هل غفر بوتين لإسرائيل إسقاط الطائرة؟ تل أبيب تتخوف من تنفيذ روسيا لتهديدات سابقة رداً على ما حدث

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/19 الساعة 15:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/19 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش
بوتين ونتنياهو

عندما تَقتل 15 جندياً ينتمون لقوة عظمى نووية، فإنك لست في موقف جيد على الإطلاق، ولكن في أزمة إسقاط الطائرة الروسية بدت هذه القوة العظمى متسامحة أكثر مما ينبغي وأسرع من المتوقع.

روسيا عليها أن تدفع ضريبة العلاقات المعقّدة التي تربطها بخصوم عنيدين، لا يجمعهم شيء إلا التحالف معها، وما قد يترتب على ذلك من أزمات بما فيها من حوادث ملتبسة كحادثة إسقاط الطائرة الروسية.

إسقاط الطائرة  الروسية تم فوق البحر المتوسط، يوم الإثنين 17 سبتمبر/أيلول، في حادث قالت إسرائيل إنه النتيجة المباشرة للنيران المضادة للطائرات التي أطلقها الحليف السوري، بينما اعتبرته موسكو مسؤولية إسرائيل، وهي حليفٌ آخر بحكم الأمر الواقع لروسيا البوتينية.

ولا يُظهِر هذا الحادث التشابك المتضارب للمصالح المتنافسة في سوريا مع وشوك الحرب الأهلية على وضع أوزارها فحسب، بل أيضاً مدى سهولة أن تُمزِّق هذه الدينامية العلاقات المُشكَّلة بعناية، حسب تقرير لمجلة The Atlantic الأميركية.

هل كان إسقاط الطائرة الروسية متعمداً؟.. لقد استخدموهم كغطاء 

طائرة إليوشين-20 الروسية قد أُسقِطَت فوق البحر المتوسط، يوم الإثنين، بواسطة صاروخ أرض جو سوري من نوع إس-200، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل 15 جندياً روسياً.

وقالت وزارة الدفاع الروسية، إن الطائرة أُسقِطَت بعد أن حلَّقت أربع طائرات إف-16 إسرائيلية فوق الأراضي السورية.

وقالت الوزارة في بيانٍ يصف التصرف الإسرائيلي بأنه "استفزاز": "استخدم الطيَّارون الإسرائيليون الطائرة الروسية كغطاءٍ، وجعلوا منها هدفاً لقوات الدفاع الجوي السورية"، وأضاف البيان: "نتيجة لذلك، أُسقِطَت طائرة إيلوشين-20، التي تتمتَّع بمقطع عرضي راداري أكبر بكثير من طائرة إف-16، بواسطة صاروخ من نوع إس-200".

وصل الأمر إلى أن وزير الدفاع الروسي هدَّد إسرائيل.. ولكن بوتين كان لديه رأي آخر

استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية. وهدَّد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، نظيره الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان باتخاذ "تدابير مضادة".

روسيا اتهمت إسرائيل بالتسبب في إسقاط الطائرة ثم خفف بوتين الاتهام
روسيا اتهمت إسرائيل بالتسبب في إسقاط الطائرة ثم خفف بوتين الاتهام

وقد بادرت إسرائيل، التي كانت تراوغ سابقاً حول تورُّطها العسكري في سوريا، بالاعتراف بهجومها الجوي و "عبَّرَت عن أسفها" على ضحايا الهجوم. وقالت إنها كانت تستهدف منشأة أسلحة سورية.

وكان من المُقرَّر أن يجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محادثاتٍ لنزع فتيل التوتُّرات، وبالفعل، وصف بوتين نفسه في وقتٍ لاحق الحادث بأنه "سلسلةٌ من الظروف العرضية المأساوية"، وهي محاولةٌ واضحة لإخماد التوتُّرات.

فالمفترض أن الدولتين تنسقان مثل هذه العمليات

عملت إسرائيل وروسيا بجدٍّ في السنوات الأخيرة لإقامة علاقات وثيقة. وقبل ثلاث سنوات، وافقت الدولتان على تنسيق العمل العسكري في سوريا لتجنُّب وقوع نوعية الحوادث التي وقعت يوم الإثنين.

