مع بدء العد العكسي لتطبيق الاتفاق الروسي التركي وإقامة منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب ومحيطها بشمال غربي سوريا ، يسود ارتباك في صفوف الفصائل السورية المعارضة إزاء آلية التطبيق، مع خشيتها من محاولات قضم مناطق سيطرتها تدريجياً.
وبعدما كانت غالبية الفصائل السورية المعارضة غير الجهادية رحَّبت بمضمون الاتفاق الروسي التركي ، الذي جنّب إدلب هجوماً واسعاً لوَّحت به دمشق على مدى أسابيع، مبديةً في الوقت ذاته "عدم ثقتها" بروسيا، سارع بعضها في اليومين الأخيرين، إلى إعلان رفضه بنوداً عدة تضمَّنها الاتفاق، وطلبَ توضيحات من الداعم التركي.
حالة ارتباك في صفوف الفصائل السورية المعارضة
وينص الاتفاق الروسي التركي وفق ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إثر لقائه نظيره التركي رجب طيب أردوغان بسوتشي في 17 سبتمبر/أيلول 2018، على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل.
وتجلَّت حالة الإرباك في صفوف الفصائل السورية المعارضة بعدما نفت "الجبهة الوطنية للتحرير"، المدعومة من أنقرة والتي تأسست منذ شهرين وتضم غالبية الفصائل غير الجهادية في المنطقة، أنباء عن بدء سحب السلاح الثقيل تنفيذاً للاتفاق.
وأكدت رفضها أي وجود روسي في المنطقة المنزوعة السلاح المرتقبة.
ويقرّ الناطق الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، النقيب ناجي مصطفى، بأن "بعض النقاط لا تزال موضع خلاف، وثمة جدال حول تفسيرها".
وبموجب ما أعلنه بوتين، يتوجب على الفصائل السورية المعارضة كافة سحب سلاحها الثقيل من المنطقة المنزوعة السلاح بحلول العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018.
على أن ينسحب الجهاديون تماماً منها بحلول منتصف الشهر. وتتولى القوات التركية والشرطة الروسية الإشراف على هذه المنطقة.
غياب تصوُّر واضح حول تطبيق الاتفاق الروسي التركي
وبعد أسبوعين من إعلان الاتفاق الروسي التركي لا تزال آلية تطبيقه غير واضحة تقنياً. وتعقد تركيا اجتماعات مع الروس من جهة ومع الفصائل من جهة ثانية؛ لتوضيح النقاط الغامضة.
ويقول الباحث بمجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، إن الاتفاق "غامض عموماً، ولا يتضمن الكثير من التفاصيل العملية"، خصوصاً حول كيفية تنفيذه.
ويوضح أنه "لم يتبلور أيُّ تصور واضح حول تنفيذ الاتفاق لدى الفصائل المعارضة إلا في الأيام الماضية، بعد محادثات تقنية عُقدت بين الطرفين التركي والروسي، ولقاءات بين الأتراك والفصائل".
ويشير سيف الرعد، المتحدث الإعلامي باسم "فيلق الشام"، أحد أكبر مكونات "الجبهة الوطنية للتحرير"، في تصريحات، إلى أنه "يتم التنسيق مع الضامن التركي؛ لمتابعة الاتفاق وطرق تطبيقه، بما يضمن مصلحة المناطق المحررة".
لكن.. ما الذي يخيف الفصائل المعارضة؟
وتتمحور هواجس الفصائل السورية المعارضة حول نقطتين رئيسيتين؛ الأولى رفضها أن تقتصر المنطقة العازلة جغرافياً على مناطق سيطرتها فحسب من دون مناطق سيطرة النظام السوري.
وأبدى فصيل "جيش العزة"، الناشط في ريف حماة الشمالي المحاذي لإدلب، رفضه السبت 29 سبتمبر/أيلول 2018، أن "تكون المنطقة العازلة فقط من جانبنا"، مطالباً بأن تكون "مناصفة"، أي أن تشمل مناطق تحت سيطرة قوات النظام.
وقال قائده، الرائد جميل الصالح: "نحن ضد هذا الاتفاق الذي يقضم المناطق المحررة ويعمل على إعادة تعويم بشار الأسد".
ولم يحدد الاتفاق الروسي التركي المعلن بالتفصيل حدود المنطقة العازلة. واكتفى بالقول إنها تقع على "خطوط التماس" بين النظام والمعارضة، الواقعة عملياً على الحدود الإدارية بين إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة، وهي ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
وتتعلّق النقطة الثانية برفض الفصائل السورية المعارضة أي وجود روسي في المنطقة العازلة المرتقبة؛ خشية أن يمهد لاحقاً لعودة قوات النظام، التي تمكنت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بفضل الدعم الروسي، من التقدم على جبهات عدة والسيطرة على نحو ثلثي مساحة البلاد.
وأبلغت "الجبهة الوطنية للتحرير" الجانب التركي، خلال اجتماعٍ الأحد 30 سبتمبر/أيلول 2018، رفضها أي وجود روسي في المنطقة المنزوعة السلاح. وأفاد المتحدث باسمها، ليل الأحد، بتلقي "وعد" من الجانب التركي بعدم حصول ذلك.
كما أنهم يلومون عدم استشارتهم قبل اتفاق سوتشي بخصوص محافظة إدلب
وبحسب مصدر سوري قريب من الفصائل، فإن الصعوبات القائمة ترتبط "بواقع أنه لم تتم استشارة الفصائل المعارضة عن قرب حين أبرم الأتراك الاتفاقات مع الروس".
ويرى هيلر أنه كان "واضحاً" منذ إعلان الاتفاق، أن "المنطقة المنزوعة السلاح ستكون ضمن مناطق المعارضة فقط"، وتحديداً "داخل منطقة خفض التصعيد"، التي تشمل عملياً "مناطق سيطرة المعارضة فقط".
وتشكل إدلب ومحيطها منطقة خفض التصعيد الأخيرة الصامدة في سوريا، بموجب محادثات أستانا بين روسيا وإيران، حليفتي الحكومة السورية، وتركيا الداعمة للفصائل.
ويرى هيلر أنه "من غير المعقول أن توقّع روسيا على اتفاق ينص على نقصان سيادة الحكومة السورية وسيطرتها". ومن ثم، فإن تدخُّلها يأتي من باب "تقوية حليفها السوري، واستعادة سيطرته على أراضيه كاملةً".
ورغم أن الاتفاق المعلن يتحدث عن دوريات للأتراك والروس في المنطقة العازلة، فإن هيلر يستبعد حدوث ذلك عند تنفيذ الاتفاق، "مع وجود بعض الفصائل السورية المعارضة والمجموعات الجهادية التي قد تستهدف أي وجود أجنبي ولو كان تركيّاً".
"هيئة تحرير الشام" العقبة الأبرز
ومع سيطرتها إلى جانب مجموعات متشددة متحالفة معها على نحو 70% من المنطقة العازلة المرتقبة، تبقى "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، عملياً، العقبة الأبرز أمام تنفيذ الاتفاق الروسي-التركي.
ولم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي من الهيئة، التي أعربت سابقاً عن رفضها "المساومة" على السلاح، معتبرة الأمر "خطاً أحمر". وأعلن تنظيم "حراس الدين"، المرتبط بتنظيم القاعدة، قبل أكثر من أسبوع، في بيان جرى تناقله على شبكات التواصل الاجتماعي، رفضه "هذه المؤامرات وهذه الخطوات كلها".