"ملايين اللاجئين الفلسطينيين معرَّضون لوضع كارثي بسبب قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا"، بهذه الكلمات وجّه الأردن تحذيراته للمجتمع الدولي، لكن المملكة الصديقة للغرب تتحرك بسرعة؛ لأنها تواجه أيضاً خطراً داخلياً بسبب هذا القرار.
وفي مواجهة المخاطر الناجمة عن قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا شرع الأردن في حملة دولية لتعويض المخصصات المالية التي قامت إدارة ترمب بإلغائها خلال الشهر الماضي، لصالح الأونروا التي تدعم مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بالمملكة، حسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأميركية.
لماذا يخشى الأردن أكثر من غيره تبعات قرار قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا ؟
ويخشى الأردن، الحليف الأميركي الرئيسي في الشرق الأوسط، أن يؤدي قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا إلى زعزعة الاقتصاد الأردني المنهك أصلاً بالفعل جراء تواجد أكثر من 658 ألف لاجئ سوري على أراضيه، وإثارة الاضطرابات الاجتماعية من خلال قطع الخدمات الحيوية المقدمة إلى الفلسطينيين.
وبلغ العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في الأردن نحو 2.22 مليون لاجئ توزعوا على جميع محافظات المملكة، ومنهم ما نسبته 17% ما زالوا يعيشون داخل تنظيم 10 مخيمات، بحسب بيانات صادرة عن "الأونروا"، وهم يشكلون ما نسبته 41% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين بالعالم ويمثلون كذلك 31,4% من مجموع سكان المملكة.
ويسعى الملك عبدالله عاهل الأردن، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إلى تعويض مبلغ 300 مليون دولار الذي امتنعت الولايات المتحدة عن تقديمه إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين هذا العام، بما يمثل نحو رُبع ميزانية الوكالة. وأدت الجهود المبذولة لسد تلك الفجوة إلى تقليل العجز إلى 200 مليون دولار.
وها هي الجامعة العربية تسارع بالاجتماع وكانت هذه النتيجة
كانت الولايات المتحدة -بفارقٍ كبير- هي أكبر المُساهمين المنفردين، بتمويلٍ يبلغ 364 مليون دولار، فيما تعد المملكة العربية السعودية حالياً أكبر المانحين الخليجيين، إذ تُقدِّم نحو 50 مليون دولار من ميزانية الوكالة السنوية البالغة 1.2 مليار دولار.
وفي الأسبوع الماضي، دعا الأردن إلى اجتماع أعضاء جامعة الدول العربية في اجتماع بمقر الجامعة في مصر لجمع المزيد من الأموال.
وتعهّدت المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان بتقديم الدعم دون تقديم أموال إضافية. وسوف يستضيف الأردن في الأسبوع القادم مؤتمراً تحضره السويد وألمانيا واليابان وغيرها من الدول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وتأمل تلك الدول في سد الثغرة التمويلية والتخطيط لمستقبل الوكالة بعد أن تُنهي الولايات المتحدة مساهماتها المتبقية والبالغة 60 مليون دولار في العام القادم. ومن غير المتوقع أن تحضر الولايات المتحدة ذلك المؤتمر.
وحصلت الوكالة على 50 مليون دولار من كل من قطر والإمارات، ما أنقذ مدارس الأونروا في الأردن وسوريا ولبنان من خطر الإغلاق هذا العام، وتأمل الوكالة في تلقي 50 مليون دولار أخرى أعلنت عنها السعودية، كما تعهدت الحكومة الألمانية بزيادة كبيرة في تمويلها للوكالة بعد قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا.
وبالفعل فقد قيل إن دول الخليج يمكنها سد العجز، ولكن مع الامتثال لشرط أميركي له هدف خطير
وأفادت تقارير بأنَّ دول الخليج ستساعد على سد العجز الذي خلفه القرار الأميركي بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لكن وفقاً لمبادئ توجيهية جديدة تضعها إدارة ترمب، بحسب موقع Middle East Eye البريطاني.
