محافظة إدلب تمثل قلب الاستراتيجية التركية في سوريا، وسقوطها المحتمل سيكون له تداعيات على الداخل التركي. تلك هي الحقيقة التي تدفع أنقرة لمطالبة المجتمع الدولي بمنع سوريا من شن هجوم على إدلب، آخر معاقل المعارضة في سوريا. بينما تحتشد القوات الحكومية السورية لتنفيذ هجوم محتمل على المحافظة.
لكن لماذا تكتسب إدلب كل هذه الأهمية بالنسبة لتركيا؟ ولماذا تتحرك بزخم لم تفعله مع محافظات مدن أكبر وتبدو أهم؟
أولا تخشى تركيا المخاطر الإنسانية والأمنية الكبيرة من سقوط إدلب
"إن اعتداءات النظام سوف تؤدي إلى تعرض تركيا وبقية أنحاء أوروبا إلى مخاطر إنسانية وأمنية خطيرة"، هكذا حذر أردوغان في مقال نشرته صحيفة Wall Street Journal الأميركية يوم الإثنين، مضيفاً: "إن تبعات التراخي وخيمة".
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يوم الثلاثاء، في رومانيا، حيث عقد محادثات مع نظيريه الروماني والبولندي: "أدعو الجميع لرفع أصواتهم اعتراضاً على اعتداءات النظام السوري، والتوصل إلى حل سلمي". وجاءت تعليقاته استجابة للتعليقات الأخيرة الصادرة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقد حذر رئيس الوكالة الأممية للمساعدات الإنسانية مارك لوكوك من إمكانية أن يؤدي الاعتداء البري على إدلب إلى أكبر عدد من الخسائر البشرية يشهدها هذا القرن.
وتخشى أنقرة من الخروج الجماعي للاجئين من معقل إدلب المجاور. وتستضيف تركيا بالفعل أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، حيث يحذر أردوغان من أن بلاده لا تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين.
ويعد أكثر من نصف اللاجئين في إدلب نازحين من أجزاء أخرى من سوريا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة. وتتهم سوريا، التي تحظى بدعم روسيا، العديد من أفراد المعارضة بالانتماء للجماعات الإرهابية.
وسقوطها يعني خسارة ورقة ضغط مهمة على دمشق
أنقرة هي واحدة من العواصم التي تدعم قوات المعارضة التي تقاتل الحكومة السورية، بما في ذلك الجماعات المتمركزة في معقل إدلب. ويذكر محللون أنه إلى جانب المخاوف الإنسانية، فإن بقاء إدلب كقاعدة للمعارضة أمر ضروري للحفاظ على الأهداف الاستراتيجية الأوسع نطاقاً لأنقرة في سوريا.
وقالت المحللة السياسية أتيلا يسيلادا من مؤسسة Global Source Partners: "تحتاج تركيا إلى السيطرة على أحد أجزاء سوريا وفرض تهديد على الرئيس السوري بشار الأسد وإجباره على قبول اتفاقية السلام التي يتم بموجبها عودة اللاجئين من تركيا"، وفقا لموقع voanews الأميركي.
ويعد الاحتفاظ بأجزاء من إدلب وعفرين والباب عنصراً هاماً من هذه الخطة".
كما أن سقوطها سيهدد القوات التركية في الشمال السوري
وخلال الشهور الـ18 الأخيرة، سيطرت جماعات المعارضة التي تتزعمها تركيا على منطقتي عفرين والباب. وقد بررت أنقرة العمليات الحدودية للتعامل مع الخطر المزدوج لجماعة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومقاتلي حزب العمال الكردستاني. ويشن حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية، حركة عصيان جنوبي شرق تركيا من أجل حصول الأكراد على المزيد من الحقوق.
ومع ذلك، تخشى أنقرة أنه في حالة سقوط إدلب في قبضة القوات الحكومية السورية، فإن التواجد العسكري الأوسع نطاقاً لتركيا في سوريا سوف يكون على مقربة من دمشق، بحسب ما ذكره المحللون.
وعندها يصبح الصدام وشيكاً بين أنقرة ودمشق
ونقل موقع voanews الأميركي عن الدبلوماسي التركي السابق أيدن سلسن أنه "إذا ما قام بشار الأسد بتوطيد نفوذه في أنحاء سوريا، باستثناء تلك المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، فإن هذا يعني أننا نوشك على الصدام مع دمشق".
وأضاف: "ما ذكرته أنقرة حول مبررات عمليات تركيا العسكرية في سوريا يتمثل في إبعاد حزب العمال الكردستاني عن الحدود التركية. ويتمثل الهدف غير المعلن في إبعاد الأسد عن الحدود التركية".
ونظراً للدعم الكبير الذي يقدمه أردوغان للمعارضة السورية والتزامه بإسقاط الزعيم السوري، تخشى أنقرة من أن ينزع الأسد إلى الانتقام من تركيا. ففي الماضي، سمحت دمشق لحزب العمال الكردستاني باستغلال سوريا كقاعدة لشن هجمات على تركيا.
واستضاف حافظ الأسد، والد بشار، عبد أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا إرهابيا لمدة 13 عاماً قبل أن يطرده عام 1999 بسبب التهديدات التركية ليقع بعد ذلك في قبضة انقرة.
وقال سنان أولغن، رئيس معهد بحوث إيدام في تركيا: "يتمثل الهدف النهائي لتركيا في أن تظل تلك المناطق السورية المجاورة خاضعة لسيطرة العناصر الموالية لتركيا حتى لا تتعرض لأي تهديد أمني".
