في ظل إنكار السعودية ضلوعَها في الاختفاء المفاجئ للصحافي جمال خاشقجي والتعهد بالرد على أي جهود لفرض العقوبات الدولية- تتزايد احتمالية تصاعد الأزمة وتأثيرها في الاقتصاد العالمي.
إذ تفاعل العالم يوم الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول مع اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي وهدَّد الغرب بوجود عواقب ضد المملكة، التي تثار الشكوك حولها بأنها احتجزت الصحافي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية حسب تقرير لموقع قناة CNBC الأميركية.
طالبت حكومات المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، أمس الأحد، بـ"تحقيقٍ موثوقٍ لإثبات الحقيقة حول ما حدث، وتحديد هوية المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي إذا اقتضى ذلك، والحرص على مساءلتهم".
ومع أنَّ السعودية تنكر التورّط في اختفائه إنكاراً شديداً، تشير التقارير إلى أن الرياض قد تكون السبب في اختفاء خاشقجي؛ نظراً إلى أن تركيا تبث شكوكاً بأن الصحافي ربما يكون قد اغتيل بأيدي عناصرٍ سعودية.
مخاطر على الخطط التي صاغتها السعودية
وحتى هذه اللحظة، حملت الشكوك وحدها مخاطر على الخطط التي صاغتها السعودية بحرصٍ من أجل إصلاح الاقتصاد وتحسين صورتها في الخارج. وفي الوقت ذاته، تتعرض الصورة الإصلاحية التي أرساها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لخطرٍ هي الأخرى.
إذ قال جوناثان شانزر، نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية معنية بموضوعات الأمن القومي حسب قناة CNBC الأميركية: "في الوقت الحالي، تقوَّض هذه الواقعة جميع النيِّات الحسنة والثقة التي بناها محمد بن سلمان".
طالب جوناثان شانزر بالحرص والحذر أمام افتقار الأدلة الفعلية ضد السعودية، وأثار الشكوك كذلك حول المعلومات الاستخباراتية والتقارير القادمة من تركيا التي تفيد بتورّط الرياض.
بيد أنَّ السعودية حذرت من التهديدات بمعاقبتها بسبب اختفاء خاشقجي، في حين أن عدداً متزايداً من الشركات والحكومات الغربية يلغي مشاركته في مؤتمرٍ استثماري مرتقب في الرياض.
من بين كبار المديرين الذين قالوا إنهم لن يشاركوا في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي" جيمي ديمون المدير التنفيذي لشركة J.P. Morgan Chase؛ وبيل فورد الرئيس التنفيذي لشركة Ford Motor؛ ودارا خسروشاهي المدير التنفيذي لشركة Uber
ويقول محللون إن محاولة عزل المملكة دولياً لن تكون بالمهمة اليسيرة، وقد تجلب عواقب على جميع الأطراف الأخرى.
فمن الناحية النظرية، يمكن أن يتسبب تصعيد التوترات في ارتفاع أسعار النفط ارتفاعاً شديداً، ويقلب عملية السلام في الشرق الأوسط رأساً على عقب، ويبدد الجهود الدولية لاحتواء إيران.
إذ تضغط إدارة ترمب بقوة لإخراج النفط الإيراني بالكامل من الأسواق، وتعتمد على السعودية -التي تعد أكبر منتجٍ للنفط في العالم بإنتاج يصل إلى 10 ملايين برميل يومياً- من أجل الاستمرار في فتح حنفيات النفط لكبح ارتفاع أسعار النفط الخام.
واستشهد شانزر بالآثار السلبية الناجمة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، قائلاً إنَّ السياسة الواقعية يمكن أن تمنع الغرب -خاصة الولايات المتحدة- من اتخاذ تحركات شديدة جداً ضد السعوديين، أو تدفع الرياض نحو التقارب مع خصوم المصالح الأميركية، مثل روسيا.
وقال شانزر لقناة CNBC الأميركية: "على مرِّ التاريخ، وحتى في أحلك اللحظات، وجدت القيادة طريقاً لتجاوز الأزمة؛ لأن كليهما (الولايات المتحدة والسعودية) يحتاج إلى الآخر بشدة". ففي العام الماضي 2017 بلغت صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والسعودية 350 مليار دولار على مدار 10 سنوات، وهو ما يرسخ تحالفاً يمتد عهده إلى الحرب الباردة.
وأضاف: "يمكنك أن ترى الاعتماد المتبادل، وليس من السهل تنحيته جانباً. ولنفس الأسباب، لا يمكننا فك الارتباط بيننا وبين روسيا أو الصين بالرغم من الاختلافات الكبيرة على صعيد السياسة الخارجية". وأوضح أنَّ عزل الرياض سيكون بنفس درجة الصعوبة.
سابقةٌ خطيرة
في هذه الأثناء، يسلط مراقبو الطاقة أعينهم عن كثبٍ على خام برنت، الذي تراجعت أسعاره بعد أن شهدت ارتفاعات في سنوات عديدة مؤخراً، لكنَّه يحافظ الآن على مستوى 80 دولاراً للبرميل.
يعتمد ترمب -الذي تعهد بـ"عقوبات شديدة" إذا ثبُت مقتل خاشقجي- على السعوديين لتهدئة ارتفاع أسعار الطاقة، والمساعدة في تعويض حصة إيران من النفط.
قال جون كيلدوف، أحد مؤسسي شركة Again Capital الاستشارية: "أعتقد أن هذا يمكن أن يتصاعد بسرعة كبيرة، والنفط سلاح واضح تستخدمه السعودية إذا كانت هناك عقوبات ضدها. فإذا عُوقبوا اقتصادياً، سيحرصون على أن يتألم الآخرون جميعاً".
ومع أنَّ أسعار النفط لم تتأثر بعد جرَّاء الأزمة، فقد شهدت المؤشرات المرجعية في السعودية انخفاضاً حاداً يوم أمس. وحذَّر كيلدوف من أن العالم قد يشهد "عهداً غير مسبوق من عدم الاستقرار في السعودية".
وأشار مات سميث، مدير أبحاث السلع في شركة ClipperData للبيانات، إلى أنَّ أسعار النفط في العالم لا يُرجَّح أن تتأثر بالغموض المحيط بخاشقجي "إلا إذا تصاعد التوتر تصاعداً درامياً من هنا (الولايات المتحدة). ومع أننا شهدنا استجابة سلبية جداً في السوق السعودية حتى الآن، لا يمكن ضمان أي علاوة مخاطرة متعلقة بأسعار النفط في الوقت الراهن".
بيد أنَّه في ظل ارتفاع المخاطر، يمكن أن يؤدي اختفاء خاشقجي إلى تشجيع بلاد أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة ضد المعارضين إذا لم يكن هناك قصاصٌ من أجله، وذلك حسبما أوضح شانزر.
وأضاف: "يمكن أن تتشكَّل سابقةً خطيرةً، ولا بد أن تكون هناك استجابة"