اعتبرت الأمم المتحدة، الأحد 9 سبتمبر/أيلول 2018، أن إصدار محكمة مصرية 75 حكماً بالإعدام في محاكمة جماعية شملت مئات آخرين، لم يستند إلى محاكمة عادلة، ويجب أن يُلغَى تجنباً "لإخفاق للعدالة لا رجعة فيه"، وهو ما "استنكرته" القاهرة بشدة، متهِمة المنظمة بالابتعاد عن الموضوعية.
وأعربت ميشيل باشليه، الرئيسة الجديدة لمفوضية حقوق الإنسان، عن "قلقها البالغ" حيال تأكيد محكمة جنايات مصرية حكماً بإعدام 75 متهماً، السبت، في إحدى أكبر المحاكمات الجماعية منذ انتفاضة عام 2011.
مصر منزعجة وتُدين بأشد العبارات
وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن مصر "تُدين وتستنكر بأشد العبارات، البيان الصادر عن ميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بشأن الأحكام الصادرة يوم 8 سبتمبر/أيلول الجاري عن محكمة جنايات القاهرة، فيما يتعلق بقضية غرفة عمليات رابعة، وتعتبرها بداية غير موفقة للمفوضة الجديدة في ممارسة مهام عملها، حادت من خلالها عن معايير الموضوعية والمهنية وصلاحيات منصبها الأممي".
وأضافت الوزارة أن مصر "ترفض كل ما ورد في البيان من ادعاءات مباشرة أو غير مباشرة، تمس نزاهة القضاء المصري، والانسياق وراء أكاذيب جماعة الإخوان الإرهابية، مغفلة تاريخها في ممارسة الإرهاب وقتل المواطنين الأبرياء وأعضاء سلطات إنفاذ القانون، واتهام السلطات المصرية بممارسة القمع ضدها في أحداث فض اعتصام رابعة المسلح، مع الاستهانة بخطورة الجرائم المنسوبة للمتهمين، الأمر الذي يؤشر إلى استمرار المفوضة السامية لحقوق الإنسان في اتباع نفس المنهج المعتاد، من حيث تجاوز صلاحيات المنصب، والتشدق بعبارات وشعارات غير منضبطة، وإصدار أحكام تتعلق بالنظم القانونية والقضائية خارج صلاحيات المنصب الوظيفي، دون امتلاك الولاية أو التخصص".
وأكدت "التزام السلطات القضائية (المصرية) الكامل بسيادة القانون، وتوفير الضمانات الكاملة لأي متهم لممارسة حقه في الدفاع عن نفسه، والاستماع للشهود ومعاينة الأدلة وغيرها من الإجراءات واجبة الاتباع. وعليه، فإن إصدار المفوضة السامية حكماً مطلقاً بافتقار هذه الأحكام للعدالة يعد تجاوزاً غير مقبول في حق النظام القضائي المصري والقائمين عليه".
الأمم المتحدة تُحذِّر
وحذّرت باشليه، في بيان، من أن "التجاهل الواضح للحقوق الأساسية للمتهمين يثير شكوكاً جدية حول إدانة كل هؤلاء المدانين".
وحضَّت باشليه، التي تولت منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قبل أقل من أسبوع، محكمة النقض المصرية على "إعادة النظر في هذا الحكم، وأن تكفل احترام المعايير الدولية للعدالة".
وكان المحكومون الـ75 بالإعدام من أنصار الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي ضمن 739 آخرين متهمين بالقتل ومقاومة قوات الأمن أثناء فض اعتصامهم في القاهرة في 14 أغسطس/آب 2013.
وأضافت: "تمت محاكمة 739 شخصاً بشكل جماعي، ولم يُسمح لهم بتمثيل قانوني فردي أمام المحكمة".
وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، لم يُمنح المتهمون الحق في تقديم أدلة في دفاعهم، ولم يقدم الادعاء أدلة كافية تثبت ذنب كل شخص".
وفي ضوء هذا، حذرت من أن "الـ75 حكماً بالإعدام التي تم إصدارها أمس (السبت)، إذا تم تنفيذها، فإنها ستمثل إخفاقاً فادحاً ولا رجعة فيه للعدالة".
"تناقُض صارخ" في العقوبات
وبالإضافة إلى أحكام الإعدام، صدرت أحكام بالسجن المؤبد بحق 47 شخصاً، فيما صدرت أحكام متفاوتة على مئات آخرين أقلها كان السجن 5 سنوات.
وضمن الذين شملتهم الأحكام، المصور الصحافي الحائز عدداً من الجوائز محمود أبوزيد المعروف باسم "شوكان"، المحكوم بالسجن خمس سنوات والخضوع لمراقبة شرطية لمدة مماثلة.
لكنه سيخرج من السجن "خلال أيام"، حسب ما أفاد محاميه كريم عبدالراضي (وكالة الأنباء الفرنسية)؛ لأنه أمضى بالفعل مدة العقوبة منذ توقيفه.
ويعد 14 أغسطس/آب 2013، أحد أكثر الأيام دموية في تاريخ مصر الحديث، فبعد شهر تقريباً من إطاحة مرسي، فرّقت الشرطة اعتصاماً كبيراً لأنصاره الإسلاميين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة.
وقالت الأمم المتحدة إن حملة القمع العسكرية "يعتقد أنها أدت إلى مقتل ما يصل إلى 900 شخص، معظمهم من المحتجين العزل، على يد عناصر قوات الأمن المصرية".
ورغم العدد الكبير للقتلى، أشارت الأمم المتحدة إلى أنه لم يتم توجيه أي تهمة لعناصر الأمن في هذه الحادثة.
ولفتت باشليه إلى التناقض الصارخ بين العديد من المحاكمات الجماعية مذاك، والقانون الذي تم إقراره في يوليو/تموز الفائت ويمنح فعلياً إفلاتاً تاماً من العقاب لعناصر الأمن فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في الفترة التي أعقبت الإطاحة بمرسي في 3 يوليو/تموز 2013.
وأكدت: "يجب تطبيق العدالة على الجميع، لا ينبغي لأحد أن يكون في مأمن" من العقاب.
وحذّرت المفوضة السامية من أن "محاولات منح الحصانة لمنع الملاحقة القضائية عن الجرائم المفترضة التي يرتكبها عناصر قوات الأمن من شأنه أن يعزِّز الإفلات من العقاب".