أعلن المستشفى الميداني بالعاصمة الليبية طرابلس، مقتل 61 شخصاً وإصابة 159 آخرين، وتسجيل 12 مفقوداً، حتى مساء الثلاثاء، جراء الاشتباكات المسلحة لليوم العاشر توالياً، في ضواحي المدينة الواقعة غربي البلاد.
وأدَّت الاشتباكات بين عدد من الكتائب أبرزها "اللواء السابع" المعروف باسم "الكانيات" أو كتيبة الكاني، نسبة إلى أحد قادتها محمد الكاني من مدينة ترهونة جنوبي طرابلس من جهة، وكل من "الأمن المركزي أبوسليم" وكتيبة "ثوار طرابلس" لتنضم إليهم في وقت لاحق "قوة الردع الخاصة" من جهة أخرى.
واندلعت المواجهات حين حاول اللواء السابع قادماً من ترهونة والمنحل بقرار المجلس الرئاسي قبل أربعة أشهر، حاول دخول العاصمة من الجهة الجنوبية ناحية منطقة قصر بن غشير، معلناً سيطرته على معسكر اليرموك، بعد قتال مع كتائب تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، بغية ما وصفه بـ "تطهير طرابلس من فساد الميليشيات".
أصدرت حكومة الوفاق بدورها الأوامر إلى قوات من مدينتي مصراتة (المنطقة العسكرية الوسطى)، والزنتان (المنطقة العسكرية الغربية) لاحتواء الموقف وإعادة السيطرة على جنوبي طرابلس، وطرد اللواء السابع "المعتدي" المدعوم من مقاتلين وميليشيات من ترهونة، على رأسها اللواء 22 ترهونة، بقيادة عمران علي فرج، الموالي للجنرال حفتر، كما أكدت مصادر صحفية من المنطقة لـ "عربي بوست".
المصادر أكدت أيضاً أن اللواء 22 يضم ضباطاً وجنوداً من النظام السابق، وضباطاً وجنوداً مؤيدين لثورة 17 فبراير/شباط، ومقاتلين مؤيدين لقائد قوات البرلمان شرقاً خليفة حفتر، فضلاً عن تأييد قبلي من مدينة ترهونة، رافعاً شعار محاربة الفساد الذي تسبَّبت به الكتائب العسكرية المختلفة في طرابلس.
القوات المدافعة
حكومة الوفاق المتحالفة مع عدد من كتائب طرابلس استنفرت قواتها المتمثلة في كل من كتيبة "ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري، التي سبق لها إخراج اللواء السابع من العاصمة فيما عرف بحرب المطار قبل ثلاثة أعوام.
كتيبة ثوار طرابلس
وكتيبة ثوار طرابلس هي واحدة من أكثر الميليشيات تأثيراً في المدينة.
يُعتَقَد أن المجموعة تسيطر على مناطق كبيرة من العاصمة وتنتسب ظاهرياً إلى حكومة الوفاق الوطني. في أواخر عام 2017، استولت على منطقة ورشفانة في ضواحي طرابلس الجنوبية، لتبقي على سيطرتها على الإقليم ضد الميليشيات الأخرى التي تتسلَّل إلى المدينة. وصُوِّرَت هذه الخطوة على أنها مكسبٌ إقليمي للمجلس الرئاسي.
في يوليو/تموز 2018، احتجز ثوار طرابلس عضو المجلس الرئاسي فتحي المجبري فترة قصيرة؛ للاشتباه في تعاطفه مع السلطات المُنافِسة بشرقي ليبيا.
تورَّطت المجموعة في معارك مُتكرِّرة لطرد الميليشيات التي جاءت من خارج المدينة لتجري عملياتها داخلها، مثلما جرى في مناوشات العام الماضي (2017) بين الكتائب الأربع الرئيسية في طرابلس، والقوات الوطنية المتنقلة ذات الأغلبية الأمازيغية المرتبطة بمصراتة.
كتيبة النواصي
إضافة إلى كتيبة النواصي أو القوة الثامنة، بقيادة مصطفى قدور، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق والمسيطرة على منطقة سوق الجمعة، انتشرت الكتيبة سابقاً حول مطار مدينة معيتيقة؛ لاشتباهها في حدوث هجوم وشيك على المنطقة تُدشِّنه ميليشيا منافسة.
ويُشتَبَه في أنها وراء اختطاف مدير الشؤون المالية بالمؤسسة الليبية للاستثمار في أواخر يوليو/تموز 2018.
