يعد توفير وظائف للسعوديين هدفاً مصيرياً لخطط ولي العهدالأمير محمد بن سلمان، لتحويل الاقتصاد، وتهيئة أكبر دولة مصدّرة للنفط الخام في العالم لحقبة ما بعد النفط.
وهذا يعني وضع حدٍّ لنظم التوظيف التقليدية في السعودية، حيثُ تهيمن العمالة الأجنبية على القطاع الخاص، وينجذب المواطنون إلى القطاع الحكومي، حيثُ ساعات العمل أقصر، والوظائف أكثر استقراراً، حسبما قالت وكالة Bloomberg الأميركية.
لم تعد الوظائف الحكومية كافية؛ بسبب وصول نسبة معدلات البطالة إلى 12.9%، وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات، وبسبب انضمام نحو ربع مليون شاب سعودي سنوياً إلى سوق العمل.
ارتفاع نسبة الشباب بين السكان يعني أنَّ ثمن فشل الحاكم الفعلي للمملكة سيكون باهظاً، ولو لم تتوافر وظائف لعددٍ كبيرٍ منهم، فقد يتراجع الدعم الذي يحظى به بن سلمان، أو حتى يواجه معارضةً في المملكة.
هناك تخوف سعودي من سعودة الوظائف في ظل الوضع الحالي
يتساءل مهند فهام عما إذا كان معرضه للأثاث في الرياض سيتحمل التوجه إلى توظيف عددٍ أكبر من السعوديين.
تعاني تجارته ركوداً اقتصادياً، وتغطي لافتاتٌ حمراء واجهة المعرض معلنةً عن خصوماتٍ تصل إلى نحو 60%. والاستجابة لتوجيهات الحكومة باستبدال مواطنين سعوديين يحصلون على أجورٍ مرتفعة، بالعمالة الأجنبية المهيمنة على قطاع البيع بالتجزئة- قد تدفع تجارته إلى الهاوية.
فهام، وهو مواطن سوري، قال إنَّه درب العديد من البائعين السعوديين، لكنَّهم تركوا العمل في غضون أسابيع؛ لأنَّهم في الغالب لم يعتادوا العمل بنظام النوبات، وأضاف أنَّ واحداً فقط هو من أثبت التزامه بالوظيفة.
وأضاف: "تداعت الأمور في وقتٍ واحد، لدينا إيجارات مرتفعة في المنطقة والطلب منخفض في السوق والتكاليف مرتفعة".
لكن الحكومة بدأت بالفعل السعودة خاصة في قطاعات السيارات والملابس والاثاث
دخلت المرحلة الأولى لعملية "سعودة" تجارة البيع بالتجزئة حيز التنفيذ هذا الشهر (سبتمبر/أيلول 2018)؛ إذ يُتوقع من وكالات السيارات وبائعي الملابس ومحال الأثاث والأدوات المنزلية أن يوظفوا سعوديين بنسبة 70% في مهن المبيعات.
يجب على محال بيع الأدوات الكهربائية ومحال بيع الساعات ومحال البصريات أن يستجيبوا للقرار بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وتتبعها محال بيع الحلوى والسجاد وأدوات البناء والمعدات الطبية وقطع غيار السيارات في يناير/كانون الثاني 2019.
وظفت العديد من المحال بسوق المعيقلية الشعبي في جنوب الرياض باعة سعوديين يرتدون عباءاتٍ مزينة بلون الذهب وقبعات بيضاء وسيوف مزخرفة.
حسن النخيفي (30 عاماً)، الذي حصل على وظيفة بائع إكسسوارات للرجال منذ عدة أيام ويشعر بالسعادة تجاه هذه التغييرات، يقول إنَّ "المملكة صنعت فينا معروفاً".
أمَّا مها عبد الله (20 عاماً)، فكانت في قمة الحماسة تجاه الوظيفة التي بدأتها منذ شهرين بمحلٍ لبيع الأثاث. وقالت مشيدةً بسياسة العمل التي تشجع النساء: "أتعلم أشياء جديدة، وهو أمر ممتع حقاً".
وسبق أن تعهد ولي العهد بإنهاء اعتماد الاقتصاد على المغتربين
وذلك في أقل من عقد، وهو توقيت مناسب لإيقاف مخاطر القنبلة الديموغرافية الزمنية المتمثلة في الشباب.
لكنَّ تطبيق الحكومة إجراءاتٍ تقشفية؛ كفرض ضريبة القيمة المضافة ورسومٍ إضافية على العمالة الوافدة مع تقليل الدعم، يدفع الشركات لإقالة العمالة وليس توظيفها. ويعد توظيف السعوديين عبئاً على بعض الشركات التي تعتمد على عمالةٍ أرخص من باكستان والهند ومصر واليمن.
غراهام غريفيث، كبير المحللين بشركة Control Risks في دبي، يقول إنَّ المحال الصغيرة بالتحديد هي التي ستعاني من أجل تطبيق أهداف المملكة، وقد تُغلق أبوابها.
ويضيف: "القطاع الخاص في السعودية بوضع حرج للغاية. فالاقتصاد واقع تحت ضغوط شديدة؛ إذ ارتفعت الضرائب والرسوم، وتكاليف العمل والخدمات في ازدياد".
يبدو للعديد من المغتربين أنَّه حان وقت العودة إلى أوطانهم، لاحقين بمئات الآلاف الذين غادروا بالفعل.
سالم (19 عاماً)، الذي يعمل بمحل والده لبيع الساعات، يقول إنَّ العائلة تفكر في غلق المحل والعودة إلى اليمن، حتى وإن كانت غارقةً في الحرب. ورفض سالم ذكر لقبه.
ومع ارتفاع البطالة بين السعوديين باتت السعودة غير كافية أيضاً لحل أزمة العمل
ارتفعت نسبة البطالة بين السعوديين إلى 7.6% في الربع الأول من 7.2% عن المدة نفسها في العام الماضي (2017)، حسب البيانات الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء، ما يشير إلى أنَّ استبدال العمالة الأجنبية ليس كافياً.
صرَّح خالد أبو الخيل، المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بأنَّ الإصلاحات ستوفر نحو 60 ألف وظيفة للسعوديين، وقدَّر مسؤول رسمي في صندوق دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أنَّها ستوفر نحو 490 ألف وظيفة.
قدّر زياد داود، وهو خبير اقتصادي لشؤون الشرق الأوسط بوكالة Bloomberg، في تقريرٍ أخير له، أنَّ المملكة قد تحتاج إلى إضافة 700 ألف وظيفة بحلول 2020، لتصل نسبة البطالة إلى النسبة المرجوة 9%. وقد يتوجب عليها الاستثمار أكثر في التدريب.
ولم يتعجب سامي محمد، وهو بائع من إريتريا، من السعوديين الذين وُظفوا لينضموا إليه؛ إذ قال: "سيرحلون، ويقولون لي: سنترك لك العمل".