قالت صحيفة The Independent البريطانية، السبت 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إن مسؤولين بريطانيين بدأوا في تجهيز قائمة من المسؤولين الأمنيين والحكوميين السعوديين، الذين قد يتعرَّضون لعقوبات، بناءً على نتائج التحقيقات في اختفاء الصحافي المعارض جمال خاشقجي، كما أوضح مصدر على مقربة من الرياض ولندن.
وبحسب الصحيفة البريطانية، يمكن أن تُستَغَل هذه القائمة التي تجهزها وزارة الخارجية البريطانية في حال قررت المملكة المتحدة الاحتكام إلى "تعديل ماغنيتسكي"، الذي أُقِرَّ هذا العام، ويسمح لبريطانيا بفرض عقوبات على المسؤولين الأجانب المتَّهمين بانتهاك حقوق الإنسان، أو بتطبيق قيود على التجارة والسفريات السعودية بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي.
قالت وزارة الخارجية البريطانية، إنها "لا تملك ما تضيفه" إلى قضية خاشقجي سوى التعليقات التي أدلى بها وزير الخارجية جيريمي هانت، يوم الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إذ قال هانت: "في أرجاء العالم، يقول الأشخاص الذين لطالما اعتبروا أنفسهم أصدقاءً للسعودية، إن هذه مسألة غاية في الخطورة، فإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فستكون هناك عواقب وخِيمة".
كان سيناريو على الورق والآن بات حقيقةً
وقد نقل المصدر، وهو مستشار حكومي سابق، إلى الصحيفة أنه حصل على المعلومات من أحد مسؤولي جهاز الاستخبارات البريطاني وآخرين. وجاء على لسانه: "في البداية كان هذا سيناريو افتراضياً على الورق، ولكنه الآن حتماً يبدو احتمالاً حقيقياً".
وجاءت الأخبار عن تصاعد ردود الفعل الدولية نحو السعودية، في حين نشرت صحيفة The Washington Post الأميركية تقريراً عن عرض الأتراك تسجيلات صوتية ومرئية على مسؤولين أميركيين، توحي بأن خاشقجي قد تعرَّض للتعذيب، ولقي مصرعه داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أثناء زيارة روتينية جرت يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول.
وكذلك أوردت صحيفة The Washington Post -التي كان خاشقجي يكتب لها عموداً ينتقد فيه القيادة السعودية- أن الولايات المتحدة قد نمى إلى علمها أن محادثات قد جرت بين مسؤولين سعوديين لمناقشة الخطط التي سيستدرجون بها خاشقجي إلى السعودية مرة أخرى. ومن ناحيتها، قالت السعودية إن المزاعم القائلة إنها قامت بإيذاء خاشقجي "لا أساس لها من الصحة".
وأفاد المصدر أن الحكومة البريطانية قد ناقشت موضوع مقتل خاشقجي الشنيع على أيدي 15 عميلاً من قوات الأمن والاستخبارات السعودية الذين أُرسِلوا من الرياض إلى إسطنبول. وأضاف: "تلقت وزارة المالية ووزارات أخرى تعليمات بتحديد الأهداف المحتملة لتطبيق العقوبات إذا لزم الأمر، التي قيل لي الآن إنها قد اشتدت كثيراً خلال الـ48 ساعةً الماضية".
وفي السياق ذاته، ناشد جيريمي هانت في حديثه، يوم الخميس، السلطات السعودية "العثور" على الصحافي المخضرم. إذ صرَّح قائلاً: "إذا أراد السعوديون الوصول إلى حلٍّ مُرضٍ في هذه المسألة، فعلينا العثور على خاشقجي. فإذا كانوا ينكرون هذه المزاعم، فأين هو خاشقجي إذن؟ أنا لا أراه في أي مكان وهذا ما يسبب القلق".
ترمب يناقش الأمر مع الملك
وعلَّق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الأمر قائلاً إنه يعتزم مناقشة واقعة خاشقجي مع الملك سلمان. وقال ترمب للصحافيين في ولاية أوهايو، أثناء حضوره فعاليات خاصة بحملته: "سأهاتفه، سأهاتف الملك سلمان في وقت ما. سأتحدث معه، أجل". وتعهَّد ترمب قائلاً: "سنعرف حقيقة ما حدث. إنه موقف قد يكون فظيعاً إلى أقصى حد، لذا سنرى ما سيحدث".
