قالت صحيفة The New York Times الأميركية، إنه بعد أيامٍ من انقطاع التواصل، أجرى المسؤولون السعوديون أول اتصالٍ لهم مع نظرائهم الأتراك؛ للتحدث بسريةٍ حول إيجاد حلٍ لقضية اختفاء جمال خاشقجي ، وأضافت الصحيفة الأميركية أن السعوديين أعربوا لواشنطن عن ثقتهم بقدرتهم على تسوية القضية، وفقاً لما أورده مسؤولون أتراك وأميركيون مطَّلعون على المحادثات.
من جهتهم، أوضح المسؤولون الأتراك أنهم يرغبون أيضاً في تجنُّب مواجهةٍ مع المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر إحدى القوى الإقليمية الكبرى، وفق تعبير الصحيفة الأميركية.
لكن تسريب الأسماء وغيرها من المعلومات يُهدد بجعل حفظ ماء الوجه لكلا الطرفين أمراً عسيراً؛ فمثلاً، يُصبح الحل الوسط هو إقرار السعوديين بمقتل خاشقجي وإلقاء اللوم على أطرافٍ مارقة أو عمليةٍ تصرفت من تلقاء نفسها.
المسؤولون السعوديون يعرقلون التحقيقات حول اختفاء جمال خاشقجي
من جهة أخرى، اتهم المسؤولون الأتراك السعودية، يوم الأربعاء 10 أكتوبر/تشرين الأول 018، بعدم التعاون في التحقيقات التي تجريها تركيا بقضية اختفاء جمال خاشقجي منذ دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول الأسبوع الماضي؛ إذ ظهر مقطع فيديو يضم أسماء فريق سعودي يتكون من 15 عضواً مشتبه في ارتباطهم بالقضية.
وقال أحد المسؤولين الأتراك لصحيفة The Washington Post الأميركية، اشترط عدم الإفصاح عن هويته؛ لمناقشة التحقيق الجاري: "يبدو الآن أن السعوديين يضيّعون الوقت". ويقولون: "لا يمكنكم إجراء تحقيق سليم هنا. أنتم تأتون هنا لتناول كوب من الشاي فحسب ونحن سنصحبكم في جولة بالمكان".
وقال خالد صفوري، وهو صديق لخاشقجي في واشنطن، إن الصحافي أخبره في حين كانوا يتناولون الغداء بداية هذا الصيف، بأنه "تلقى اتصالاً من أحد مستشاري محمد بن سلمان المقربين يطلب منه العودة إلى السعودية مع ضمان سلامته. فسألته: (ستذهب؟)، وكان ردّه: (أنا لست مجنوناً)".
قال المسؤول التركي إن السلطات تعتقد أن السعوديين الـ15 هم من نفَّذ عملية اغتيال خاشقجي في القنصلية. وما يزال من غير الواضح إذا ما كان وقع ذلك عن عمد أو مجرد حادث؛ إذ كشف المسؤول أن أعضاء الفريق تجولوا بسياراتهم في إسطنبول بحثاً عن مواقف للسيارات أو مناطق مفتوحة، فيما يظن أنها كانت محاولة للعثور على مكان للتخلص من الجثة. وأردف: "لا توجد جثة. وطالما لا توجد جثة، لا يمكن أن نقول إنها عملية قتل".
وقال المسؤول إن هناك مؤشرات على أن الجثة ربما تكون قد قُطِّعت إرباً. وجمعت السلطات التركية الممتلكات الشخصية لخاشقجي وملابسه، للحصول على الحمض النووي الخاص به؛ نظراً إلى حاجتها لطلب دخول المباني الدبلوماسية.
وبعض المدرَجين بقائمة المتهمين على صلة بولي العهد السعودي
ويبدو أنَّ عدداً من السعوديين على القائمة التي أدرجها الأتراك، على صلة علنية بالقيادة السعودية وولي العهد شخصياً في بعض الأحيان، وهو الذي يشغل منصب وزير الدفاع أيضاً ويُوصف بأنه صاحب السلطة الحقيقية وراء عرش والده الملك سلمان.
ونجحت صحيفة The Times البريطانية في الحصول على صورٍ منشورةٍ علناً وتفاصيل السيرة الذاتية لعددٍ من العملاء السعوديين المدرجين في القائمة، بمساعدةٍ من بعض الباحثين الهواة على الشبكة الاجتماعية، "تويتر".
أحدهم رئيس قسم الأدلة الجنائية في وكالة الأمن الداخلية بالمملكة العربية السعودية، والآخر ضابط في القوات الخاصة السعودية نشر صوراً لنفسه على شبكات التواصل الاجتماعي وهو يستعرض مسدساً من الفولاذ اللامع المقاوم للصدأ داخل غرفة معيشة.
