قالت صحيفة The Washington Post الأميركية، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دخل في نوبة اكتئاب وثورة عارمة، عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي مقال للكاتب والروائي الأميركي ديفيد إغناتيوس في الصحيفة الأميركية، قال إن ولي العهد السعودي يبحث عن شخص يحمِّله مسؤولية اغتيال الإعلامي السعودي البارز، الذي أثار مقتله موجةً عارمةً من الغضب ضد السعودية وولي العهد نفسه.
وتابع إغناتيوس أن حالة محمد بن سلمان تتراوح بين الاكتئاب العابس والثورة الغاضبة، في الأيام التي أعقبت مصرع جمال خاشقجي، في الوقت الذي يبحث فيه ولي عهد المملكة العربية السعودية عن شخصٍ يُحمِّله مسؤولية ما وصفه المسؤولون الأتراك بجريمة قتل الصحافي المروعة.
العسيري قد يكون كبش فداء!
ربما يكون كبش الفداء المحتمل، وفقاً للعديد من المصادر، هو اللواء أحمد العسيري، نائب رئيس الاستخبارات السعودية. وأفاد أحد المصادر المطلعة على تقارير الاستخبارات الغربية أن عسيري "تحدث إلى محمد بن سلمان أكثر من مرة بشأن التحرك ضد خاشقجي وغيره".
وتنامى إلى علم الولايات المتحدة الأميركية، الشهر الماضي سبتمبر/أيلول، أن العسيري كان يخطط لتشكيل "فريق نمور" من أجل تنفيذ عملياتٍ خاصةٍ سرية، رغم عدم تعرف المسؤولين على الأهداف الموجودة على قائمة الفريق كما قيل لي. وعَلِمَت الاستخبارات الأميركية أيضاً، بعد اختفاء خاشقجي عقب دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، أن ولي العهد أخبر مرؤوسيه، الصيف الماضي، برغبته في إعادة خاشقجي وغيره من المعارضين إلى أرض الوطن، بحسب الصحيفة الأميركية.
وظهرت التقارير والاتهامات المتبادلة على السطح إبان زيارة وزير الخارجية، مايك بومبيو، للمملكة، يوم الثلاثاء 16 أكتوبر/تشرين الأول، ومطالبته للملك سلمان وابنه بإجراء تحقيقٍ "شفافٍ" حول اختفاء خاشقجي، كاتب الأعمدة المُشارك في صحيفة Washington Post الأميركية. لكن مثل تلك الجهود الرامية لإيجاد حلٍّ أنيقٍ ستواجه تشككاً متزايداً من جانب الكونغرس، مُتمثلاً في القنبلة التي فجرها ليندسي أو غراهام (الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية) يوم أمسٍ الثلاثاء، بقوله: "إنه (محمد بن سلمان) أمر بقتل هذا الرجل".
ودعا جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب ومستشاره، محمد بن سلمان، نهاية الأسبوع الماضي، لفتح تحقيقٍ يُحدِّد هوية الجاني المسؤول عن مقتل خاشقجي، وفقاً لمصدرين مختلفين. وبعد يومٍ من حديثه مع الملك السعودي، صرَّح الرئيس باعتقاده أن "عناصر متمردةً" داخل الحكومة السعودية قد تكون مسؤولةً عن الحادث، وهو ما بدا كأنه مُحاولةٌ لإيصال رسالةٍ من الرجل المُتداعي.
ثغرات المخرج السعودي
وبحسب الكاتب الأميركي، يبدو أن الرواية السعودية الجديدة ستنطوي على أن القصر صرَّح بالقبض على خاشقجي للتحقيق معه وليس قتله، لكن هذه النسخة تحتوي على بعض الثغرات الواضحة: إذا كان الهدف هو "إعادته" إلى المملكة العربية السعودية (بعبارةٍ أكثر تهذيباً)، فلماذا أُجري التحقيق معه في إسطنبول؟ ولماذا انضم خبير الأدلة الجنائية كما يُزعم إلى الفريق المُكون من 15 رجلاً، التُقطت لهم الصور بعد وصولهم مطار إسطنبول؟ وأخيراً، هل ستصمد مثل هذه الرواية السعودية أمام التدقيق المكثف من الكونغرس ووسائل الإعلام، وربما محاكم الولايات المتحدة؟
وليست قضية خاشقجي هي المرة الأولى التي يُزعم فيها محاولة القصر اختطاف أحد المنتقدين. وبعد انتقاد أحد السعوديين البارزين لبعض جوانب خطة محمد بن سلمان، التي تهدف إلى خصخصة شركة أرامكو السعودية، شركة النفط المملوكة للدولة، أثناء اجتماعٍ في الخارج مع عددٍ من المستثمرين الأجانب، وصلت طائرةٌ سعوديةٌ تحمل على متنها مسؤولاً يُزعم أنه حاول القبض على الرجل بتهمة الإرهاب. وهرب الرجل ليعيش الآن خارج المملكة، لكن الرسالة كانت واضحة: تحدِّي محمد بن سلمان هو مغامرةٌ محفوفةٌ بالمخاطر.