والحرب ستكون ضد نظام يحظى بدعم روسيا حتى النهاية
تواصل التعزيزات العسكرية التركية الاحتشاد على امتداد حدود إدلب، حيث تنتشر المدفعية طويلة المدى التي يبلغ مداها 40 كيلومتراً (25 ميلا). وتشير التقارير المحلية إلى دخول بعض القوات العسكرية إلى سوريا لدعم 12 مركز مراقبة تركية في أنحاء المعقل.
وقال سلسن: "تستطيع تركيا مقاومة نظام الأسد إلى حد كبير. وتستطيع تركيا التعامل مع الأسد. ويمكن الدفاع عن إدلب في وجه النظام ".
فيما تساءل سولي أوزيل، خبير العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس باسطنبول: كيف تواجه تركيا الحرب ضد النظام السوري، إذا كان النظام السوري يحظى بدعم الروس حتى النهاية، وكان الروس يسيطرون على المجال الجوي؟".
وتقوم الطائرات الحربية الروسية بقصف المعارضة في أنحاء إدلب، وهو القصف الذي من المتوقع أن تتزايد حدته قبيل الهجوم المتوقع.
وخلال الشهور الـ18 الماضية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى وراء تقوية علاقته بأردوغان، ما أثار قلق حلفاء تركيا بحلف الناتو.
ومن الأرجح أن أنقرة ترى أن موسكو سوف تتوخى الحذر لتجنب أي مواجهات معها في سوريا.
وقال سلسن: "لا يمكننا تصور أن تقوم روسيا بقصف التواجد العسكري لتركيا في إدلب".
ومن هنا يبدو أردوغان على استعداد للقيام بمغامرة خطيرة
ويشير محللون إلى إمكانية مشاركة أردوغان في مقامرة عالية المخاطر، فحواها أن موسكو ودمشق ليستا مستعدين للصدام مع تركيا وسوف يسعيان وراء التوصل إلى تسوية دبلوماسية في اللحظة الأخيرة بشأن إدلب.
وفي الأسبوع الماضي، التقى أردوغان ببوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني خلال قمة ثلاثية انعقدت في طهران. ويبدو أن المحادثات قد انتهت إلى طريق مسدود بشأن جهود تفادي النزاع في إدلب. وتقوم طهران أيضاً بدعم دمشق خلال حربها الأهلية على مدار سبع سنوات.
وصرَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب زيارته لإيران، بأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام الهجوم الذي يهدد إدلب. وأكد الرئيس التركي أنه "في الوقت الراهن، يوجد في إدلب أفراد من المعارضة المعتدلة، الذين تم في وقت سابق إجلاؤهم من حلب ومن الغوطة الشرقية. لقد أعلنا في عدة مناسبات رفضنا تنفيذ عمليات عسكرية ضد المدنيين، بحجة محاربة جبهة النصرة، لا سيما أن ذلك قد تترتب عليه أزمة إنسانية كبيرة".
كما اتخذ جميع التدابير لمنع هجوم قوات النظام وحلفائه
خطر المواجهة بين روسيا وتركيا، يتفاقم كلما بادرت موسكو وطهران ودمشق باتخاذ إجراءات صارمة تجاه إدلب السورية، حسبما يرى ويعتقد الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.
ونقلت صحيفة Nizavismaya الروسية، عّن سيمينوف، أن تركيا قد اتَّخذت جميع التدابير لمنع هجوم محتمل من طرف قوات النظام وحلفائه.
واتخذت أنقرة الإجراءات المتوقعة، في ظل التهديدات التي تحوم حول مراكز المراقبة التركية الموجودة على طول محيط منطقة خفض التصعيد، وذلك للتصدي لأي هجوم مرتقب من قبل القوات الحكومية السورية.
وفي محاولة لتجنُّب المخاطر المحتملة التي قد تطال جنودها، قامت تركيا بتعزيز وحداتها في محافظة إدلب، الأمر الذي سيخلق عقبات إضافية في وجه العمليات الهجومية التي يعتزم النظام السوري تنفيذها.
وفي حال استخدمت تركيا القوات الجوية، سيمكنها ذلك من تحقيق الفوز، في هذه الحالة، لا يستبعد سيمينوف أن يتكرر سيناريو المواجهة بين موسكو وأنقرة سنة 2015، على خلفية إسقاط طائرة روسية من طراز سو 24، من قبل جنود أتراك.
والأمر يتوقف على قرار موسكو وطريقة تصرفها مع الأسد
مستقبل إدلب يتوقف على مقدار الضغوط التي يمكن أن تمارسها روسيا على الأسد']ولكن روسيا في الوقت ذاته لا ترغب في تصعيد الخلافات مع تركيا، الأمر الذي قد يدفعها لكبح جماح دمشق، وذلك وفقاً لما أشار إليه سيمينوف.
في وقت سابق، وافقت أنقرة على العديد من العمليات التي شهدتها بعض مناطق وقف التصعيد، بما في ذلك إخراج عناصر من المعارضة من الغوطة الشرقية ومحافظة حمص. ولكن، في الوقت الراهن، ترى تركيا أنه من غير الممكن تغيير الاتفاقيات السابقة بشأن إدلب، لا سيما أن ذلك من شأنه أن ينتهك جميع اتفاقيات وقف التصعيد.