سيبدأ نشاط البرلمان الجزائري بغرفتيه في 12 سبتمبر/أيلول 2018، في موسمه الجديد 2018/2019 بالمساءلة والبحث عن سر توقف مشروع فيلم الأمير عبد القادر (مؤسس الدولة الجزائرية).
فقد استنكر عدد من البرلمانيين توقف هذا المشروع الذي رعاه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة شخصياً، وتم دعمه بميزانية خيالية باعتباره كما صور في الوهلة الأولى، الفيلم السينمائي الأضخم على الإطلاق في تاريخ الجزائر.
وما زاد من الجدل بشأن مشروع الفيلم، هو منشور الممثل الفلسطيني صالح بيكري عبر صفحته على فيسبوك في 11 أغسطس/آب 2018، والذي كشف عن أمور خطيرة وقعت قبل توقف الفيلم.
سنوات من الترقب
منذ مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2010، والجزائريون يترقبون فيلم الأمير عبد القادر، الذي كان سيصور بين ثلاث ولايات بالغرب الجزائري وهي معسكر حيث تمت مبايعة الأمير، وكذا بوهران وتلمسان.
لكن تقول البرلمانية عن حركة مجتمع السلم فريدة غمرة لعربي بوست "لا شيء ظهر منذ تلك الضجة الإعلامية، التي صورت للجزائريين، عملاً سينمائياً بكل المقاييس العالمية من التصوير والتمثيل والمؤثرات وحتى الإخراج".
وأضافت البرلمانية "من حق الشعب الجزائري معرفة مصير هذا المشروع، ومصير الأموال الضخمة التي صرفت على مدار 08 سنوات كاملة دون الكشف حتى على صور وأماكن التمثيل".
الناقد السينمائي عبد الكريم قادري بدوره تأسف لتأخر المشروع كل هذه المدة، والتي تكشف كما قال لعربي بوست "عن مرض خطير تعاني منه السينما الجزائرية، والتي لا تعرف سوى صرف الأموال دون دراسة ولا تمعن".
فالوزارة الوصية التي كلفت بتسيير ميزانية الفيلم كما قال "عجزت حتى على الحصول على سيناريو ناضج يجسد من خلاله فيلم الأمير عبدالقادر، وذلك بعد صرف الملايير على سيناريوهات رفضت بالكامل"
12 مليون دولار أُنفقت دون تصوير لقطة واحدة
أعطى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، أهمية كبيرة لمشروع فيلم الأمير عبد القادر، وقد تم تخصيصه بميزانية وصلت إلى 20 مليون دولار أي بالعملة المحلية (250 مليار سنتيم).
وبعد ثماني سنوات كاملة، استهلك الفيلم من هذه الميزانية ما قيمته 12 مليون دولار (170 مليار سنتيم بالعملة المحلية)، دون تصوير ولا لقطة واحدة تعيد الأمل في انتظار هذا الفيلم التاريخي الذي يحكي سيرة مؤسس الدولة الجزائرية.
واعتبرت البرلمانية فريدة غمرة "ما سجل بشأن صرف تلك الأموال في مشروع لم تُصور منه ولا لقطة، فضيحة من العيار الثقيل، وعلى القائمين على الحقل الثقافي بالجزائر مصارحة الشعب بما حدث بالضبط لهذا الفيلم والأموال".
كما لم يستطع رئيس كتلة الجزائر الخضراء بالبرلمان الجزائري سابقاً نعمان لعور، فهم ما حدث لأموال الفيلم، وقال لعربي بوست "يجب الكشف بالتفاصيل عن مصير ميزانية هذا العمل السينمائي، والتي تساوي ميزانية دولة صغيرة في إفريقيا" على حد قوله.
فالحديث كما قال "عن 12 مليون دولار مصروفة في (الريح)، هو حديث عن أموال الشعب المقرة بما يزيد عن 170 ملياراً، قيمة لمشاريع تنموية ضخمة، فنحن لا نعارض إنتاجاً سينمائياً راقياً، لكننا ضد التبذير باسم الثقافة والسينما".
الحكومة كانت جمّدت المشروع
في 09 فبراير/شباط 2017 يخرج وزير الثقافة عزالدين ميهوبي تحت قبة البرلمان ليصدم الجميع بتجميد المشروع، بعدما أرجع سبب تجميد فيلم الأمير عبدالقادر، إلى الوضع المالي الصعب الذي تعيشه الجزائر، والذي أثر على كل القطاعات بما فيها قطاع الثقافة.
