ذكرت بعض المصادر لصحيفة The Independent أن العداء الذي تكنُّه القيادة السعودية للصحافي المعارض جمال خاشقجي الذي قُتل بعد دخوله قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، قد يكون بسبب تعاملات أسرته التجارية وليس انتقاده العلني للمملكة.
يُذكَر أنَّ جمال خاشقجي، سليل إحدى العائلات السعودية القوية، قد سقط ضحية لإحدى مؤامرات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التي تكشف عن إصابته بجنون العظمة.
وتأتي هذه المؤامرة في ذروة اندفاعه لتعزيز سلطته، بالقضاء على أفراد العائلة المالكة المنافسين، والاستيلاء على أصول أموال مليارديرات بلاده لتمويل رؤيته الطموحة للمملكة، وفقاً لمصدرين.
مقتل جمال خاشقجي لم يكن بسبب انتقاده القيادة السعودية!
وقال أحد المصادر، وهو رجل أعمال مقيم بالخارج، إن أحد كبار أفراد العائلة المالكة السعودية أخبره بأن الأمير أراد استجواب جمال خاشقجي لمعرفة ما إذا كان يتعاون مع فصائل ملكية قوية لإضعاف حكمه.
وقال: "لقد تقرر أن جمال لم يعد يتمتع بالحماية، لا يوجد حل وسط في الديوان الملكي الآن. فإما أن تكون صديقاً وإما أن تكون عدواً، وبالنسبة لجمال، فقد عَلِق بينهما".
وأشار محلل مقيم بالولايات المتحدة، يتمتع بعلاقات واسعة مع المملكة، إلى أن مصادر سعودية تقول إن اختفاء جمال خاشقجي لم يكن بسبب ما كتبه أو انتقاده العلني القيادة السعودية، ولكن لقربه من السلطة.
وقال المحلل الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ حتى يستطيع الاستمرار في السفر إلى السعودية: "لم يكن الأمر يتعلق بمركزه الصحافي وما كان يقوله؛ بل بوضعه في المجتمع السعودي ككل".
وتحدث مصدران عن وجود خلاف بين ولي العهد وعشيرة خاشقجي سبق اختفاء خاشقجي.
وأصبحت عشيرة خاشقجي -التي كوَّنت ثروتها من استيراد كميات كبيرة من المولدات الكهربائية والكهرباء إلى السعودية- في الآونة الأخيرة، أحد الأعداء الأثرياء للأمير بسبب صفقة تجارية، طُلِب من صحيفة The Independent عدم الكشف عن تفاصيلها.
وفي وقتٍ مبكر من يوم الثلاثاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أصدرت الأسرة بياناً يدعو إلى إجراء تحقيق دولي في وفاة خاشقجي، ما يعني ضمناً تشككها في صحة الرواية الرسمية السعودية.
لكن الحادث زرع الخوف في الجميع؛ أمراء ومواطنين عاديين
وتقول مصادر مطلعة إن الضجة العالمية التي ثارت بشأن العملية السعودية المزعومة ضد جمال خاشقجي قد هزَّت المملكة، وأثارت الأقاويل حول وجود أزمة قيادة داخل القيادات العليا في السلطة.
ونفت السلطات السعودية ضلوعها في أي محاولة لإلحاق الأذى بخاشقجي، ويقول الكثير من السعوديين إنهم يشعرون بأنهم محاصَرون، حيث شعر كلٌّ من مؤيدي العائلة المالكة ومنتقديها بخوف مفاجئ على مستقبل المملكة وسمعتها.
وبعد عامين من العمل في أجواء حماسية لتغيير صورة السعودية من دولة منعزلة موحشة بغيضة إلى دولة تسير نحو التحديث تحت قيادة ولي عهدٍ في الثلاثينات من عمره، كان يلهو مع المديرين التنفيذيين لشركات تكنولوجية وبعض نجوم هوليوود- سادت المملكة حالةٌ من الكآبة.