وفي مايو/أيار 2017، نشرت الكتيبة الدبابات في شوارع العاصمة؛ احتجاجاً على اعتراف محمد سيالة، وزير خارجية حكومة الوفاق الوطني، بالمشير خليفة حفتر، الشخصية الميدانية المنافسة في الشرق، قائداً للقوات الليبية المسلحة.
قوات الردع الخاصة
قوات الردع الخاصة التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني، والمعروفة أيضاً باسم "ردع"، هي ميليشيا أخرى تبيَّن أن أفعالها مثيرة للجدل.
في يوليو/تموز 2018، أطلقت سراح الصحافيين الذين احتجزتهم شهرين في قاعدة معيتيقة الجوية لاستجوابهم، ورفضت الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018) اتهامات منظمة العفو الدولية بانتهاكات حقوق الإنسان.
وأشار تقريرٌ شامل أجراه مشروع مسح الأسلحة الصغيرة عن ميليشيات طرابلس، ونُشِرَ في يوليو/تموز 2018، إلى أن أحد قادة "ردع" قد قال، في إطار دفاعه عن ممارسات قواته في احتجاز الأشخاص دون أمر قضائي: "لا يمكننا التصرُّف كأن الحكومة في مكانةٍ تسمح لها بإعطائنا الأوامر".
كانت الميليشيا، في ظلِّ قيادة مقاتل طرابلسي قوي آخر، وهو عبد القادر كارة، مسؤولة في البداية عن مكافحة الجريمة وتجارة المخدرات. وسعت عملياتها لاحتجاز أفراد يشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وأمر المجلس الرئاسي في مايو/أيار 2018، قوات ردع بحلِّ نفسها والانضمام إلى قوةٍ جديدة، وهي جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب. ولا يبدو إلى الآن أن قوات ردع تتمثل للأمر؛ إذ واصلت اعتقال المشتبه فيهم، ونشر تحديثات على موقع فيسبوك تحت شعارها.
الأمن المركزي أبو سليم
وتأتي القوة المعروفة بالأمن المركزي أبوسليم، أو كتيبة غنيوة، بقيادة عبدالغني الككلي، التابعة للأمن المركزي لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق على رأس القوات الموالية للمجلس الرئاسي، صحبة الكتيبة 301 القادمة من مصراتة، والمتمركزة غربي العاصمة طرابلس.
جهات أخرى في طرابلس
كتيبة البقرة
كتيبة البقرة، والمعروفة أيضاً باسم كتيبة "33 مشاة"، سُمِّيَت باسم قائدها بشير خلف الله (المسمى باسم بشير البقرة)، وانخرطت بشكلٍ مُتكرِّر في القتال بمطار وقاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس.
بعد قتالٍ عنيف في معيتيقية، خاصة ضد قوات الردع الخاصة في فبراير/شباط 2017، أمر فايز سراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، بحلِّ كتيبة البقرة، لكنها واصلت عملياتها.
اندلعت الاشتباكات بين ميليشيا البقرة، وقوة الردع الخاصة في فبراير/شباط 2017؛ بسبب الإشارة إلى صفقةٍ بين الميليشيا وتونس لإطلاق سراح وتسليم مقاتلين تونسيين مُشتَبَه في انضمامهم إلى "داعش". في الشهر السابق (أغسطس/آب 2018)، قُتِلَ 10 أشخاص في القتال بين المجموعتين.
لواء صلاح البركي
تدعم الميليشيا البرلمان السابق في طرابلس الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، والمؤتمر الوطني العام، وحكومة الإنقاذ الوطني التي نصَّبتها بنفسها، وترفض قبول سلطة المؤسسات التي توسَّطَت الأمم المتحدة في تأسيسها.
والميليشيا مرتبطةٌ بميليشيات فجر ليبيا الموالية للمؤتمر الوطني العام، وصلاح البادي، العضو السابق بالمؤتمر الوطني العام، الذي تعهَّدَ في أعقاب القتال الأخير بإرسال قواته من خارج طرابلس للتدخُّل. قاد بادي هجومَ "فجر ليبيا"؛ للحفاظ على سيطرة المؤتمر الوطني العام في طرابلس بالقوة عام 2014، وهو القتال الذي دُمِّرَ فيه مطار طرابلس الدولي تقريباً.
عادةً يتصادم لواء صلاح البركي مع قوات أبو سليم التي يقودها غنيوة.
اللواء السابع ترهونة (الكانيات)
انصب القتال الأخير في طرابلس يومي 26 و27 أغسطس/آب 2018، على قوات اللواء السابع ترهونة، التي لقبت بـ"الكانيات" على اسم قائدها محمد الكاني. وقد أتت من منطقة ترهونة، التي تبعد 60 كيلومتراً عن العاصمة من ناحية الجنوب الشرقي.