واستغرب في ذات السياق مرور كل هذه المدة أي منذ عام 2013 والفيلم لم ير النور بعد، رغم المبالغ المالية الضخمة التي خصصت له، والتي فاقت الـ200 مليار سنتيم بالعملة المحلية (20 مليون دولار).
و لم يقدم وزير الثقافة أي موعد عن تصوير الفيلم أو تسليمه، أو حتى الأماكن التي ستكون مسرحاً للتمثيل حتى الآن، مكتفياً بالقول: "الفيلم حالياً متوقف بسبب ضعف عائدات البلاد بسبب تدني أسعار النفط.
الفنان الفلسطيني صالح بكري يخرج عن صمته
على هامش مهرجان الفيلم العربي المنتظم بعاصمة الغرب الجزائر وهران بين 25 و31 يوليو/تموز 2018، ثارت ضجة بعد تسرب أخبار عن تقاضي المخرج الفلسطيني صالح بكري لـ100 ألف دولار عن تأديته دور الأمير عبدالقادر، في الفيلم الذي لم ير النور أصلاً.
صالح بكري خرج عن صمته في منشور له في 11 أغسطس/آب 2018، وفند كل تلك الإشاعات، التي اعتبرها لا أساس لها من الصحة، ولا يدري مصدرها والغرض منها، وفوق ذلك أعطى تفاصيل عن فيلم الأمير عبدالقادر.
وأكد الممثل الفلسطيني استدعاءه عام 2013 من قبل مؤسسة آرك الجزائرية التابعة لوزارة الإشعاع الثقافي الجزائرية، للعمل على فيلم الدولة، فيلم عن مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر الجزائري".
وقال أيضاً صالح بكري "بقيت في الجزائر 08 أشهر أحضر لهذا الدور، وقد قمنا بتصوير يوم تجريبي واحد في كل تلك المدة"، المخرج أرفق بمنشوره إحدى الصور التي التقطت له أمام إحدى الأبواب الخشبية.
وأكد في ذات السياق بأنه "لم يمض حتى عقد العمل من باب الثقة بين الجزائر وفلسطين، وشرف تقمص دور هذه الشخصية التاريخية الكبيرة (الأمير عبدالقادر)، وبالتالي لم أستلم أي أموال في مشاركتي بهذا الفيلم الذي يبدو أنه أُلغي".
عام ٢٠١٣ استدعتني مؤسسة آرك الجزائرية التابعة لوزارة الإشعاع الثقافي الجزائرية الى الجزائر للعمل على فيلم الدولة، فيلم…
Geplaatst door Saleh Bakri op Zaterdag 11 augustus 2018
القضاء الجزائري لم ينصف بطل العمل
"رفضت محكمة جزائرية الدعوة القضائية التي رفعها الممثل الفلسطيني لاستلام مستحقاته في تأدية دور الأمير عبدالقادر أيام التحضير لهذا الإنتاج، بحجة أن العقد لم يكن ممضى من قبل الممثل أصلاً"
هذا ما تطرق إليه الممثل صالح بكر في منشوره بحيث قال " كنت مبهوراً بكوني في الجزائر الغالية، وسعيداً جداً بالدور الذي شرفتني الجزائر القيام به، ولذلك لم يهمني العقد ولا المبلغ الذي كان قليلاً مقارنة بما خصص للتقنيين والمخرج من أوروبا".
وأضاف "آمنت بأنه من المستحيل أن تقوم مؤسسة جزائرية حكومية محترمة بالنصب والاحتيال على ممثل فلسطيني جيء به خصيصاً للعمل في الجزائر، ولذلك توانيت عن توقيع العقد ولم يسمح لي بتوقيعه عندما طلبت ذلك قبل مغادرتي الجزائر".
رغم ذلك يردف "لم أرفع دعوى ضد مؤسسة آرك إنما ضد المنتج المنفذ للفيلم آنذاك وهو فرنسي واسمه سيرج طوبول، ووكلت لذلك محامياً فرنسياً لكن بعد فترة وجيزة قام هذا المحامي الفرنسي بنقل الملف دون علمي أو موافقتي لمحام جزائري والذي بدوره رفع دعوى ضد مؤسسة أرك في الجزائر".
المحامي بحسب المنشور تواصل مع صالح بكر عبر الإيميل فقط وأعلمه بعد الجلسة الثالثة بأنه لم يحضر أي ممثل عن مؤسسة آرك إلى كل أطوار المحاكمة ومع ذلك حكمت المحكمة لصالح المؤسسة بحجة أن العقد غير مُوقع".