في حين يبدو أن الاثنين الآخرين من الحرس الملكي السعودي، وظهرا من قبلُ في صورةٍ نُشرت بإحدى الصحف السعودية إلى جوار ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.
الضغط على السعودية للاعتراف بقتل خاشقجي
وصرَّح مسؤولون أتراك، رفضوا الكشف عن هويتهم، بأنَّ الرجال الأربعة جزءٌ من فريق مكون من 15 رجلاً، تبيَّن أنهم عملاء سعوديون وصلوا إلى إسطنبول جواً الأسبوع الماضي؛ لملاحقة جمال خاشقجي، الصحافي المعارض، الذي لم يره أحد منذ دخوله مبنى القنصلية السعودية هناك في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ويزعم المسؤولون الأتراك أنَّ خاشقجي قُتل داخل القنصلية وتعرضت جثته للتشويه قبل نقلها، وهو الادعاء الذي نفته الحكومة السعودية بشدة.
ويبدو الآن أنَّ الكشف عن أسماء العملاء السعوديين الذين وصلوا إلى تركيا وغادروها بعد ساعاتٍ قليلة، جزءٌ من سلسلةٍ متواصلةٍ من التسريبات التي تكشف عنها الحكومة التركية بهدف الضغط على السعوديين للاعتراف بمقتل خاشقجي، وتأليب المجتمع الدولي على نطاقٍ أوسع. وأفصح المسؤولون الأتراك عن أسماء الرجال الـ15 هذا الأسبوع، لصحيفةٍ تركيةٍ بالإضافة إلى صحيفة New York Times الأميركية.
وفي حال قام الرجال الـ15 بقتل خاشقجي فعلاً، بأوامرٍ من الديوان الملكي السعودي، كما يزعم المسؤولون الأتراك، فإن سهولة التعرف على مُنفذي عملية الاغتيال تُشير إلى أنهم لم يبذلوا جهداً في مواراة آثارهم؛ إما لكونهم مهمِلين، أو ربما لرغبةً منهم في أن تُكتشف فعلتهم من أجل إرهاب الآخرين.
فمن تكون "كتيبة الإعدام" التي قتلت خاشقجي؟
ونشرت صحيفة "صباح" التركية صوراً للرجال السعوديين الـ15. أحدهم يبدو أنه صلاح محمد الطبيقي، مواليد عام 1971 ويشغل منصب رئيس قسم الأدلة الجنائية في مديرية الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية؛ ويقول المسؤولون الأتراك إنّ الفريق السعودي وصل مجهَّزاً لتقطيع جسد خاشقجي استعداداً لنقله خارج القنصلية، ومن المفترض أن الطبيقي أُرسل إلى المكان للمساعدة في إدارة عملية التخلص من الجثة وتنظيف آثار الجريمة.
وتتطابق أوصاف نايف حسن العريفي، مواليد 1986، مع ضابطٍ في القوات الخاصة السعودية يُحب نشر صوره على الشبكات الاجتماعية وهو يستعرض بالمسدسات.
والتُقط مقطع فيديو لمحمد سعد الزهراني وذعار غالب الحربي في أثناء وقوفهما مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ونشرته إحدى المؤسسات الإخبارية السعودية المؤيدة للنظام على الإنترنت. وتفيد التقارير بحصول الحربي على ترقيةٍ لرتبة ملازم في أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ تقديراً لدوره في الدفاع عن قصر ولي العهد بجدة في وجه هجومٍ من نوعٍ ما.
ويبدو أنَّ مشعل سعد البستاني يعمل ملازماً في القوات الجوية الملكية السعودية، وهو من مواليد 1987 وتخرج في جامعة لويفيل. أما ماهر عبدالعزيز مطرب، فيشغل منصب ضابطٍ بجهاز الاستخبارات السعودي، وسبق أن عمل دبلوماسياً داخل السفارة السعودية في بريطانيا.
وحصل منصور عثمان أبو حسين على ترقيةٍ، في فبراير/شباط 2018، إلى رتبة عقيدٍ بأحد أفرع قوات الدفاع المدني، وفقاً لتغريدةٍ نشرها أحد أصدقائه على الشبكة الاجتماعية، "تويتر". كما حصل وليد عبدالله الشهري، مواليد 1980، على ترقيةٍ العام الماضي (2017)، ليصل إلى رتبة رائدٍ في القوات الجوية.
ويبدو أن الرائد "الشهري" كان يتطلع في الماضي إلى كتابة الشعر؛ إذ ظهر في مسابقةٍ لتلفزيون الواقع الإماراتي مخصصةٍ للشعراء الهواة عام 2012.
ولم تتضح بعدُ الآثار المباشرة لهذه التسريبات على المحادثات الجارية بين المملكة العربية السعودية وتركيا وواشنطن حول التوصل إلى حلولٍ للأزمة.