وكان انزعاج المسؤولين الحكوميين في الرياض آخذاً في الازدياد بعد تصاعد أعمال القمع واستيلاء ولي العهد الواضح على السلطة.
وزاد من إضعاف سمعة المملكة
وقالوا إن اختفاء جمال خاشقجي الذي هيمن على عناوين الأخبار الرئيسية في العالم، لم يؤدِّ إلا إلى زيادة إضعاف سمعة السعودية، في وقت تعرضت فيه بالفعل للهجوم؛ بسبب الحرب المدمرة التي تشنها في اليمن واعتقال عددٍ من المعارضين وأفراد العائلة المالكة.
وقال مسؤول كبير في العاصمة السعودية، طلب عدم الكشف عن اسمه؛ خوفاً على سلامته: "ينتابنا جميعاً الشعور بالخوف الآن. لا نستطيع التحدث. لقد ساد الصمت أكثر من أي وقت مضى، والناس هنا يشعرون بالغضب والحزن كذلك على الخسائر التي تكبّدتها البلاد بعد ما حدث".
وأضاف أن الشعور العام كان أن ولي العهد قد بدأ في "التمادي"، وأنه كان يعزل نفسه عن بقية العائلة المالكة. وأوضح آسفاً: "يتحدث كثيرٌ من الناس عن مغادرة السعودية، ولكن كيف يتركون سفينة تغرق؟ ستدفع البلاد كلها ثمن هذه الأخطاء".
إن الإحساس بالخوف ينتقل إلى السعوديين العاديين القلقين بشأن المسار الذي تسلكه بلادهم؛ إذ قال خبير في الموارد البشرية في جدة، يبلغ من العمر 29 عاماً: "يشعر الناس بخوف عارم، إنهم يعرفون الآن أن أي شيء يمكن أن يحدث لهم إذا واتتهم الجرأة لإبداء آرائهم، ولن يبالي أحد بمصيرهم.
لذلك، ليس لدينا خيار سوى الامتثال لهذا الطاغية حتى نظل في سجلّ الأحياء".
والعائلة المالكة السعودية تميل إلى الصمت
خاصة في أوقات الأزمات، قليلون هم، إن وُجدوا، من تحدثوا علناً عن الكيفية التي قد تؤثر بها الهجمة العالمية الشرسة الأخيرة في القيادة.
لكنَّ الأمير، البالغ من العمر 33 عاماً، في صعوده السريع على سُلم السلطة، اكتسب عداوة الكثيرين من مختلف فروع العائلة المالكة.
إذ احتجز المئات من أفراد العائلة المالكة في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض في العام الماضي (2017)، حيث تحولت غرف الفندق خاصة إلى زنزانات من فئة الـ5 نجوم، وسَلب ثروات العديد منهم على خلفية اتهامات مزعومة بالفساد.
وظهرت ادعاءات بسوء المعاملة والتعذيب وحتى القتل، وضمن ذلك مقتل اللواء علي القحطاني، الذي كان ضابطاً عسكرياً عمل في خدمة الأمير القوي تركي بن عبد الله آل سعود، حاكم الرياض السابق. وقد وصفت السعودية مثل هذه المزاعم بأنها "غير صحيحة على الإطلاق".
والأمير تركي هو من بين خمسة على الأقل من أفراد العائلة المالكة الذين ما زالوا في السجن أو تحت الإقامة الجبرية، إلى جانب الملياردير الأمير الوليد بن طلال، والأمير عبد العزيز بن فهد، والأمير خالد بن طلال، ورجل الأعمال محمد حسين العمودي، وجميعهم شخصيات قوية يمتلكون مليارات تحت تصرفهم ولديهم رغبة محتملة في الانتقام.
فمحمد بن سلمان غيَّر طبيعة النظام الملكي في السعودية!
