أكد العلماء أن النباتات أقل سلبية بكثير مما تبدو عليه في الواقع، على إثر الكشف عن طرق التفاعل السريّة الموجودة في أنظمة الاتصال الخاصة بها عند تعرُّضها لأي تهديدات من المحيط الخارجي.
وعلى الرغم من أن النباتات لا تملك أعيناً أو آذاناً أو فماً أو أيدي، ولا دماغاً أو نظاماً عصبياً أو عضلات، بالإضافة إلى أنها جامدة في مكانها وتعمل فقط على امتصاص أشعة الشمس والمغذيات في التربة، فإنها قادرة على الشعور والتفاعل مع المحيط عند تعرضها لهجوم، بل وترد الفعل أيضاً، حسب صحيفة New York Times الأميركية.
لكن، كيف يمكن ذلك؟
قال الدكتور سايمون غيلروي، عالم النبات الذي يدرس حقيقة مشاعر النباتات ومدى استجابتها لمحيطها، من جامعة ويسكونسون ماديسون، إنه "عليك أن تفكر مثل الخضراوات الآن". وأضاف غيلروي: "لا تُعتبر النباتات حيوانات خضراء، لكن وعلى الرغم من اختلافها، فإن طريقة تفاعلها مشابهة إلى حد كبير لطريقة تفاعل الحيوانات".
وللكشف عن السر وراء تفاعلات النباتات في نظام الاتصال عند التعرض للتهديد، قام مساتسوغو تيوتا، الأستاذ بجامعة سايتاما في اليابان، إلى جانب مجموعة من الباحثين في مختبر الدكتور غيلروي، في دراسة نُشرت يوم الخميس في مجلة Science، بمراقبة يرقات وهي تمضغ نبتة كما تشاهدون في الفيديو. كما قاموا أيضاً بتقطيع أوراق نبتة بالمقص واستخدموا الغلوتاميك، وهو ناقل عصبي مهم يساعد الخلايا على التفاعل مع الحيوانات.
في هذا الفيديو، بالإضافة إلى 12 مقطع فيديو آخر، استخدم الباحثون بروتيناً أخضر متوهجاً لتتبع الكالسيوم والرسائل الكيميائية والكهربائية المصاحبة داخل النبتة. وشاهدوا تحت المجهر تنقل التحذيرات داخل الزوائد الخضراء المورّقة ليتأكدوا إثر ذلك من أن النباتات ليست غير مبالية كما يبدو عليها.
وتبدأ الرسائل بالصدور عند نقطة الهجوم، حيث يبدأ حمض الغلوتاميك بإطلاق موجة من الكالسيوم تنتشر عبر عروق النبات أو ضمن ما يعرف بنظام الأنابيب. ويتحول هذا الطوفان إلى ما يشبه هرمونات التوتر ومفاتيح وراثية تعزز نظام الدفاع لدى النبتة وتجعلها جاهزة لرد الفعل، وكل ذلك دون تفكير أو حركة.
شأنها شأن الحيوانات، تعتبر النباتات كائنات حقيقيات النوى، أي أنها كائنات متعددة الخلايا، تنحدر من سلف مشترك يسمى "السلف الشامل الأخير". ومن أجل أن ننجو بحياتنا، نشعر جميعنا بالتهديدات ونقوم بإطلاق رسائل داخل أجسامنا وأنسجتها لتستجيب لهذه المخاطر. وعلى الرغم من اختلاف ردود أفعالنا، التي تتأقلم وفقاً لأنماط الحياة التي نعيشها ضمن بيئات مختلفة، فإن الكثير من آلاتنا الخلوية الأساسية متشابهة. وبناءً على ذلك، طبقت البيولوجيا تلك القاعدة التي تقول: "لماذا نغير خطة ناجحة؟".
تتمثل إحدى الآليات التي تتشارك فيها هذه الخلايا مع تلك التي نمتلكها، في تقلب مستويات أيونات الكالسيوم التي تحمل شحنة كهربائية. وتساعد هذه الشحنة لدى البشر في التحكم في الانفعالات عندما تقوم الخلايا العصبية بنشر رسائلها. وتجعل تلك التغيرات في أيونات الكالسيوم قلبك ينبض وعضلاتك تتقلص حتى تتمكن من النهوض والابتعاد عن الخطر الذي يهددك، حسب صحيفة New York Times الأميركية.
