قال أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأميركي، إن على واشنطن إنهاء ما قالوا إنه شيك على بياض، تمنحه للمملكة العربية السعودية، ووفقاً لعضوين ديمقراطيَّين بارزين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، فإنَّ اعتقال الصحافي جمال خاشقجي هو أمرٌ "غير مقبول على الإطلاق" و"شائن"، وعلى الإدارة الأميركية التدخل لإنقاذ الصحفي السعودي والإفراج عنه سريعا، وذلك حسبما نقل تقرير لموقع The Intercept الأميركي.
وقد دخل خاشقجي، المواطن السعودي والكاتب بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول، ليتسلم وثائق لازمة من أجل الزواج. وأخبرت خطيبته، التي كانت تنتظره في الخارج، صحيفة The New York Times الأميركية أنَّه لم يخرج مِن القنصلية بعد مضي عدة ساعات، ولم يُرَ مجدداً مذاك الحين.
جمال خاشقجي كان يعيش في المنفى يترقب أي رد فعل من جانب النظام السعودي
وكان جمال خاشقجي، الذي كان في السابق مطلعاً على الشأن الداخلي السعودي، أصبح فيما بعد ناقداً شديداً لولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان، يعيش في منفى فرضه على نفسه إثر مخاوف بأن يُعتَقل في إطار حملة القمع التي يشنُّها ولي العهد على المعارضة في السعودية. وأنكرت السلطات السعودية أنَّها احتجزته، لكنَّ الحكومة التركية قالت في وقتٍ سابق من الأسبوع الجاري، إنَّه ما زال في مبنى القنصلية.
وأخبر السناتور كريس فان هولن، العضو الديمقراطي عن ولاية ماريلاند، موقع The Intercept الأميركي: "يجب على الإدارة الأميركية أن تتقدَّم بحماية الصحافيين وحرية الصحافة. إنَّ اختفاءه أمرٌ شائن، على الإدارة الأميركية أن تُطالِب بإطلاق سراحه".
وقال السناتور كريس مورفي، العضو الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، وهو أيضاً عضوٌ في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إنَّ هذه الحادثة توجِب فرض شكوكٍ بشأن العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة. وقال: "إذا كان خاشقجي قد اختُطِفَ على يد الحكومة السعودية، فهذا أمرٌ غير مقبولٍ بالمرة ويحمل علامةً أقوى على ازدياد خطورة حملة القمع السعودية التي تستهدف حرية التعبير".
وأضاف مورفي أنَّ هذه الحادثة "تُعطينا سبباً آخر لإعادة التفكير بتقديمنا شيكاً على بياض بحرية التصرُّف المطلق سياسياً وعسكرياً للسعوديين".
ونجاح الأمير محمد بن سلمان في حملته ضد المعارضة السعودية كان بسبب حملة علاقات ضخمة في أميركا
ما مكَّن محمد بن سلمان من شنَّ حملةٍ معاملةٍ وحشية على منتقديه الداخليين كانت حملة علاقاتٍ عامة في واشنطن حظيت بتمويلٍ وتدبيرٍ مُحكَم، وفيها قُدِّم وليّ العهد السعودي بصفته مُصلِحاً على خلاف محمد بن نايف، الذي كان تالياً في تسلسل تولي العرش.
كانت الحملة بشكلٍ كبير من إخراج يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات في واشنطن، التي دعمت بدورها صعود محمد بن سلمان إلى السُّلطة.
قال فان هولن إنَّ مؤسَّسة السياسة الخارجية بواشنطن، تلك التي صدَّقت حملة العلاقات العامة المُنادية بميول محمد بن سلمان الإصلاحية، يتحتَّم عليها الآن أن تتحمَّل مسؤولية سذاجتها.
وقال: "أعتقد أنَّ الكثيرين قد خُدِعوا بالقيادة السعودية الحالية، وهُم بحاجةٍ لأن يُطالبوا بإطلاق سراحه فوراً. تراهم يلعبون اللعبة نفسها أيضاً مع حقوق المرأة. يصدرون بياناً صحافياً مُبشِّراً، وفي اليوم التالي تجدهم يهدِّدون بحبس الناس".
لذلك فكشف مصير خاشقجي لا يمثل أهمية لإدارة دونالد ترمب
لا يبدو أن إطلاق سراح خاشقجي يُمثِّل أولويةً بالنسبة لإدارة ترمب. في اليوم التالي لاختفاء الصحافي، تحدَّث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو هاتفياً مع وليّ العهد السعودي عن الحرب في اليمن، وإيران، و"مساحات توسُّع التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية"، وهذا وفقاً لاستخراجٍ للمكالمة أصدرته وزارة الخارجية الأميركية. لم يُذكَر في نص المكالمة أيُّ شيءٍ عن اختفاء خاشقجي.
وأخبر متحدثٌ باسم وزارة الخارجية الأميركية موقع The Intercept الأميركي، أنَّ المسؤولين يتابعون عن كثبٍ تقارير عن اختفاء خاشقجي، وأنَّهم "سيستمرون في البحث عن معلوماتٍ عن الأمر".
لم يرُدّ مُتحدِّثٌ سعودي على أسئلةٍ وجَّهها موقع The Intercept. وأنكر محمد بن سلمان، في مقابلةٍ صحافية مع وكالة Bloomberg الأميركية، أنَّ خاشقجي في حيازة السعوديين.
في بداية الأمر دخل خاشقجي القنصلية يوم الجمعة، 28 سبتمبر/أيلول، وطُلب منه أن يعود عصر يوم الثلاثاء لتسلُّم الأوراق التي طلبها. يعتقد بعض أصدقائه أنَّه قد هُرِّب من تركيا بشكلٍ فوري، قبل أن تستطيع الشرطة التركية التدخُّل، ورافقته خطيبته إلى القنصلية لتنتظره.
وفي الساعات التالية لاختفائه، عرض الموقع الشخصي لجمال خاشقجي لافتةً تقول: "اعتُقِل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول"، وبعد ذلك غُيِّر المكتوب ليصبح: "جمال خاشقجي مفقودٌ منذ دخل القنصلية السعودية في إسطنبول"، ولم يتَّضح بعد لمَ غُيِّر المكتوب.
وفي آخر مقال كتبه، طالَبَ خاشقجي وليَّ العهد السعودي بإنهاء تدخُّل المملكة المدمِّر في اليمن. وكتب: "يجب على ولي العهد السعودي أن يضع حداً للعنف ويُعيد كرامة مَهد الإسلام".
وفي يوم الجمعة، 5 أكتوبر/تشرين الأول، اتَّخذت صحيفة The Washington Post الأميركية خطوةٍ استثنائية، هيَ أنها أفردت مكاناً فارغاً في الصحيفة، حيث كان يُفتَرض أن يُنشر مقال خاشقجي. وكان عنوان المقال الفارغ: "صوتٌ مفقود"، مكتوبٌ فوق عنوان ثانوي مؤثر: "بقلم: جمال خاشقجي".