قال أحد الموظفين السابقين في أحد فروع الأسرة المالكة، التي يقبع كثير من أعضائها إما في السجن وإما تحت الإقامة الجبرية بعد أن أجبِروا على ارتداء جهاز مراقبة في الكاحل: "هناك أشخاص داخل السعودية، والوضع خطير للغاية بالنسبة لهم. إنه لأمر سيئ، والعائلة المالكة ليست على ما يرام.
لقد غيَّر محمد بن سلمان ما كان عليه النظام الملكي؛ من نظام يسير بتوافق الآراء إلى نظام ديكتاتورية مطلقة. لم يسرق المال والأراضي فحسب؛ بل سلب الناس حريتهم".
يخشى السعوديون المقيمون بالمنفى من مراقبة جميع هواتف أفراد عائلتهم، ويعتقد البعض أن أساور الكاحل تحتوي على أجهزة تنصت.
وقال عبد العزيز المؤيد، وهو معارض سعودي كان مقرباً من الأمير يوماً: "الجميع خائفون، وما نمر به هو الأسوأ على الإطلاق. إن أفراد الأسرة الواحدة يبلغ بعضهم عن بعض! هناك شعور بالخوف، لا مجال للمقارنة". وقال إنه لم يتحدث إلى أسرته منذ عام تقريباً؛ خوفاً على سلامتهم.
قضية جمال خاشقجي فاقمت التذمر الذي رافق صعود الأمير في السلطة
إذ يشكو المواطنون العاديون من الضرائب الجديدة المفروضة لتمويل رؤية 2030، وينتابهم القلق إزاء التكلفة البشرية لحرب اليمن الكارثية المستمرة منذ 3 أعوام ونصف عام وتأثيرها في سمعة المملكة.
وقال أحد النقاد المقيمين في جدة: "أضف إلى كل ذلك، القضايا السابقة مثل حقيقة أن 30% فقط من السعوديين يمتلكون منازل، في حين يعيش الباقون بمنازل مستأجرة".
وهناك أحاديث هامسة بين المصادر القريبة من الفصائل المعارضة داخل العائلة المالكة، حول احتمالية عزل الأمير وتعيين أخيه الأنضج والأشد كياسةً، خالد بن سلمان، سفير السعودية الحالي في واشنطن، بدلاً منه.
وقال مصدر مقرب من القيادة السعودية عن خالد: "إنه أكثر مرونةً وتفهماً"، معرباً عن تفاؤله بأن الملك سلمان قد يعزل ولي العهد.
ووُصِفَ الانزعاج الحالي بأنه "عاصفة عاتية" من المعارضة داخل السعودية، والسخط من خارجها يمكن أن تطيح الأمير خاصة بعد مقتل جمال خاشقجي .
وهناك رغبةٌ في إرغامه على دفع ثمن بسيط لما وصفه أحد المصادر برغبته في استخدام تكتيكات شبيهة بتلك التي يستخدمها "بوتين".
وقد صدرت الأوامر للقادة السعوديين بالفعل بتنفيذ أي عمليات سرية في الخارج عبر مكتب الملك سلمان بدلاً من مكتب الأمير.
ويقول محلل أميركي إن المسؤولين الأميركيين الذين يتعاملون باستمرار مع القيادة السعودية "يجهزون أنفسهم للعواقب"، التي يمكن أن تشمل إجراءات أو عقوبات من الكونغرس.
فهو تسبَّب في "أكبر إحراج" تتعرض له القيادة السعودية
وقال مصدر مقرب من فرع مُعارض داخل العائلة المالكة أزاحه الأمير: "كانت هناك مخاوف من اندفاعه. ولكن، لم نتعرض لمثل هذا الموقف من قبل على الإطلاق، لقد تسبب في أكبر إحراج تعرضنا له.
فحتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، لم يكن هناك حديث عن فرض عقوبات من الغرب".
