على مرِّ الأيام الأخيرة الماضية، كان بعض المغرِّدين السعوديين على موقع تويتر يفيضون بالوطنية، إذ غرَّدت حسابات سعودية باللغة العربية كاتبةً "#رسالة حب لمحمد بن سلمان" وشجع بعضهم بعضاً على "#إلغاء متابعة أعداء الوطن" وسط أزمة مقتل جمال خاشقجي . وبدأ الهاشتاغ الثاني في الانطلاق في الساعة التاسعة صباحاً يوم الخميس، وبلغ ذروته في الخامسة مساءً تقريباً، وبحلول يوم الأربعاء، كان قد أشير إليه 103 آلاف مرة.
قد يرجع ذلك حسب صحيفة The Washington Post إلى أنَّ المواطنين السعوديين الذين يعجون بالغضب الوطني، اتجهوا إلى هواتفهم ليظهروا دعمهم لولي العهد في وقت المحنة، إذ إن اختفاء جمال خاشقجي، الكاتب في صحيفة واشنطن بوست، وقتله في ملابسات مروعة للغاية لم يكن جيداً على السمعة الدولية للعائلة الملكية.
هل الهاشتاغات تعمل بفعل روبوتات؟
لكن يحتمل بنفس القدر أن تكون هذه الهاشتاغات من صنع تطبيقات البوت (روبوتات إلكترونية بسيطة مبرمجة على كتابة أشياء معينة) المزيفة، أو من حسابات محوسبة أو متصيدي إنترنت محترفين مدفوعي الأجر. فبعد أن زار الرئيس الأميركي دونالد ترمب العاصمة السعودية الرياض، العام الماضي 2017، تتبع مارك أوين جونز، الخبير في شؤون الخليج لدى جامعة إكستر، الحسابات التي رحَّبت برئيس الولايات المتحدة بحماسٍ في السعودية. وقال إن "80 إلى 90% منها كانت تطبيقات البوت".
تضيف الصحيفة أن السعودية تعد دولةً استبدادية حديثة كليةً، فعلى مرِّ السنوات العديدة الماضية، صقلت الحكومة السعودية سياسة معلوماتية متطورة تحمل تشابهاً واضحاً مع نوع السياسة المستخدم في دولٍ أخرى تعلَّمت كذلك استخدام شبكات التواصل الاجتماعي للسيطرة الاجتماعية. وكما هي الحال في روسيا -حيث طُوِّرت هذه الأمور لأول مرة على نطاق واسع- تدرك الحكومة السعودية أن إسكات الإنترنت بأكمله غير مفيد. لذا يُغرِق النظام تويتر برسائل وطنية مصممة لدفن النقد أو المعلومات المهمة.
تجسس وقوائم سوداء
ويشجع سعود القحطاني، المستشار الإعلامي لولي العهد الذي يملك أكثر من مليون متابع، المواطنين الذين يتابعونه على وضع أسماء المعارضين في قائمة سوداء على الإنترنت. وهناك تجسسٌ فردي يحدث أيضاً على فيسبوك، حيث يمكن أن يكون طلب الإضافة من "صديق" وارداً في الحقيقة من جواسيس الدولة على الإنترنت، المتعطشين للوصول إلى معلوماتك ومنشوراتك.
لكنَّ السعوديين ليسوا بارعين بقدر الروس في التلاعب بالإنترنت في دول أخرى، مع أنَّهم بدأوا المحاولة. إذ عبث القطحاني بإطلاق تصريحاتٍ معادية للحكومة في قطر، التي تعد غريمةً للسعودية. وعلى مرِّ الأيام القليلة الماضية، حاولت حساباتٌ سعودية أيضاً نشر إساءاتٍ لسمعة خاشقجي باللغة الإنكليزية، أحياناً عن طريق كُتَّاب مؤيدين لترمب، ومواقع أميركية "مُحافِظة". وصحيحٌ أنَّهم لم يتمكنوا من السيطرة على القصة بعد، لكن ما زال هناك وقت لذلك.
ليس هناك شيء من هذه الأمور سري، لا في السعودية، ولا في أي مكان آخر، فالرقابة في شكلها المواكب للقرن الحادي والعشرين لا يُسيِّرها رجالٌ عجائز في مكاتب مختبئة يضعون علاماتٍ على مقالات الجرائد بالحبر الأحمر، بل شبابٌ بهواتف محمولة، يعملون علناً، حيث يمكن لأي شخص رؤية اعتداءات "الوطنيين" على "غير الوطنيين"، فضلاً عن أنَّها تتطور باستمرار، إذ تلاحظ الأنظمة طرق بعضها البعض.
جديرٌ بالذكر أنَّ موقع تويتر، نشر يوم الأربعاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، بياناتٍ عن آلاف الحسابات الروسية والإيرانية المحظورة مؤخراً، ووفقاً للمحلل بِن نيمو، يبدو أن إيران كانت تتعلم من روسيا.
ماذا عن الحسابات من دون هويات على تويتر؟
السؤال هو لماذا لا يهتم تويتر بالحسابات السعودية كذلك، أو بالأحرى لماذا تُقبَل الحسابات المزيفة والهويات غير الحقيقية من الأساس، نحن لسنا بعيدين حقاً عن الوقت الذي سيصبح فيه الأمر خطراً جداً، لدرجةٍ ستمنع الكثيرين من المخاطرة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وقد وصلنا بالفعل إلى مرحلةٍ لا تكشف فيها شبكات التواصل الاجتماعي إلَّا القليل عمَّا يفكر فيه الناس ويؤمنون به حقاً. ربما يرغب عشرات آلاف السعوديين حقاً في أن يمرّروا #رسالة حب لمحمد بن سلمان، لكن إن لم يكن الأمر كذلك، فكيف لنا أن نعرف؟.