وذكرت القناة الثانية الإسرائيلية أن المسؤولين الأميركيين سمحوا لدول الخليج بتمويل مشروعات الأونروا على المدى القصير، لكنَّهم قالوا إن موافقة الولايات المتحدة على التمويل تشترط تعهُّد أي رعاة مستقبليين للأونروا بإعادة تعريف وضعية الوكالة، بالإضافة إلى تعريف اللاجئين الفلسطينيين بُغية التوصل في نهاية المطاف إلى وقف عمل الوكالة نهائياً.
لكن لم يتضح أي من دول الخليج وافقت على سد العجز في التمويل الذي خلّفه القرار الأميركي.
وقال مسؤولون مُطّلِعون على القرار لصحيفة The Washington Post الأميركية، إنَّ الهدف من إعادة تعريف اللاجئين الفلسطينيين، الذي يَستبعد أحفاد النازحين الأصليين، هو تخفيض الرقم الحالي البالغ 5 ملايين لاجئ إلى أقل من عُشر هذا العدد.
وتدعم الوكالة المعروفة باسم الأونروا الفلسطينيين الذين هجروا منازلهم فيما يُعرف حالياً باسم إسرائيل إبان حرب 1948 التي تلت تأسيس دولة إسرائيل. وتبلغ أعداد هؤلاء وأبنائهم حالياً نحو خمسة ملايين شخص، من بينهم مليونان على الأقل يعيشون في الأردن.
وهذا هو مبرر إدارة ترمب في قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا
الأونروا تدعم ثقافة الاعتماد على الغير التي تطيل من الانعزال الفلسطيني، هكذا تصف كل من إدارة ترمب وإسرائيل أنشطة الوكالة.
ويزعم الطرفان أن الاحتفاظ بوضع اللاجئ يطيل أجل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وذكر أحد مسؤولي إدارة ترمب أن الولايات المتحدة ترحب بالجهود التي يبذلها الأردن وغيره من البلدان من أجل جمع أموال إضافية لصالح وكالة الأونروا، ولكنه قال إن مثل تلك المبادرات لن تنجح.
وهم يفكرون في هذا البديل عن الوكالة
وقال المسؤول الأميركي: "حان الوقت كي نقر أن نموذج عمليات الأونروا فاشل"، مضيفاً أن الولايات المتحدة تأمل بدء مناقشة نقل خدمات الأونروا إلى الحكومات المضيفة أو المنظمات الأخرى. وذكر مسؤولون أن الولايات المتحدة قد عرضت أن تزود الأردن بمساعدات إنسانية تحل محل المساعدات التي تقدمها إلى الأونروا.
ويأتي قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا في الوقت الذي تخفض فيه إدارة ترمب أيضا أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات الثنائية المقدمة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية كجزء مما تقول إنه في إطار الجهود المبذولة للضغط على المسؤولين الفلسطينيين لاستئناف محادثات السلام.
ولكن بعيداً عن هذه الخطط، هذا ما قد يحدث للأردن بعد قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا
ويذكر مسؤولون ومحللون أردنيون أن التخفيضات الهائلة في المساعدات المقدمة إلى وكالة الأونروا يمكن أن تؤدي إلى خروج آلاف من الأطفال الفلسطينيين من المدارس بالأردن وتعطيل الخدمات الأساسية المقدمة إلى مئات الآلاف من اللاجئين، مثل العيادات الطبية وجمع القمامة.
ويمكن أن يؤدي قطع المساعدات أيضاً إلى إثارة الاحتجاجات في مملكة الأردن الموالية للغرب والتي تعد بمثابة حصن منيع خلال السنوات الأخيرة ضد التطرف العنيف في العراق وسوريا المجاورتين.
