تشير أصابع الاتهام في مقتل جمال خاشقجي الصحافي السعودي المعارض، إلى الأمير محمد بن سلمان الذي يبلغ من العمر 33عاماً، ويمكن اقتباس سعيه الوحشي للسلطة مباشرةً من صفحات إحدى مسرحيات شكسبير، ووضعه في عناوين الأخبار في الوقت الحاضر.
وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فإن محمد بن سلمان هو ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، وهي واحدة من الملكيات المطلقة القليلة الباقية في العالم.
وهذه الملكيات –التي يديرها جميعاً رجال في الوقت الحالي– تمثِّل دولاً يكون فيها الملك هو رأس الدولة والحكومة، ويتحكم في جميع أذرع السلطة. ويعيش الملك محاطاً بزخارف الحداثة الفاخرة، من اليخوت إلى روائع الأعمال الفنية، لكنه يحظى بسلطةٍ في نظامٍ من شأنه أن يكون مألوفاً لحاكم من حكام القرون الوسطى.
أكبر مشكلات الأمير محمد بن سلمان أنه "لا يقبل الأخطاء أبداً"
هذا العالم السياسي ما قبل الحداثي، حيث كان رجلٌ واحد يحظى بسلطة مطلقة على الآخرين جميعاً، هو العالم الوحيد الذي عاش فيه محمد بن سلمان وعرفه معرفةً وثيقة، إذ قال أحد السعوديين طالباً عدم الإفصاح عن اسمه: "لا يستطيع ولي العهد فهم العالم خارج السعودية. لقد تربَّى في قصر، وقيل له إنَّ بإمكانه فعل أي شيء يحلو له، فأكبر مشكلاته أنه لا يقبل الأخطاء أبداً".
صحيحٌ أنَّ الكثيرين من النخبة السعودية –المتمثلة في الأمراء وطبقات المجتمع العليا- أمضوا بضع سنوات على الأقل خارج البلاد، وحصلوا على درجات جامعية في جامعات غربية مرموقة. وكانوا محاطين هناك بالثروة، لكنَّهم تعرضوا لنظام سياسي واجتماعي مختلف تماماً.
بيد أنَّ محمد بن سلمان اختار بدلاً من ذلك البقاء في السعودية، قريباً من والده الملك سلمان، ودرس الحقوق بجامعة الملك سعود، ثم تولى عدداً من الوظائف بجانب والده. ومكَّنه هذا الأمر من تعزيز روابطه وأن يصبح قوةً وراء العرش. فالملك سلمان في الثمانينيات من عمره، ويعتقد أنه في المراحل المبكرة من الخرف، وذلك بحسب بروس ريدل، الزميل البارز في معهد بروكينغز.
كما أنه نافد الصبر ومفرط في العمل
وصحيحٌ أنَّ التفاصيل المحددة ليست واضحة، لأنَّ تفاصيل صحته "سر محمي بعناية"، لكن قيل إنَّه يحرس أباه، بل إنه أبقى والديه بعيدين عن بعضهما لسنوات بينما كان يخطط لصعوده بين طبقات آلاف الأمراء الملكيين المحتملين المجهولين، وذلك بحسب شبكة NBC الأميركية.
لدى محمد بن سلمان، الناجح أكاديمياً نافد الصبر المفرط في العمل المعروف بقضائه 18 ساعة يومياً في مكتبه، إيمانٌ قوي بعقله وحكمته التي أوصلته إلى السلطة.
لكنَّ بعض النقاد يقولون إنه يجد صعوبة في الاعتراف بالأخطاء أو حتى قبول الانتقاد المعتدل. وقال أحد المصادر من السعودية طالباً عدم الإفصاح عن اسمه: "الأشخاص الذين حاولوا أن يقولوا لا، حتى بنبرةٍ لطيفة دبلوماسية، واجهوا عواقب ذلك". وقد ظهرت هذه الحساسية تجاه النقد على المستوى الدولي عندما تسببت تغريدة واحدة من كندا، دعت المملكة إلى الإفراج عن ناشطين مسجونين، في قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية.