ومن الواضح أن النباتات غير قادرة على الهروب. لكن الباحثين كانوا يعلمون أن الجينات التي تصنع المستقبلات شبيهة بتلك المستقبلات الكهربائية التي يطلقها حمض الغلوتاميك، والتي تنطلق داخل النبتة بعد إصابتها، فتقوم بتفعيل الجينات في مكان آخر داخل النبتة لتمكنها من الرد في الوقت المناسب.
ويمكن لأيونات الكالسيوم، بمساعدة حمض الغلوتاميك، أن تتدفق حاملة إشاراتها عبر قنوات مفتوحة عندما ينسجم حمض الغلوتاميك في هذه المساحات الخاصة بالمستقبلات. ولا تعتبر هذه القنوات مشابهة تماماً لتلك الموجودة في الجهاز العصبي للثدييات، لكنها تعمل بشكل مشابه جداً لها، وهو ما قاد الدكتور غيلروي وفريقه لدراسة أيونات الكالسيوم.
عدل الباحثون في نباتات الجرجير، وهي أشبه بفئران التجارب في علم النباتات، لصنع بروتين أُخذ في الأصل من قنديل البحر يضيء باللون الأحمر تحت المجهر، لجعل التجربة مرئية. ويضيء هذا المستشعر في هذه الحالة عند ارتفاع مستويات الكالسيوم، كما أنهم جعلوا بعض النباتات تفتقر إلى المستقبلات التي تشبه حمض الغلوتاميك، ليلاحظوا أن الإشارة المضيئة كانت ضعيفة في هذه الحالة.
رد فعل مضئ وسريع للنباتات!
وتتمثل المفاجأة الحقيقية في سرعة ردة الفعل لدى النباتات، إذ تفاعلت في غضون عدة ثوانٍ، وقامت بنقل المعلومات من ورقة إلى أخرى في بضع دقائق، نظراً لوجود اتصال عبر نظام الأوعية، علماً بأن رد فعلها يعتبر أبطأ من نظامنا العصبي. وقد قال الدكتور غيلروي: "هذا ما يجب تسليط الضوء عليه بالنسبة لبيولوجيي النباتات". كما تبيّن أن النباتات قادرة على الإحساس بحجم الضرر؛ لأنه عندما يتم سحق ورقة نباتية فإن النبتة تتفاعل بكل فروعها.
وكلما تعرض الكالسيوم للمس، أنتجت النبتة حمض الجاسمونيك، وهو هرمون الدفاع والتوتر، الذي يعتقد العلماء أنه يتحول إلى جينات تنشّط بطريقة ما الدفاعات الكيميائية والفيزيائية للنباتات. فعلى سبيل المثال، يتبخر ميثيل الجاسمونيك، وهو من إنتاجات حمض الجاسمونيك، في الهواء مثل العطر برائحة الياسمين، وهي رائحة غير جذابة بالنسبة للحشرات، كما قد تعطل عملية الهضم لديها وتمنعها من العودة مرة أخرى. وقد تعزز هذه الدفاعات المادية أيضاً جدران الخلايا النباتية ما يجعلها صعبة الأكل.
وقد قال تيد فارمر، وهو عالم نباتات في جامعة لوزان في سويسرا، الذي وصف الإشارة الكهربائية الناجمة عن جرح النباتات: "يضيف العديد من المؤلفين أجزاء أخرى إلى الأحجية بسؤالهم عن كيفية مساهمة جرح موضعي في إطلاق دفاعات واسعة الانتشار في الأوراق البعيدة داخل النبتة". ولكن، لا يزال يلفّ هذا الموضوع الكثير من الغموض. وقد قال الدكتور غيلروي: "نحن نحاول فهم الآلية التي تجعل هذا النظام يعمل بأكمله".
ما لا يعتبر غامضاً أو مفاجئاً جداً حول النباتات والحيوانات أن لكليهما المشاكل نفسها. ومثلما بإمكان البشر التعامل مع التهديدات، فإنه بإمكان النباتات القيام بذلك أيضاً. وقد قال الدكتور غيلروي: "قد تكون النباتات أفضل منا فيما يتعلق باستشعارها لبيئتها نظراً لأنها لا تمتلك خيار الوقوف والابتعاد".