ويعد الاقتصاد الأردني، المتأثر جراء الاضطرابات المجاورة، هشاً وضعيفاً بالفعل. وللحد من الديون الحكومية المرتفعة، قام الأردن بإلغاء الدعم هذا العام عن الخبز وزاد الضرائب المفروضة على مجموعة من المنتجات، بما يمثل عبئاً جديداً على كاهل ملايين الأردنيين.
وهذا يؤثر على إسرائيل والدول الغربية معاً
"الأردن دولة جوهرية، حسب وصف روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط.
ويضيف قائلاً: "يعد أمن هذه المملكة العربية المعتدلة الموالية للغرب والولايات المتحدة على مدار التاريخ بمثابة إحدى المصالح الأميركية الرئيسية على مدار عقود".
كما تهتم دولة إسرائيل المجاورة أيضاً باستقرار الأردن. وقد التقى الملك عبد الله ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو/حزيران 2018 لمناقشة العلاقات والتطورات الإقليمية.
والمشكلة أن الأردن يريد تجاوُز تداعيات القرار الأميركي دون إغضاب ترمب
وفي سعيه وراء الحصول على المساعدات، يريد الأردن تجنّب معاداة إدارة ترمب.
وتعتبر الولايات المتحدة الكفيل الأكثر أهمية لتحقيق الأمن في الأردن، وتقدم حزمة مساعدات قيمتها 1.3 مليار دولار هذا العام من أجل دعم جيشها واقتصادها.
وذكر الصفدي، وزير الخارجية الأردني، خلال حوار أجراه: "الوسيلة التي نتولى بها إدارة مثل هذه الجهود تتمثل في عدم بذل هذه الجهود كما لو كان العالم بأكمله يناضل ضد الولايات المتحدة بسبب قرار قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا".
والأونروا مستعدة لمراجعة أخطائها، بينما هؤلاء يختنقون
وذكر مسؤول الأونروا أنهم لم يتلقوا أي مبررات من إدارة ترمب بشأن خفض حجم المساهمات. وقال بيير كراهنبول، المفوض العام لوكالة الأونروا: "أنا مستعد للجلوس وإجراء مراجعات نقدية لعمل الوكالة، بما في ذلك أي تساؤل قد ينشأ عن العمليات والمساءلة والحيادية وغيرها من الأمور".
ويواجه معركة الميزانية أشخاص مثل سعدي شعلان، إذ يرسل مهندس الكهرباء البالغ من العمر 57 عاماً الذي وُلد أبواه بالقرب من القدس، أبناءه إلى مدارس الأونروا المجانية في مخيم الوحدة للاجئين، حيث يقيمون. وقال شعلان إن المدارس الخاصة باهظة التكلفة. ويذكر المسؤولون أن المدارس العامة تزدحم بالطلاب ولا تستطيع استيعاب المزيد منهم.
وعلى غرار شعلان، يعيش 400 ألف فلسطيني في 10 مخيمات رسمية للاجئين ويلتحق أكثر من 120 ألف طفل بمدارس الأونروا. وفي عام 2017، أنفقت الوكالة 175.8 مليون دولار على أنشطتها في الأردن.
ويخضع تجديد تفويض الأونروا للتصويت بالأمم المتحدة في أواخر العام القادم. وقد تم إقراره عام 2016 من خلال أغلبية كبيرة ويرى مسؤولون بإدارة ترمب أنه من الأرجح أن يتم إقراره مرة أخرى.
ويخشى مسؤولون أردنيون من أن تؤدي الرؤية المتشائمة بين اللاجئين الفلسطينيين بشأن مستقبلهم، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تواجهها بلادهم، إلى إثارة احتجاجات عنيفة.
ويذكر المسؤولون أن تلك اللحظة قد تأتي حينما لا يستطيع آلاف الطلاب العودة إلى مدارسهم جراء نقص التمويل المقدم إلى الأونروا.
وقال الصفدي: "إنكم تخنقون هؤلاء الناس في النهاية وتدفعونهم نحو اليأس والغضب".