندتها لقرار منع النقاب في الجزائر بأماكن العمل، واعتبرته قراراً صائباً اتخذته مصالح الوظيفة العمومية مؤخراً.
واعتبرت عويشة في لقاء تلفزيوني "النقاب غطاء لعدد من الجرائم والمخالفات المسجلة في المجتمع، لذا وجب منعه في الإدارات وأماكن العمل".
وفوق ذلك اعتبرت الناشطة النقاب لباس الأشباح، لا يمكن لأي شخص معرفة هوية مرتديه، وأكدت بأنها ستمنع ابنها من الدراسة لدى معلمة شبح، لا يظهر من وجهها شيء".
كان الأولى محاربة التحرش ومساومات المرأة
أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فانتقدت امنع النقاب في الجزائر واعتبرتها حرباً على الحريات والإسلام بشكل خاص.
وعلقت الجمعية في منشور لها عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، "إن المرأة الجزائرية تعاني عديد المشاكل في أماكن العمل كالتحرش الجنسي والمساومات، والتي هي الأجدر بطرحها وإيجاد حل لها".
وتساءلت الجمعية في نفس السياق "ما الداعي إلى إثارة الموضوع، وفي هذا الوقت بالضبط؟ ومتى كان النقاب، في بلدنا، مشكلة من أي نوع كان.. مهنية، اجتماعية، ثقافية حتى يطرح بهذا الشكل ذي الصبغة المتشددة في المنع؟".
وأضافت الجمعية "لا إشكال في المرفق العام وأماكن العمل، فالمجتمع، بكل ميادينه وساحاته عامر بالمنقبات والمحجبات والمتجلببات فهل ثم ما يثير غيظ البعض؟".
لو احتسبنا أعداد المنقبات في المرفق العام وأماكن العمل ، كما جاء في التعبير المستخدم ، لوجدناه ضئيلا محدودا. إذن…
Gepostet von جمعية العلماء المسلمين الجزائريين am Freitag, 19. Oktober 2018
وهو ما ذهبت إليه ابنة وادي سوف نصيرة، التي قالت لعربي بوست "المرأة الجزائرية تعاني من الاستغلال وزهد المنح والأجور، خاصة في مهن النظافة والطبخ، وهي المشاكل التي كنا ننتظر تحرك الدولة لإيجاد حل لها، بدل الاهتمام باللباس والنقاب".
حدثونا عن الرشوة، الغش والبيروقراطية
ويعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية، نعمان لعور أن الإدارات الجزائرية تعاني عديد المشاكل، التي أثرت سلباً على تأدية مهامها.
هذه المشاكل يقول لعور في حديثه لعربي بوست تتمثل أساساً "في الانتشار الفظيع للمعاملات البيروقراطية، والمحسوبية في العمل، إذ يجد المواطن نفسه أمام عراقيل كبيرة لمجرد تفكيره في استخراج وثيقة ما".
وأضاف "التقارير الأمنية تكشف يومياً على حالات تقاضي رشوة بالإدارات والمؤسسات العمومية، مع الغش المتكرر بشكل فظيع، وهي النقاط التي كان على الدورة تطبيق الصرامة أكثر لاجتثاثها وليس منع النقاب في الجزائر ".
الإعلامي الجزائري محمد يعقوبي وفي منشور له على صفحته فيسبوك، قال "حدثونا عن الرشوة والغش والبيروقراطية والعطل المرضية ومن يشتغلون نصف ساعة من ثماني ساعات مأجورة! بعدما تساءل إن كان النقاب موجوداً أصلاً في المؤسسات الحكومية.
السؤال ..هل يوجد نقاب في الإدارات الحكومية !حدثونا عن الرشوة والغش والبيروقراطية والعطل المرضية ومن يشتغلون نصف ساعة من ثمان ساعات مأجورة !
Gepostet von Mohamed Yagoubi am Freitag, 19. Oktober 2018
الشارع الجزائري يرفض الأوامر
ترفض نصيرة وزميلتها وفاء التعليمة رفضاً قاطعاً، لأنه كما قالتا لعربي بوست "مصالح الوظيفة العمومية، لم تعط مبرراً قادر على إقناع أي كان بالتخلي عن النقاب، كما أن أهدافها الغامضة تجعل الجميع يرفضها أي التعليمة".
رئيس نقابة الأئمة في الجزائر جلول حجيمي يؤكد لعربي بوست "بأن تطبيق الأوامر سيصطدم بمشاكل كثيرة، خاصة ببعض المناطق"، ويستبعد في ذات السياق "مقدرة الدولة في تجسيد التعليمة على أرض الواقع".
فالقضية في نظر حجيمي "ليست قضية دين فسحب، ففي بعض المناطق الجزائرية، يتحول النقاب إلى عرف وتقاليد يستحيل تكسيرها، خاصة في المناطق الصحراوية والسهبية ومناطق الهضاب العليا".
وكانت قناة النهار الجزائرية قد سألت من عدد من الموظفين والمواطنينحول منع النقاب في الجزائر ، الذين لا يجدون أي مانع أو أي ضرر في لباس المرأة للنقاب، وأبدوا رفضهم للتعليمة التي ستثير المشاكل لا غير يقول هؤلاء.
ترك الوظيفة ولا ترك النقاب
نصيرة تؤكد مستعدة لترك الوظيفة في حالة تم فيها تطبيق منع ارتداء النقاب في الجزائر بالمؤسسات وأماكن العمل.
وقالت لعربي بوست "بأنها وبمجرد اطلاعها على أوامر في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018، اتفقت مع زوجها الموظف أيضاً في إدارة عمومية، على ترك الوظيفة إن تم تطبيق التعليمة حقيقة".
وهو نفس الكلام قالته زميلتها وفاء لما اعتبرت "الإجابة حول الخيار بين منصب العمل وترك النقاب، واضحة، باعتبار أن أغلب العاملات المنقبات وعددهن قليل، لا يمكن لهن ترك النقاب بين ليلة وضحاها".
ويتساءل القيادي في حرك مجتمع السلم الجزائرية نعمان لعور "كيف لسيدة قضت سنوات في منصب عملها بالنقاب، وتستطيع تعليمة أن تزيحه عنها، أعتقد أن كل المنقبات في الإدارات سيتركن الوظيفة بدل النقاب".
وأبدى لعور تخوفه "من أن تتوسع الأوامر مستقبلاً، لمنع النقاب حتى في الأماكن العامة، أو فرض منع الحجاب في أماكن العمل لاحقاً".