وتُظهِر الحالة المزاجية التي تتزايد كآبتها داخل قصر محمد بن سلمان، خلال الأشهر الماضية، أن ولي العهد يُواجه ضغطاً اقتصادياً ويُقَلِّص دائرة مستشاريه.
دور سعود القحطاني
وبحسب الصحيفة الأميركية، يُقال إن المستشار الرئيسي لمحمد بن سلمان هو سعود القحطاني، المستشار الإعلامي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يعتبر أيضاً ذراعه اليُمنى في صراعات المملكة مع الخصوم الأجانب مثل قطر وإيران، بالإضافة إلى النقاد المحليين. ويُعتبر القحطاني شاباً عنيداً تماماً مثل رئيسه، بحسب الصحيفة الأميركية.
نظم القحطاني مقابلاتٍ مع محمد بن سلمان لزيارة الصحافيين الأجانب، لكن المصادر تقول إنه كان مُكلَّفاً بهدوء بالقيام بدورٍ أكبر في الإشراف على استراتيجية الشبكات الاجتماعية، التي يعتبرها السعوديون (مثل الروس) ساحةً للحرب. ويقع مقر القحطاني الخاص في "مركز الإعلام والعلاقات العامة"، الذي يعمل داخل البلاط الملكي، دون رقابةٍ من الوزارات. وتُشير المصادر إلى أن المركز أصبح، جزئياً، بمثابة عملية تجسسٍ محلية.
ويُعتبر القحطاني بمثابة شيطانٍ في النقاشات السعودية على تويتر بحسب الصحيفة الأميركية، إذ يمتلك 1.3 مليون متابع ويُرسل رسائل شائكةً للمعارضين. وقد دَشَّن هاشتاغاً يحمل عنوان "القائمة السوداء"، ويحث السعوديين على الإبلاغ عن أعداء المملكة. ويُشير الخصوم في قطر إلى متابعي القحطاني (الذين يشملون البوتات الآلية) على أنهم "جيشٌ من الذباب". ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنه بالإضافة للسعي وراء الهيمنة على الشبكات الاجتماعية، حصل محمد بن سلمان على مساعدة القحطاني وغيره من المستشارين في استخدام أحدث تقنيات القرصنة وأكثرها عدوانيةً ضد الخصوم.
ونجحت دائرة محمد بن سلمان الداخلية المحدودة في مساعدته على دفع جهود التحديث إلى الأمام، مثل تقليص نفوذ الشرطة الدينية والسماح للنساء بالقيادة وافتتاح دور العرض السينمائي وغيرها من وسائل الترفيه. لكن فريق مستشاري القصر عادةً ما يُضَخِّم أسوأ دوافع ولي العهد بدلاً من تحديدها.
واتضح هذا الانهيار بجلاءٍ بعد اختفاء خاشقجي، عندما كانت التصريحات الرسمية السعودية عبارةً عن كلامٍ مرح. أما خلف الكواليس فقد "دخل محمد بن سلمان في نوبةٍ من الإحباط لعدة أيامٍ بعد علمه بمقتل خاشقجي، قبل أن يظهر من جديد في ثورةٍ غاضبةٍ بشأن ما حدث ويحاول الخروج بردٍّ مناسب"، وفقاً لما ذكره مصدرٌ مطلع للصحيفة الأميركية.
قلق محمد بن سلمان قبل مقتل خاشقجي
وتابعت الصحيفة الأميركية، ازداد قلق محمد بن سلمان خلال الأسابيع التي سبقت اختفاء خاشقجي، نتيجة تآكل خططه الضخمة لتعزيز الاقتصاد السعودي. وفي أغسطس/آب، أجلت المملكة مسارعتها لخصخصة أرامكو السعودية إلى أجلٍ غير مسمى، وهي الخطوة التي كان محمد بن سلمان يأمل أن تجمع أكثر من 100 مليار دولارٍ أميركي. وفي الشهر نفسه، انهارت خطط استثمارٍ ضخمٍ في شركة صناعة السيارات، تيسلا. كما وصلت صفقةٌ استثماريةٌ مع شركة Softbank اليابانية إلى طريقٍ مسدود.
ونتيجة إحاطته برجالٍ لا يُعارضونه ويرون قمع المعارضة كجزءٍ من الحرب الإعلامية، بالإضافة لانزعاجه من انهيار أحلامه بالإصلاح الاقتصادي، وصل محمد بن سلمان للحظته المصيرية عندما دخل خاشقجي مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول. وعندما فتح الصحافي الشجاع الباب، دَشَّن عمليةً كارثيةً وضعت مستقبل محمد بن سلمان الشخصي الآن في موضع التساؤل. ولن يكون من السهل التغطية على تحقيقٍ في جريمة قتل، حتى بالنسبة لولي العهد الذي يتمتع بثقةٍ جريئة.