في ذلك الوقت، قال نتنياهو، الذي التقى بوتين أكثر من 6 مرات منذ عام 2015، عندما دخلت روسيا الصراع السوري، إنه والرئيس الروسي "اتفقا على آليةٍ لمنع مثل هذه الحوادث التي تؤدي إلى سوء التفاهم" (ولدى الولايات المتحدة، التي تقاتل قواتها في شرقيّ سوريا جنباً إلى جنب مع المقاتلين الأكراد الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، اتفاقٌ مماثل بتجنُّب الدخول في نزاعاتٍ مع الجيش الروسي).

وحتى الآن بدا أن روسيا نجحت في تحقيق التوازن بين تحالفيها المتناقضين مع إسرائيل وإيران

هذا التنسيق الروسي-الإسرائيلي في سوريا مهمٌ، نظراً لمصالحهما المتضاربة في البلاد. فالدعم العسكري الذي تُقدِّمه روسيا، إلى جانب الدعم من إيران وحزب الله، وهي جماعة شيعية لبنانية مسلحة، يُعَد ضماناً لبقاء نظام الأسد.

وبالتوازي مع ذلك، عملت إسرائيل جاهدةً على ضمان أن سوريا، التي تشترك معها في الحدود، لا تصبح مكاناً يستطيع منه حزب الله، الذي يعمل وكيلاً لإيران في المنطقة، مهاجمة أراضيها.

في الوقت الحالي، تمكَّنت روسيا من تحقيق التوازن في تحالفاتها المتناقضة على ما يبدو مع إيران وإسرائيل، لكن حادثة الإثنين تُظهِر مدى صعوبة هذه المهمة عندما يستعد بشار الأسد لشنِّ هجومٍ على إدلب، آخر جزء رئيسي تسيطر عليه قوات المعارضة في البلاد.

وإسرائيل تلقي باللائمة على حزب الله

في الواقع، أضاف بيان الجيش الإسرائيلي الذي أعرب عن "أسفه" لمقتل الجنود في جادث إسقاط الطائرة الروسية، وقال: "إن إسرائيل تُحمِّل نظام الأسد، الذي أسقط جيشه الطائرة الروسية، المسؤولية بالكامل عن هذا الحادث.

كما تُحمِّل إسرائيل أيضاً إيران ومنظمة حزب الله الإرهابية المسؤولية عن هذا الحادث المؤسف". وزعم البيان أن المنشأة السورية التي استُهدِفَت هي المكان الذي كانت أنظمة تصنيع الأسلحة على وشكِ أن تُنقَل منه إلى حزب الله بالنيابة عن إيران.

وأضاف البيان: "كان الهدف من هذه الأسلحة مهاجمة إسرائيل، مما يُشكِّل تهديداً لا يمكن السكوت عنه".

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد قالت إن إسرائيل أبلغت روسيا بنيتها قصف أهداف في سوريا، قبل دقيقة واحدة فقط من تنفيذ الهجوم.

وستشعر بالارتباك عندما تحاول فهم موقف موسكو من وجود القوات الإيرانية بسوريا

تحرص إسرائيل على إنهاء وجود إيران في سوريا، لكن روسيا أرسلت إشاراتٍ متضاربة حول أهمية دور طهران في الحاضر والمستقبل السوريَّين. وقد دعت موسكو إلى "الحدِّ من وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والتخلُّص منه نهائياً"، ووصفت الوجود الإيراني في سوريا في الوقت ذاته بأنه "شرعي".

لم تمنع علاقة إسرائيل مع روسيا البلدين من الصدام هذا العام في عدة مناسبات، عندما هاجمت إسرائيل أهدافاً داخل سوريا، قالت إنها تُشكِّل تهديداً أمنياً. وكان من أكثر تلك الصدامات حِدة الهجوم الذي شنَّته على قاعدة جوية سورية، في فبراير/شباط الماضي، بعد أن دخلت طائرة إيرانية من دون طيَّار، انطلقت من تلك القاعدة إلى الأراضي الإسرائيلية. أرادت إسرائيل الردَّ بهجومٍ أكبر، ولكن تقارير أفادت بأن بوتين أثناها عن ذلك.

وفي حين يبدو أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية الأخير قد مر بسلام بعد أن وصفها بوتين بأنها نتيجة "لظروفٍ عرضية"، ولكن بالنسبة للأطراف الفاعلة المختلفة في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك إيران التي تستعد لجني ثمار دعمها للأسد، قد لا تكون هذه الكلمات التصالحية كافية لنزع فتيل النزاع في المستقبل، حسب مجلة The Atlantic الأميركية.