هذه الأحداث كما قال الممثل الفلسطيني "مر عليها 4 سنوات، ولولا الضجة التي أثيرت في مهرجان وهران للفيلم العربي لما تم التطرق إليها".
هل توقف المشروع بسبب "إسرائيل"؟
رد بعض المتتبعين للشأن السينمائي، سبب توقف فيلم الأمير عبد القادر الجزائري، إلى التلاعبات التي مورست في قبول السيناريوهات، وكذا اختيار المخرج، خاصة بعد تداول أسماء لأشخاص مؤيدين لإسرائيل شاركوا في الفيلم.
وقال موقع الجزائرية وإن "تجميد أو ربما إلغاء إنجاز الفيلم التاريخي عن الأمير عبدالقادر، يأتي بعد أن كشف الصحافي محمد علال هوية كاتب سيناريو الفيلم والذي لم يكن السيناريست الإيطالي المشهور، كما لم يكن الباحث الجزائري زعيم خنشلاوي، بل كان سينارسيتاً فرنسياً، ومنتج الفيلم فرنسي يهودي مؤيد لإسرائيل؟".
وهو ما أكده الممثل الفلسطيني صالح بكر في منشوره الأخير، بعدما كشف عن الأموال الكبيرة التي تقاضاها التقنيون والمنتجون وكتاب السيناريو، والذين هم من أوروبا، ليكشف عن اسم المنتج المنفذ وهو فرنسي واسمه سيرج طوبول.
واعتبرت البرلمانية فريدة غمرة عن حركة مجتمع السلم في حديثها لعربي بوست "الاستعانة بالمؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الأعمال التاريخية الجزائرية، فضيحة أخرى، تضرب مواقف الجزائر تجاه فلسطين".
فساد كبير ومشكلات كثيرة!
الناقد السينمائي عبد الكريم قادري، تحدث عن الفساد الذي طال الفيلم، بعد صرف 170 مليار سنتيم بالعملة المحلية (12 مليون دولار).
وقال قادري لعربي بوست "فيلم الأمير عبدالقادر تحوم حوله العديد من شبهات الفساد إذ أن 170 ملياراً التي صرفت عليه، ذهبت أدراج الرياح، رغم التعطش الكبير للجزائريين في مشاهدة الفيلم جاهزاً منذ 4 سنوات".
والفساد بحسب قادري لم يطل فقط فيلم الأمير عبدالقادر، فهناك العديد من المشاريع السينمائية غرقت في نفس البؤرة، من بينها يقول: "مثلاً مؤسسة إنتاج أخذت مليار سنتيم لكتابة سيناريو حول المناضلة البربرية للاستعمار الفرنسي لالة فاطمة نسومر، وصرف المبلغ لكن السيناريو لم يكتب، وأنتجته جهة أخرى".
ولم يتوقف الناقد عند هذه النقطة وقال بأن فيلم الأمير عبدالقادر وبالإضافة إلى الفساد والتبذير، فإن هناك مشاكل طرحت مع عائلة مؤسس الدولة الجزائرية كما أن هناك أيضاً مشاكل أيديولوجية، لأن هناك جهات في النظام لا تريد أن يرى هذا الفيلم النور، لهذا يتم خلق هذه المشاكل، يقول قادري.
هل يتأثر التاريخ بهذه المشكلات؟
يتخوف متتبعون في الجزائر، أن تطال هذه المشاكل جميع المشاريع التي ترمي إلى توثيق الشخصيات التاريخية والثورية الجزائرية، من خلال أعمال سينمائية.
ويعتبر الباحث في التاريخ بجامعة الجزائر، الدكتور محمد أمين بلغيث، أن تصوير الأفلام التي تجسد الشخصيات التاريخية، هو جزء مهم في أرشفة وكتابة التاريخ، لأن الصورة تكون أبلغ وأكثر متابعة.
ويقول بلغيث لعربي بوست: "نسعد كثيراً بسماع أخبار عن تصوير أفلام عن تاريخ الجزائر، وكنت في قمة الفرح بخبر إنتاج فيلم الأمير عبدالقادر، لكني استغربت لتجميده، وأخاف أن تطال المشاكل جميع الأعمال في هذا الإطار".
ويردف: "نحن كباحثين مستعدون لتقديم السند والدعم لكتاب السيناريو، والمخرجين، رغم أن هؤلاء قل ما يطلبون مساعدتنا، لا ندري لماذا؟".