وقد كان هذا التصرف مفاجئاً جداً، لاسيما في ظل الجهود التي بذلها محمد بن سلمان لتقديم نفسه على أنه وجه شاب للتغيير، داخل المملكة وخارجها. فثلثا السعوديين تقريباً تحت سن الثلاثين، وقد زعم محمد بن سلمان أنه نصيرهم.
وقال أحد المستشارين الذين عملوا على القضايا السعودية، طالباً عدم ذكر اسمه: "خصوصاً عندما كان محمد بن سلمان يخوض حملة غير رسمية ليكون الملك القادم، كانت الرسالة التي أراد إيصالها: أنا أمثل الجيل الأصغر".
واستغل جيداً "حملة الإصلاحات" لتسويق نفسه لدى الغرب
يُذكَر أنَّ محمد بن سلمان سمح للنساء بالقيادة، وأعاد فتح دور السينما بعد عقود من إغلاقها، وكبح سلطات شرطة الأمر بالمعروف المهيبة. وتعهد أيضاً بإعادة البلاد إلى "الإسلام المعتدل"، مقيداً نفوذ رجال الدين المتطرفين الذين يروجون للتطرف، ووعد كذلك بتجديد اقتصاد البلاد.
وفَّر كل ذلك مادةً وفيرة لتغطيات إعلامية متفائلة عن "الأمير الإصلاحي" في زياراته الرسمية القصيرة إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وساعد شلّالٌ من الثروة السعودية المتدفقة عبر شركات العلاقات العامة ومجموعات الضغط على استقبال الأمير بحفاوةٍ في كل مكان.
ففي أوائل العام الجاري 2018، أحرز محمد بن سلمان تقدُّماً ناجحٍ على مرِّ أسبوعين في الولايات المتحدة، حيث حظي بحفاوةٍ من الجميع بدءاً من نجوم السينما، بما فيهم مورغان فريمان، مروراً بمليارديرات وادي السيليكون وانتهاءً بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض. وكانت الجولات السابقة قد شملت جولات شخصية لمقر شركة فيسبوك بصحبة رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ.
على الرغم من حملة الاعتقالات التي استهدفت عشرات المفكرين
ومع ذلك، فقد شنَّت السعودية، تحت حكم محمد بن سلمان، حرباً دموية في اليمن، ودبرت اختطاف رئيس وزراء لبنان وأجبرته على الاستقالة، وسجنت العشرات من أفراد نخبتها في فندق فاخر في حملةٍ وُصِفَت بأنها قمعيةٌ ضد الفساد.
أشار محمد بن سلمان بوضوح إلى أنَّ مساعيه للتغيير لا تمتد إلى السياسة، فسجن عشرات المفكرين في حملة قمع كاسحة في الداخل، وقبض على معارضين من شوارع بعض الدول الأخرى لإعادتهم إلى السجون السعودية.
ومن بينهم جمال خاشقجي الذي أصاب محمد بن سلمان بالاستياء
كان خاشقجي، الذي استخدم منصبه لتسليط الضوء على هذه التناقضات، من بين أولئك الذين أراد محمد بن سلمان استهدافهم، على أمل إغرائه بالعودة إلى الوطن ثم احتجازه، وذلك بحسب معلومات استخباراتية أفاد بها رئيسه في صحيفة The Washington Post الأميركية.
وليس من الواضح ما إذا كان ولي العهد قد رأى في خاشقجي تهديداً حقيقياً، بسبب منصته الدولية البارزة وشبكته الاستثنائية من أصدقائه الصحافيين وأصحاب النفوذ، أم أنه شعر بالاستياء فحسب من انتقاداته.
لكن من الواضح أنَّ ولي العهد أراد إسكات صوته. والسؤال الذي يسأله العالم الآن: أي ثمن قد يدفعه مقابل ذلك؟