لكن المفاجأة أن العفو الروسي جاء سريعاً للغاية خاصة بمقارنة بما حدث مع تركيا

اللافت أن اللهجة التصالحية لبوتين مع إسرائيل ظهرت سريعاً بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، ولم تتأخر رغم فداحة الخسارة البشرية، وخاصة بالمقارنة حادثة مشابهة، كان الموقف الروسي فيها أكثر حدة رغم أن الخسارة كانت أقل كثيراً.

رد الفعل الروسي جاء اقل كثيراً مما حدث مع تركيا عام 2015 رغم أن الكارثة أكبر
رد الفعل الروسي جاء اقل كثيراً مما حدث مع تركيا عام 2015 رغم أن الكارثة أكبر

فعندما قامت طائرة تركية ب " إسقاط طائرة روسية " وقتل قائدها، في عام 2015 بعد أن قالت أنقرة إنها اخترقت المجال الجوي التركي، ثارت وسائل الإعلام التابعة للحكومة الروسية، ضد تركيا آنذاك وندَّدَت برئيسها رجب طيب أردوغان، وقدمت تغطيةً مدروسة فقط لعملية إسقاط لطائرة الروسية (التي كانت من طراز سوخوي الهجومي) دون إلقاء المسؤولية على سوريا، حسبما ذكر تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

وفرضت روسيا آنذاك مجموعة من العقوبات الاقتصادية على تركيا تتضمن قيوداً على الواردات من أنقرة، كما هاجم الرئيس الروسي نظيره التركي، رغم حرص أنقرة على عدم التصعيد مع إشارتها إلى أن إسقاط الطائرة الروسية حدث نتيجة حطأ وبعد انتهاكها المجال الجوي التركي.

أما اليوم فإذا كنت مواطناً روسيا فقد لاتلاحظ خبر  إسقاط الطائرة، فهناك حدث أهم في موسكو

ولكن في حادثة إسقاط إسرائيل للطائرة الروسية الأخير، لم يُركِّز التلفزيون الرسمي يوم الثلاثاء 18 سبتمبر/أيلول 2018 على خسارة الطائرة الروسية، بل على تنصيب عمدة موسكو الموالي لبوتين، سيرجي سوبيانين، الذي أُعيدَ انتخابه في 9 سبتمبر/أيلول، وعلى الاجتماع الذي عُقِدَ بين بوتين والرئيس فيكتور أوربان في المجر.

وأُسقِطَت الطائرة في اليوم نفسه الذي قال فيه سيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي، إنَّ سوريا ستمتنع عن شنِّ هجوم على محافظة إدلب، وهي آخر البقاع المهمة في سوريا التي لا يسيطر عليها الأسد.

أتى إعلان شويغو بعدما وافق بوتين وأردوغان، اللذان تربطهما الآن علاقاتٌ ودية على الرغم من شقاقهما المرير في عام 2015، على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب.

ولكن إسرائيل لم تكتفِ بتسامح بوتين فهي تحاول منع الروس من أن يقدموا هذا السلاح لسوريا

إسرائيل من جانبها تحاول استغلال الأزمة لصالحها، فقد قال رون بن يشاي، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن إسرائيل ستحاول إقناع روسيا بعدم تسليم سوريا منظومات متطورة مضادة للطائرات والصواريخ، رداً على إسقاط الطائرة الروسية بصواريخ أطلقها الجيش السوري خلال تصديه لغارة جوية إسرائيلية على أهداف في سوريا.

فرغم إعلان بوتين أن إسرائيل ليست مسؤولة عن الحادثة، وأن الطائرة أُسقطت "بسبب سلسلة أخطاء مؤسفة"، فإن ما يقلق إسرائيل حالياً حسب بن يشاي، هو إمكانية تنفيذ روسيا لتهديدات سابقة بتسليم سوريا منظومة إس-300 للدفاع الجوي الصاروخية بعيدة المدى، لذلك سيعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إقناع روسيا بعدم تنفيذ تهديدها، رداً على إسقاط الطائرة الروسية.

لكن بن يشاي اعتبر أن أقوال بوتين، أمس، حملت إشارات على إمكانية قيام روسيا بتسليم السوريين منظومة إس-300 المتطورة، ودعم الترسانة السورية بصواريخ متطورة لمنظومة إس-200، الموجودة لدى الجيش السوري حالياً، لذلك سيعمل نتنياهو على إقناع بوتين بعدم القيام بهذه الخطوة التي ستؤثر بشكل كبير على قدرات إسرائيل في العمل بحرية في الأجواء السورية ضد أهداف عسكرية سورية أو إيرانية.