قال محللون إنَّ قرار الإدارة الأميركية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، هو محاولة أخرى لمحو القضية الفلسطينية، وقال موقع Middle East Eye البريطاني، وفقاً لمحللين، إن إعلان يوم الإثنين بإغلاق المكتب يعد أحدث السياسات العدوانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الفلسطينيين.
وأكد على أنَّ إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية جاء رداً على لجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكاتٍ إسرائيلية.
وأعلنت الإدارة الأميركية، الإثنين 10 سبتمبر/أيلول 2018، أنها أبلغت الفلسطينيين رسمياً بأنها ستغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وأكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن الإدارة الأميركية أبلغت الفلسطينيين "رسمياً" بأنها ستغلق بعثتهم الدبلوماسية في واشنطن، بسبب مواصلتهم "العمل مع المحكمة الجنائية الدولية" ضد إسرائيل.
واعتبر عريقات أن القرار "صفعة جديدة من إدارة الرئيس ترمب ضد السلام والعدالة".
وأضاف: "ليس ذلك فحسب، بل تقوم الإدارة الأميركية بابتزاز المحكمة الجنائية الدولية أيضاً، وتهدد هذا المنبر القانوني الجنائي العالمي الذي يعمل من أجل تحقيق العدالة الدولية".
وأعلن ترمب، الخميس، أنه لن يمنح الفلسطينيين "أي مساعدات حتى عودتهم إلى مفاوضات السلام".
إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن ليس الأول بل سبقه نقل السفارة الأميركية ووقف تمويل الأونروا
ومنذ وصول ترمب إلى منصبه عام 2017، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأعلن المدينة المقدسة عاصمةً لإسرائيل، وسحب الولايات المتحدة من الهيئة الثقافية التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، متهماً إياها بـ "الانحياز ضد إسرائيل"، وانسحب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بسبب انتقاده لسياساتٍ إسرائيلية، وقطع تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وعلقت واشنطن أيضاً 25 مليون دولار من المساعدات لمستشفيات تخدم الفلسطينيين في القدس الشرقية، التي ضمَّتها إسرائيل بشكلٍ غير قانوني عام 1982.
وقال عمر بدار، نائب مدير المعهد العربي الأميركي، لموقع Middle East Eye البريطاني: "هذا استمرار للسياسة القائمة في إدارة ترمب، التي دأبت على ضرب الفلسطينيين بفاعلية ليخضعوا لرغبات إسرائيل".
ورغم الموقف من منظمة التحرير، ما زالت واشنطن تصرّ على تقديم نفسها وسيطاً للسلام
أكدت وزارة الخارجية الأميركية في إعلانها عن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، أنَّ واشنطن لا تتخلى بهذا عن دورها كوسيط للسلام.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت في بيانٍ صحافي: "لا تزال الولايات المتحدة تعتقد أنَّ المفاوضات المباشرة بين الطرفين هي الطريق الوحيد للتقدم".
وقالت نويرت: "لا ينبغي استغلال هذا الموقف من قبل أولئك الذين يسعون إلى العمل كمفسدين، لصرف الانتباه عن ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام. إنَّنا لا نتراجع عن جهودنا لتحقيق سلام دائم وشامل".
ووصف بدار هذا التأكيد بأنَّه اقتراح "مضحك وسخيف".
وقال لموقع Middle East Eye: "فكرة أنَّ إدارة ترمب منخرطة في أي نوع مما يسمى بجهود السلام هي فكرة غير معقولة".
وأضاف بدار أنَّ سياسات ترمب تهدف إلى إعطاء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صلاحيةً لتفعل ما يحلو لها.
وتابع: "يمكن أن يسموا ذلك اتفاق سلام، لكنَّ تلك مجرد تسمية مغلوطة. فهم يستخدمون كلمات منفصلة عن الحقيقة".
وقالت عضوة الكونغرس ديبي دينغل، وهي ديمقراطية من ميشيغان تضم دائرتها جالية عربية كبيرة، إنَّ إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية يقوّض عملية السلام، ويجعل من الصعب على واشنطن الانخراط في أي مساعٍ دبلوماسية مع الفلسطينيين.
وقالت دينغل في بيانٍ صحافي: "ينبغي أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل وقطع المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين، كل هذا يزيد التوترات ويجعل من الصعب معالجة جذور أسباب النزاع".
وأدان السيناتور الأميركي باتريك ليهي هو الآخر هذا القرار، ووصفه بأنَّه "خطوة غير ضرورية واستفزازية" ضد الفلسطينيين.
وقال ليهي في بيانٍ صحافي: "فرض إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، يجعل الأمور أسوأ بقطعه واحدةً من القنوات الرسمية القليلة للتواصل مع الفلسطينيين".
وأضاف ليهي: "قطع الولايات المتحدة الدعم عن مستشفى القدس الشرقية يعني أنَّ آلافاً من المرضى، لا سيما الأطفال، الذين يعتمدون عليها للرعاية سوف يتعرضون للخطر. تلك هي خطوات إدارة فشلت في الدبلوماسية".
