"ليس صحيحاً ما يشاع أن وكيل الأزهر الشيخ عباس شومان أطيح به اليوم من منصبه فجأة، وأن السيسي وأجهزته تخلصت منه في إطار خطة السيسي لإحكام قبضته على الأزهر، هذا ليس دقيقاً على الإطلاق".
هكذا ذكر أحد المسؤولين بمقر مشيخة الأزهر بالقاهرة في حديثه لـ"عربي بوست"، مضيفاً أن العكس هو الصحيح، وأن توقيت رحيل شومان عن منصبه كان معلوماً بدقة منذ عام بالتمام والكمال.
وكانت صحف ووسائل إعلام محلية وصفت عدم التجديد لشومان بأنه قرار حديث تم اتخاذه للإطاحة به، لكن الحقيقة مختلفة عن هذا.
إذ أوضح المسؤول الأزهري أن الأمر كان محدداً منذ رفع شيخ الأزهر أحمد الطيب في أغسطس/آب 2017، اسم شومان إلى رئيس الجمهورية ليصدق على التمديد له في منصبه كوكيل للأزهر الشريف لـ 4 سنوات أخرى.
لكن الطيب فوجئ بقرار السيسي رفض التصديق على القرار، مفسّراً ذلك أن شومان بأفكاره وتصوراته "لا يصلح كواجهة للأزهر الشريف".
في ذلك الوقت، كانت الأمور بدأت تتعافى في أعقاب أزمات متتالية بين السيسي والطيب، جزء منها له علاقة بتصورات السيسي عن دور الأزهر السياسي، وجزء آخر له علاقة بما يُعرف حالياً باسم "تجديد الخطاب الديني".
وذكر المصدر أن "الأهم في الأزمة وجوهرها -من وجه نظري- هو رفض السعودية التام لتصرفات الطيب ومواقفه سواءً من الشيعة أو من الفكر الوهابي".
وأكمل المسؤول الأزهري حديثه شارحاً أن الرئيس المصري لم يكن راغباً في التصعيد أو الصدام من جديد مع شيخ الأزهر بخصوص شومان، خاصة أننا بالأخير نتحدث عن موظف.
وأضاف أنه تقرر الوصول إلى حل وسط: التجديد لشومان عام واحد وليس أربعة كما هو المعتاد لهذا المنصب، على أن يترك موقعه بعد ذلك العام بهدوء، وبذلك يكون الطيب حفظ ماء وجهه، وفي نفس الوقت لا يستمر شومان رغماً عن أنف الرئيس في منصبه.
مشكلة شومان ليست مع السيسي بل الأجهزة الأمنية
وحول أسباب غضب السيسي من شومان، أوضح المصدر: "لا أعتقد أن الرئيس شخصياً يعرف شومان أو لديه أزمة مباشرة معه، الإشكالية قادمة من الأمن الوطني بالأساس، فكما تعلم فقد جرت العادة أن المناصب الرفيعة في الدولة يتم الموافقة على شاغليها أولاً من أمن الدولة، وهذا يحدث منذ زمن مبارك ليس جديد علينا".
وأضاف أن تقرير أمن الدولة حول الرجل كان سلبياً كما هو متوقع، فشومان دعم الرئيس الأسبق محمد مرسي بقوة حين تولى المنصب، لدرجة أنه قال عنه يوماً في خطبة عامة "إن الرئيس محمد مرسي أحد أولياء الله في الأرض، ويجب اتباعه"، وهاجم كل من عارضه بدءاً من لجنة الإنقاذ التي وصفها بأنها لجنة الخراب، انتهاء بالأجهزة التي وصفها حينها بالمتخاذلة.
استغلال المنصب وتعيين الأقارب
وفي نفس الوقت كانت التقارير الرقابية تشير إلى أن الرجل استغل منصبه، وعين أقارب له ليسوا فوق مستوى الشبهات المالية والإدارية في مناصب رفيعة بالأزهر.
ومن الأمثلة على ذلك، الشيخ إبراهيم همام صهر شومان، الذي عينه في منصب رئيس منطقة الفيوم الأزهرية، رغم أنه أقيل في 2015 من منصب رئيس منطقة الغربية الأزهرية بعد سلسلة من التحقيقات معه، لكن شومان تجاوز ذلك وعينه في منصب جديد.
وتكرر الموقف مرة أخرى ليجد الطيب نفسه مضطراً لإحراج شومان وإقالة صهره من منصبه الجديد وذلك في فبراير الماضي.
اقرأ أيضاً
السيسي يتجه صوب تمديد مدته الرئاسية.. تفاصيل الزيارة السرية لعباس كامل لواشنطن، وهكذا رد الأمريكيون
ليس إخوانياً
وحول علاقة شومان بالإخوان وما أشيع عن كونه إخوانياً أو خلية نائمة كما قيل، يجيب المسؤول الأزهري الذي عرف شومان لأكثر من 30 عاماً، أن هذا حديث عارٍ تماماً من الصحة.
وأضاف أن شومان "رجل متعاون مع السلطة والنظام، أي سلطة وأي نظام، وحين كان الإخوان في الحكم رفع مرسي لمرتبة النبوة، وحين أتى السيسي وبدأ عصر اجتزاز الإخوان، تعاون شومان مع السلطة في تنقية الأزهر من قيادات إخوانية معروفة الولاء للجماعة، أعرف شومان جيداً وأعرف يقيناً أنه ليس إخوانياً".
أزمة الرجل أن الأمن لا يثق بمن جانب، ومن جانب آخر أنه جاء في لحظة يستشعر فيها السيسي بأن الطيب أوشك على الاستقلال بالأزهر ورفع علم خاص به، "هذا غير صحيح بالمناسبة لكن هذا ما يراه السيسي، الذي يرفض أن يكون مجرد "بصمجي" يعتمد قرارات واختيارات الإمام الأكبر، تجمعت تلك العناصر وتضافرت ونجم عنه حتمية رحيل شومان من منصبه كوكيل للأزهر".
يختتم المسؤول حديثه معنا قائلاً إن شومان لن يجلس في بيته بعد هذا، فهو مازال أمين عام لهيئة كبار علماء الأزهر، وهذه الهيئة تعد الهيئة أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر الشريف، فضلاً عن كونها هي المسؤولة عن انتخاب شيخ الأزهر عند خلو المنصب، وترشيح مفتي الجمهورية.
اختيار بديل متوائم مع السلطة
وعلى جانب آخر ولتجنب أي صدام محتمل مع الأمن أو الرئاسة، قرر شيخ الأزهر تكليف الشيخ صالح عباس، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، بتسيير أعمال منصب وكيل الأزهر، لحين التفاهم مع الدولة حول الاسم القادم وتجنب الإحراج الناجم عن ترشيح اسم من قبل الإمام ورفضه من السلطة.