وافق ثوار طرابلس، وقوات أبو سليم، وكتيبة النواصي على وقف قتال لواء ترهونة عقب اتفاقٍ كَفَلَ انسحابها من مواقع في وسط طرابلس.
نأى المؤتمر الوطني بنفسه الآن عن المجموعة، رغم أنها سابقاً كانت تابعة للكيان الذي تدعمه الأمم المتحدة.
وفي عام 2017، أفادت تقارير بأن 8 أفراد على الأقل من أسرة واحدة قُتِلوا في هجومٍ على ترهونة.
لواء حلبوص (كتيبة 301)
ينحدر لواء حلبوص من مدينة مصراتة ذات التأثير الكبير. وفي يونيو/حزيران 2017، عَيَّنَ سراج، رئيس الوزراء المدعوم من الأمم المتحدة، قائد اللواء رئيساً لسلطاته في المنطقة العسكرية المركزية.
يرتبط اللواء بالكتيبة 301، وهي فرع من اللواء حلبوص كان تابعاً العام الماضي 28) للمجلس الرئاسي، لكن انتماءها الآن أكثر غموضاً، مثلها مثل لواء ترهونة.
وكما هو متوقع استعان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بقوة مكافحة الإرهاب التي أسسها قبل عام بقيادة محمد الزين، في مصراتة، وكذلك بقوات البنيان المرصوص التي تمثل القوة العسكرية الأكبر بالمنطقة الوسطى، بعد قضائها على تنظيم الدولة "داعش" عام 2016، في مدينة سرت 450 كلم شرقي طرابلس.
تكليفات الرئاسي قد تعقد المشهد
دخول قوتي مصراتة إلى العاصمة قد يخلط الأوراق مجدداً ويعقد الأمور أكثر، كما تحدّث الخبير العسكري سليمان بن صالح لـ "عربي بوست"، من وسط العاصمة طرابلس، وحذر من خطورة الاستعانة بقوتين عسكريتين عناصرهما من نفس المدينة "مصراتة"، لمواجهة اللواء السابع الذي يدخل في قواته كتيبة "صلاح بادي"، أحد أبرز مقاتلي مصراتة.
في الوقت عينه لا يرى بن صالح مناصاً للسراج من الاستعانة بالقوة الأكبر في المنطقة "البنيان المرصوص"، لإعادة إحكام السيطرة على العاصمة مجدداً، وإنهاء الاقتتال، خاصة مع ثقته بعدم استغلال هذه القوة العسكرية الموقف لتحقيق أي مكاسب سياسية على حساب المجلس الرئاسي.
عسكريون وخبراء رجّحوا لـ "عربي بوست" احتمالية سيطرة قوات البنيان المرصوص على العاصمة، وتوليها إدارة المؤسسات السيادية، وعلى رأسها مطار امعيتيقة في حال تمكن الرئاسي من التنسيق بين مجموعة الكتائب الموالي له مع كون احتمالية احتدام الصراع باقية، في حال تعنّت بعض القوى المحسوبة على التيار "السلفي" في التعاون مع قوات مصراتة.
تأزم الوضع الإنساني
وعلى صعيد إنساني اشتكى المستشفى الميداني بطرابلس، من صعوبة دخول عناصره مناطق الاشتباكات وتعرض سيارات الإسعاف للرماية المباشرة، مناشداً المنظمات الإنسانية، المحلية والدولية، التدخل والمساعدة في الضغط على أطراف النزاع لتجنيب جهاز الإسعاف المخاطر التي تواجهه، باعتباره جهة محايدة لجميع الأطراف.
وكان المتحدث باسم جهاز الطوارئ والإسعاف التابع لوزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني أسامة علي، أعلن في وقت سابق نزوح أكثر من 1400 أسرة من مناطق الاشتباك، بعد أسبوع من اندلاع المواجهات في جنوبي طرابلس، التي يقطنها قرابة 3 ملايين نسمة.
وأدَّت الاشتباكات بين الكتائب المسلحة بالعاصمة إلى حالة من الفوضى الأمنية، تسبَّبت في فرار مئات السجناء من سجني الرويمي وعين زارة جنوب شرقي طرابلس، بينهم مؤيدون للقذافي، أدينوا بقتل متظاهرين خلال انتفاضة فبراير/شباط 2011، بحسب مسؤولين بوزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعلنت الثلاثاء، توصل أطراف النزاع الدائر في طرابلس المشاركين في الاجتماع الذي عُـقد بدار الكتاب في مدينة الزاوية 50 كيلومتراً غربي طرابلس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بالعاصمة طرابلس، برعاية رئيس البعثة الأممية غسان سلامة.