وفي الوقت نفسه حاول ترمب الترويج بقدرته على حل الصراع العربي الإسرائيلي
حيث تعهد ترمب بالنجاح فيما فشل فيه سابقوه، في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لكنَّ مقترحه للسلام، المُسمَّى بـ "صفقة القرن"، رفضه الفلسطينيون حتى قبل الإعلان عنه رسمياً.
وقيل إنَّ هذه الخطة تعرض على الفلسطينيين حكومةً مؤقتة دون القدس، بينما تُبقي على المستوطنات الإسرائيلية الكبرى المنتشرة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وقال مسؤول فلسطيني لموقع Middle East Eye: "تدعو هذه الخطة لإقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة في نصف الضفة الغربية وقطاع غزة من دون القدس، وتدعو لحلول إنسانية لقضية اللاجئين".
وإلى جانب نقل السفارة إلى القدس، لم تستنكر إدارة ترمب التوسع الاستيطاني الذي ينتهك القانون الدولي.
وقالت تمارا خروب، المساعدة التنفيذية لمدير المركز العربي في العاصمة واشنطن، إنَّ إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية محاولة أخرى من البيت الأبيض "لابتزاز" الفلسطينيين لقبول خطة سلام ترمب.
وقالت خروب في بيانٍ صحافي: "تجمّدت العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإدارة ترمب منذ إعلان القدس، لكنَّ أهمية هذه الخطوة تكمن في تصعيد الهجمات والعقاب الجماعي ضد الفلسطينيين".
وأضافت خروب: "خسرت إدارة ترمب باتخاذها خطوةً أخرى مؤيدة لإسرائيل ما تبقى من مصداقيتها بوصفها وسيطاً أو قائداً لعملية السلام".
كان ترمب قد تفاخر بإزاحة مسألة القدس خارج طاولة المفاوضات من خلال نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، على الرغم من تأكيد المسؤولين الفلسطينيين والزعماء العرب على أنَّ السلام غير ممكن دون التعامل مع وضع القدس.
وبالمثل، تحاول واشنطن تغيير تعريف اللاجئين الفلسطينيين في مسعى لطرح حق العودة بعيداً عن المفاوضات.
وكان أكثر من 700 ألف فلسطيني قد أجبروا على ترك منازلهم في الأحداث التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. ويعيش الناجون وذريتهم في مخيمات في البلدان العربية المجاورة والضفة الغربية وغزة.
وقال بدار: "الرسالة الموجهة للفلسطينيين هي ببساطة أنَّهم ليسوا مساوين لإسرائيل، وأنَّهم لا ينبغي لهم السعي وراء أي نوع من المحاسبة، وأنَّ إسرائيل فوق القانون".
وأضاف: "ومن نافلة القول إنَّ هذه الخطوة تبعدنا أكثر عن احتمالية السلام".
ومع ذلك، فإنَّ بدار يتوقع أنَّ تنمُّر ترمب على الفلسطينيين لن يفيد، على الرغم من تسببه في صعوباتٍ ضخمة للاجئين.
وقال بدار: "في نهاية المطاف، لا يمكن محو شعب من خلال قطع تمويل هذا الشعب".
وبخصوص المحكمة الجنائية الدولية، تحاول واشنطن الانفصال عن المؤسسات الدولية
وهدّد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، يوم الإثنين، بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في حال مقاضاتهم الولايات المتحدة أو إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
تعكس الهجمات على المحكمة الجنائية الدولية اتجاهاً أوسع في البيت الأبيض للانفصال عن المؤسسات الدولية يسلكه ترمب، والحجة عادةً هي الممارسات المناهضة لإسرائيل.
ويُعرَف بولتون، الذي هدد المحكمة بفرض عقوباتٍ يوم الإثنين، باستخفافه بالأمم المتحدة، حيث عمل سفيراً للولايات المتحدة في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن. وقال بولتون، عام 1994 إنَّ مبنى الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك "لو حُذِفَت منه عشرة طوابق، فلن يحدثُ الأمر فارقاً كبيراً".
وأدانت الجماعات الحقوقية تحذيرات بولتون للمحكمة الجنائية الدولية.
إذ قال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش، في تغريدةٍ على تويتر: "يستدل ترمب بطلب الفلسطينيين تحقيق المحكمة الجنائية الدولية مع إسرائيل بأنَّه أحد أسباب إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وبالنظر إلى غياب أي تحقيقات ذاتية فعلية في إسرائيل، فالأمر كما لو أنَّ ترمب يقترح أنَّ إسرائيل فوق القانون".
وقالت منظمة العفو الدولية، إنَّ التهديدات ضد المحكمة تعد هجوماً على ملايين الضحايا والناجين من جرائم الحرب.
وقال أدوتي أكيوي، نائب مدير الدفاع والعلاقات الحكومية بمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، في بيانٍ صحافي: "تحاكم المحكمة الدولية في أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان. واستئناف الهجمات ضد المحكمة يرسل إشارة خطيرةً بأنَّ الولايات المتحدة معادية لحقوق الإنسان وسيادة القانون".