تعددت الاضطرابات التي تهز الحياة السياسية في تونس، لدرجة أن البعض شبّه ما يحدث في البلاد بمسلسل "House of Cards" الشمال إفريقي. مؤخراً، تم طرد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد ، الذي يتولى رئاسة الحكومة منذ سنتين، من حزبه من قِبل الهيئة السياسية للحزب.
ومنذ شهر مايو/أيار 2018، خاض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد حرباً على عدة جبهات ضد المدير التنفيذي لحزب حركة نداء تونس، حافظ قايد السبسي، حيث اتهمه "الشاهد"، خلال حوار تلفزيوني، بتدمير الحزب، وفق ما نقله تقرير لصحيفة Le Point الفرنسية.
"النداء" يتهم "الشاهد" بمحاولة تأسيس حزبه الخاص
وفي يوم الجمعة 14 سبتمبر/أيلول 2018، قرر حافظ السبسي، نجل الرئيس التونسي، في أثناء وجوده بمقر حزب حركة نداء تونس، تجميد عضوية "الشاهد"، وإحالته إلى لجنة النظام الداخلي في الحزب. والغريب في الأمر أن يقوم الحزب الحاكم بتجميد عضوية أحد أهم أعضائه، الذي يشغل منصب رئيس الحكومة التونسية. ولكن هذه الأزمة تعكس حقيقة الوضع السياسي المتدهور، الذي يعرقل تقدُّم البلاد.
خلال الأسبوع الماضي، قدَّم حزب حركة نداء تونس لرئيس الحكومة بياناً احتوى على عدة مطالب، من أبرزها إعلان أنه ليس بصدد إطلاق مشروع سياسي خاص. وردّاً على ذلك البيان، التزم "الشاهد" الصمت ولم يعلق. وقد تسبب صمت "الشاهد" في إثارة غضب بعض قيادات الحركة، حيث أكد أحدهم أن "الشاهد" أسس حزب الوفاق الوطني، ومقره في منطقة البحيرة بتونس العاصمة، وتحديداً على بُعد أمتار من الحي الذي يقع فيه مقر حزب حركة نداء تونس.
ومؤخراً، أعلن العديد من النواب انسحابهم من الكتلة البرلمانية لحركة نداء تونس والالتحاق بالتيار الجديد في مجلس النواب. ومن بين هؤلاء، زهرة إدريس ومنصف سلامي، وهما من الشخصيات التي لها وزن سياسي بالحركة. وفي الحقيقة، يبدو أن هؤلاء الأعضاء موالون لاتجاه "الشاهد" الجديد، بيد أنهم لم يعلنوا عن ذلك بصفة رسمية.
وإبرام صفقة مع الإسلاميين
في قصر الحكومة بالقصبة، حيث يجتمع المحيطون برئيس الحكومة، تتم مراقبة الوضع بهدوء. وقد ذكر المتحدث الرسمي باسم الحكومة، إياد الدهماني، أن "نداء تونس" اليوم ليس ذلك الحزب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2014. ومن المؤكد أن الأزمة التي يمر بها "نداء تونس" حالياً، تتسبب في إثارة قلق الرأي العام التونسي.
وقد جسَّد انخفاض عدد أعضاء البرلمان، التابعين لحركة نداء تونس، من 86 إلى 40 عضواً، هذه الأزمة بصورة جلية. وأسهم ذلك في استعادة حزب حركة النهضة الإسلامي الأغلبية في البرلمان. ويبلغ الآن عدد أعضاء الكتلة البرلمانية، التابعة لحركة النهضة، 68 عضواً.
ومنذ فترة، انتشرت شائعات داخل حزب حركة نداء تونس، تفيد بأن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أبرم صفقة مع الإسلاميين، ووعدهم بتأسيس حزب جديد، سيمثّله في البرلمان الحالي نحو 55 نائباً على الأقل، وهو ما يسهم، بالطبع، في تغيير موازين القوى داخل البرلمان. نتيجة لذلك، سيكون هناك أغلبية جديدة بمجلس نواب الشعب، تساوي ما لا يقل عن 109 نواب من مجموع 217، ما يدفع بـ"نداء تونس" إلى أن يصبح حزباً معارضاً.
وهي الاتهامات التي نفاها رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد
وخلال الأسبوع الماضي، تم تكذيب الشائعات كافة التي تتعلق بتأسيس رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد حزباً خاصاً به، وكذلك شائعة عقد "الشاهد" اتفاقاً مع حزب حركة النهضة. وعلى الرغم من العداوة التي يكنّها له حزب حركة نداء تونس والجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل، ظل "الشاهد" محافظاً على ثقته بنفسه. ويدرك المحيطون به جيداً أن "كل مشاريع القوانين تم التصويت عليها"، إلا أنهم أعلنوا احتجاجهم أمام رئيس مجلس نواب الشعب، زاعمين أن "قرابة 90 مشروع قانون ما زالت مجمدة".
وفي ظل غياب أغلبية مؤيدة له بالحزب، تم تجميد عضوية "الشاهد"؛ وهو ما دفعه إلى استقطاب المؤيدين له. ومع وضعية "الشاهد" الجديدة في الحزب، والذي يعتبر شبه مفصول منه، بدأ رئيس الحكومة التفكير في مستقبله الخاص وتأسيس حركة خاصة به. لكنه لا يخوض في هذا الموضوع كثيراً في الوقت الحاضر؛ بسبب انشغاله بقانون المالية لعام 2019، الذي يوليه أولوية قصوى. ومن المقرر أن يعرض "الشاهد" هذا القانون على البرلمان في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
كل هذا يقع والرئيس قايد السبسي يلتزم الصمت!
أما بالنسبة لرئاسة الجمهورية، فما زال الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، يتريث قبل تدخُّله بصورة علنية. وخلال يوليو/تموز 2018، وضع السبسي رئيسَ الحكومة، يوسف الشاهد، أمام خيارين؛ "إما الاستقالة وإما الذهاب إلى البرلمان لطلب تجديد الثقة بحكومته". ومن جانبه، التزم رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الصمت أمام طلب رئيس الجمهورية، وهو ما يؤكد أن رئاسة الجمهورية يجب أن تتدخل بصورة أكثر "قوة".
رغم الوضع السياسي والاقتصادي المقلق الذي تعيشه تونس
وقبل عام من تنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة، ما زال الوضع السياسي في تونس محفوفاً بالمخاطر. أما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي بالبلاد، والذي لا يبشر بخير، حيث يغرق الاقتصاد التونسي في عدة أزمات، لعل أبرزها انهيار قيمة الدينار التونسي وشبه عجز في الميزان التجاري وارتفاع نسبة البطالة، بالإضافة إلى أن حالة انعدام الاستقرار السياسي تعرقل أي محاولة للقيام بإصلاحات جذرية.
في الحقيقة، قدّم "نداء تونس" خدمة جليلة لـ"الشاهد" بتجميد عضويته، حيث يظهر للجميع أن "الشاهد" لم يسعَ لمغادرة حزبه؛ بل إن الحزب هو من فرَّط فيه، وهو ما ذكره "الشاهد" بنفسه صبيحة يوم السبت 15 سبتمبر/أيلول 2018، وقد كان مبتسماً، ولم يعلق بعدها على تلك الخطوة.