نشرت مجلة The Economist البريطانية تقريراً حول اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وقالت إن صح خبر مقتله فسيكون ذلك تصعيداً مخيفاً، وأسلوب طغاة اتبعه من قبل طغاةٌ مثل صدام حسين ومعمّر القذافي، اللذين استخدما سفارتيهما في لندن لإرهاب المعارضين في المنفى.
وأضافت أن القتل سيكون رسالة وحشية لا لبس فيها للمعارضين السعوديين، مفادها أنَّ الدولة بإمكانها الوصول إليكم في أي مكان. وتلقى العرب الآخرون الرسالة هم أيضاً. إذ يقول ناشط سوري في أوروبا إنَّه ألغى زيارة كان مُخططاً لها لسفارة بلاده.
وكان وليّ العهد السعودي اعتقل أكثر من 100 من أفراد الأسرة المالكة والوزراء في حملة بحجة مكافحة الفساد العام الماضي 2017. ويرزح عشرات النشطاء في السجن، بعضهم قد يواجه الإعدام. والمثير للدهشة أن السعوديين وفق ThE economist احتجزوا رئيس وزراء دولة أخرى لا يزال في منصبه، هو رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لأسبوعين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
يضيف تقرير مجلة The Economist: "حتى تهريب خاشقجي إلى خارج تركيا -لو كان حدث فعلاً- ستكون له سوابق. ففي مارس/آذار الماضي، اعتُقِلت الناشطة في حقوق المرأة لجين الهذلول بأبوظبي وأُعِيدت إلى السعودية، حيث لا تزال قابعةً في السجن.
وإن كان وليّ العهد قد اختطف أو قتل مُنتقِداً له في إسطنبول فعلاً، فقد يرغب قادة الأعمال في إعادة النظر في حضور مؤتمرٍ استثماري كبير بالرياض في وقتٍ لاحق من هذا الشهر أكتوبر/تشرين الأول.
وفي أميركا، حيث كان خاشقجي يقيم، عبَّر أعضاء الكونغرس عن غضبهم. فقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي: "إن صحَّ هذا… فيجب أن يُمثِّل شرخاً جوهرياً في علاقتنا (مع السعودية)". لكن قد يكون الرئيس دونالد ترمب أقل انزعاجاً. فهو مُقرَّبٌ من السعوديين، وفي خلافٍ قوي مع تركيا، ولا يُعَد ذلك البطل المدافع عن حقوق أو حرية الصحافة. وقد يفسّر هذا تصريحات أردوغان المترددة: إنَّه لا يرغب في مواجهة المملكة وحيداً.
وهناك سؤالٌ أخير، هو: كيف سيكون رد فعل السعوديين أنفسهم. يتمتع الأمير محمد بن سلمان بدعمٍ في الداخل، حتى بالرغم من أنَّ بعض أجزاء أجندته لا تسير جيداً. فإصلاحاته الاقتصادية لاقت رياحاً عكسية متوقعة. وتتراوح سياساته الخارجية بين العثرات كما في حصار قطر، إلى الكوارث كما في حرب اليمن. لكنَّ إصلاحاته الثقافية -المتمثلة في منح المرأة حق قيادة السيارات، والسماح بإقامة دور السينما وتنظيم الحفلات- تلقى قبولاً واسعاً، ولم يتبق إلا القليل من الأصوات المستقلة لانتقاده. وتأسَّف خاشقجي، في مقابلةٍ جرت مؤخراً، للطابع الشخصي المحيط بولي العهد. وقال: "لا يُسمَح لوسائل الإعلام بمناقشة المشكلات؛ لأنَّ ذلك سيكون إشارة على الضعف". الآن بات هو نفسه مشكلةً أخرى ينبغي إخفاؤها عن الأنظار.
وعلى مدى 5 أيام يتساءل الأصدقاء والزملاء عما حلَّ بجمال خاشقجي، الصحافي السعودي البارز الذي يعيش في المنفى الاختياري. فقد زار الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول القنصلية السعودية في إسطنبول لإنهاء بعض الأعمال الورقية. وبسبب شعوره بعدم الأمان، طلب من خطيبته الانتظار بالخارج والاتصال بأحد أعضاء الحزب الحاكم في تركيا إن لم يظهر. ولم يره أحدٌ منذ ذلك الحين. ويخشى معارفه من أنَّه تعرَّض للاعتقال وقتل بالداخل أو خُطِف وأُعيد إلى السعودية على غير رغبته.
قُتِل داخل القنصلية على يد رجال جاؤوا من السعودية!؟
لكن في عطلة نهاية الأسبوع، قدَّمت الشرطة التركية ادعاءً أكثر قتامة بكثير، يشير إلى أنَّ خاشقجي قُتِل داخل القنصلية على يد رجال جاؤوا من السعودية. وأضافوا أنَّ جسده هُرِّب إلى الخارج، ربما داخل سيارة دبلوماسية. وصف السعوديون هذا بـ"الزعم الذي لا أساس له"، ويُصِرُّون على أنَّه غادر القنصلية بأمان.
ولم يُقدِّم أيٌّ من الطرفين أدلة. ثُمَّ أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مزيداً من الغموض، قائلاً إنَّه لا يزال يأمل بنتيجة إيجابية. ويعمل المحققون الأتراك على الربط بين ما جرى خارج القنصلية. لكن ما حدث بالداخل لا يزال لغزاً. (يتلاءم مع ذلك قول السعوديين إنَّ كاميرات المراقبة لا تُسجِّل لقطات).
والسبب الذي قد يريد السعوديون من أجله إسكات خاشقجي، أحد المُنتقدين لولي العهد القوي الأمير محمد بن سلمان، ليس لغزاً. فقد كتب كثيراً باللغة العربية، وكان يكتب عموداً منتظماً في صحيفة The Washington Post الأميركية، وأبقى على علاقات وثيقة مع دبلوماسيين وصحافيين لا حصر لهم. واستخدم على مدار أكثر من عام هذه الأقلام لانتقاد القمع المتنامي في السعودية والحث على إنهاء الحرب في اليمن. لكنَّه بالكاد كان شديداً في انتقاده. فخاشقجي كان جزءاً من النخبة السعودية، وكان مُقرَّباً من الأسرة المالكة وشدَّد في كثير من المناسبات على أنَّ انتقاده كان "نصيحة" وليس رفضاً للنظام الملكي.