لكنَّ أحد المصادر، الذي كان زميل الأمير في المدرسة، قال إن الأمير محمد "لم يكن يولي أخيه، خالد بن سلمان، ثقة مطلقة"، وأبقاه تحت مراقبة شديدة. ووفقاً لصحيفة The New York Times الأميركية، فإن خالد بن سلمان غادر واشنطن الأسبوع الماضي، متجهاً إلى الرياض وقد لا يعود، في إشارة محتملة إلى تزايد التوتر داخل الديوان الملكي.
وفي هذه الأثناء، قال المؤيد إن ولي العهد يعتقد أنه "لا يمكن لأحد أن يوقفه. لقد أمر بشن حرب على اليمن ولم يعترض أحد، وأثار أزمة قطر، ولم يعترض أحد، ونفذ اعتقالات فندق ريتز كارلتون ومرة أخرى لم يحرك أحد ساكناً، لم يكن هناك أي ضغوط؛ ولذلك فقد استمر في التمادي".
لكن الوضع قد يزداد تعقيداً
في حين يستعد النظام السعودي نفسُه للمواجهة ويُسكِت أي حديث عن تغيير القيادة أو حتى أزمة دولية.
وهناك شائعات بأن حالة جنون العظمة قد تزداد عند ولي العهد، وقد يؤدي هذا إلى اشتداد حدة حملته القمعية ضد المعارضين وكذلك المنافسين السياسيين والماليين، وعزل نفسه عن أي شخص قد يعترض على طريقة إدارته للأمور.
قال خالد بن فرحان، وهو أمير سعودي معارض يعيش في المنفى بألمانيا، لصحيفة The Independent، إن ثلة قليلة للغاية من الناس تحيط الآن بولي العهد، وتضم تركي آل الشيخ مستشاره وصديقه المفضل، وسعود القحطاني المستشار الإعلامي في الديوان الملكي.
ومحافظ الرياض فيصل بن بندر آل سعود هو أحد المقربين منه كذلك.
وقال: "إنه لا يعتمد على رجال الأمن السعوديين؛ بل على مرتزقة يتلقون أجوراً ضخمة. وهو يبقى كثيراً على يخته؛ حتى يتمكن من الهروب سريعاً إذا حدث خطب ما في السعودية".
على الرغم من التقارير التي تفيد بأن القيادة في الرياض قد تعترف بمقتل خاشقجي نتيجة استجواب خاطئ، فإن المسؤولين السعوديين يصرون علناً على أنَّ السعودية ليس لها علاقة باختفائه.
رغم كل ذلك، فإن مؤيدي محمد بن سلمان يُبدون انزعاجهم من الإعلام
وقال أحد مؤيدي ولي العهد في مكة: "نعتقد أن كل ما يقال محض افتراءات، وأن الأعداء والدول المتحيزة ووسائل الإعلام تحاول أن تتهمنا بشيء دون تقديم أدلة".
في حين قال وليد، وهو خبير في تقنية المعلومات يبلغ من العمر 55 عاماً بالرياض: "لدينا ثقة كاملة بقادتنا؛ لأن محمد بن سلمان لا يدير الموقف وحده، فبلدنا ليس بالبلد الذي يديره الرجل الواحد. لدينا طريقة خاصة في تصريف الأمور".
وفي أبراج الشركات بالرياض وجدة، يتجنب الموظفون التحدث عن خاشقجي، أو حتى ذكر اسمه. ولكن عندما يختلون بأنفسهم، يختلس بعضهم النظر إلى الهاتف؛ لمعرفة آخر الأخبار، بعيداً عن أعين المتطفلين.
واعترف أحد السعوديين في الرياض قائلاً: "الناس هنا لا يهتمون بجمال، يعتقدون أن وسائل الإعلام تهاجمهم بمهاجمتها محمد بن سلمان. لقد قاتل جمال من أجل وطنه وشعبه. لكنهم تخلوا عنه".