يُذكَر أن الاعتقاد السائد هو أن خاشقجي قد زار القنصلية بإسطنبول مرتين على الأقل، قبل يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، في حين أخبرت مصادر صحيفة The Independent بأن القنصلية قد أجلت على الأرجح موعد اللقاء مع خاشقجي حتى ذلك التاريخ. إلى جانب أن مسؤولاً تركياً قد صرح للصحيفة بأن التسجيلات الصوتية والمرئية تُظهِر أن خاشقجي قد اعتُدِي عليه وقُتِل بُعَيد دخوله القنصلية.
وكان خاشقجي معروفاً لدى أجهزة الاستخبارات الغربية، إلا أن هذا كان يرجع إلى مهنته كصحافي. وقد كانت له علاقة طويلة الأمد مع الاستخبارات السعودية، إذ إن خاشقجي كان يعمل مستشاراً للأمير تركي بن فيصل،، بعد عزله عن منصبه في صحيفة الوطن في عام 2003. والأمير تركي بن فيصل هو رئيس سابق للاستخبارات العامة السعودية، وقد عُيِّنَ كذلك سفيراً سعودياً إلى واشنطن منذ 2005 وحتى أواخر 2006.
قانون ماغنيتسكي
وقد أقرت المملكة المتحدة تعديل ماغنيتسكي بعد انتشار الأخبار عن المحاسب الروسي سيرغي ماغنيتسكي، الذي لقي حتفه داخل أحد سجون الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وهو تعديل مُستَلهَم من التشريعات الأميركية التي استندت إليها لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، مطلع الأسبوع الماضي.
ومن جانبها، زادت فرنسا من ضغوطها هي الأخرى على السعودية، يوم الجمعة 12 أكتوبر/تشرين الأول، محذِّرة الرياض من عدم الإفصاح عن مصير خاشقجي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أغنيس فون دير مول في بيان: "تدعو فرنسا إلى توضيح الحقائق وإلى إسهام جميع القادرين في الوصول إلى الحقيقة. إن التهم الموجهة ضدهم تتطلب أن يتحلوا بالشفافية ويقدموا استجابة كاملة ومفصلة"، بحسب الصحيفة البريطانية.
قضية خاشقجي ضربت سمعة ولي العهد
لقد كان لاختفاء خاشقجي أثرٌ سلبي في العلاقات بين السعودية والعديد من وسائل الإعلام وقيادات المؤسسات، الذين أغراهم في السنين الأخيرة ولي العهد محمد بن سلمان، التقدمي، صاحب الـ33 عاماً، الذي هو الحاكم الفعلي للمملكة، والذي تعهَّد بعصرنة الدولة السعودية.
ومن ضمن ردود الفعل تجاه الواقعة، أعلنت شبكة CNN ووكالة Bloomerg الأميركيَّتان، وصحيفة The Financial Times البريطانية، يوم الجمعة، انسحابها من رعاية مؤتمر اقتصادي نخبوي منتَظَر في الرياض. وكانت صحيفتا The New York Times الأميركية وThe Economist البريطانية قد انسحبتا بالفعل مما أُطلِق عليه مؤتمر "دافوس في الصحراء"، بانتظار استجابة السعودية بشأن مكان وجود خاشقجي.
ومع ذلك، فإن المؤتمر ماضٍ في طريقه، إذ قال متحدث رسمي في بيان إن الانسحابات من مبادرة الاستثمارات المستقبلية "مخيبة للآمال".
وتابَع البيان: "مع أنه من المخيب للآمال انسحاب بعض المتحدثين والشركاء، نتطلع إلى الترحيب بآلاف المتحدثين والوسطاء والضيوف من جميع أنحاء العالم".
وفي هذه الأثناء، أفادت تقارير بأن مُصنِّعي السلاح الأميركيين تقدَّموا بشكاوى إلى الرئيس ترمب، حول إمكانية إضرار أية عقوبات بصفقات السلاح المربحة مع السعودية، التي هي أكبر دول العالم استيراداً لمعدات الحرب بعد الهند.