ما زال أكراد سوريا يبحثون عن طوق النجاة من بوابة التسوية السياسية مع النظام، لكن عامل الوقت يسير عكس رغباتهم، في ظل الخوف المستمر من تنفيذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وعودَه بالانسحاب من سوريا، وهو الذي أوقف دفعة مالية جديدة إلى سوريا، ما يضع الأكراد تحت الضغط، خوفاً من مواجهة ذات المصير الذي واجهته المعارضة المسلحة من قبل، وآخره كان في درعا.
وشهدت آخر جلسات التفاوض بين الطرفين خلافات كبيرة وتشنّجاً وصل حدَّ إصدار دمشق مذكرات توقيف بحق فريق التفاوض الكردي، ما دفع روسيا إلى التدخل، وأعادتهم إلى القامشلي على متن طائرة "اليوشن" المخصصة للشحن.
مؤشرات على اتفاق مبدئي لكن لا مفاوضات إلى أجل غير مسمى
مراقبون رجَّحوا أن يكون هناك توافق مبدئي بين النظام والأكراد مهَّد لجلسات التفاوض الحالية، وأشاروا إلى وجود مؤشرات على ذلك بدأت بإزالة الإدارة الذاتية التي شكَّلها الأكراد، لصور زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبدالله أوجلان، والأعلام والشعارات، من الساحات الرئيسية والطرق في المدينة وفي مدن وبلدات أخرى.
وقال سيهانوك ديبو، مستشار حزب الاتحاد الديمقراطي في تصريح خاص لـ "عربي بوست" إن المفاوضات مع النظام ما زال أمامها طريق طويل، ولفت إلى أن اللقاء الثاني "ناقش تطبيق نظام الإدارة الذاتية كنموذج على كل سوريا"، منوها بأن قانون الإدارة المحلية الخاص بالحكومة السورية يمكن أن يصبح جزءاً من الإدارة الذاتية، وليس بديلاً عنها.
وفي غياب الردِّ الرسمي من النظام السوري على الطرح الكردي، فإن الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، تصرُّ على أن الإدارة الذاتية إحدى "مكتسبات حربنا على داعش ومواجهتنا للاستبداد… ولن نفرط بها".
إنهاء الاجتماع بتشنج الطرفين
على الرغم من النتائج الجيدة التي خرج بها الطرفان في الاجتماع الأول، والذي نتج عنه "تشكيل لجان على مختلف المستويات لتطوير الحوار والمفاوضات"، فإن الزيارة الثانية إلى دمشق كانت عكس التوقعات، وقال مصدر كردي معارض، إن الوفد الكردي رفض الانخراط في أي تعاون عسكري قبل الاتفاق على الحكم المحلي، وهو ما تسبَّب في وقوع خلاف كبير جعل ممثلي النظام يغضبون ويهددون باعتقال كامل الوفد، لولا تدخل ضابط روسي حضر الاجتماع، الذي عمل على نقلهم إلى القامشلي عبر طائرة "اليوشن"، وهي طائرات مخصصة للشحن.
من جانب آخر، نفت جهات مقرَّبة من حزب الاتحاد الديمقراطي صحة هذه الأخبار، وعزت مثل هذه الشائعات إلى جهات مغرضة مناوئة لها.
النظام يسعى إلى تعاون عسكري فقط
فيما أوضح مصدر خاص من المعارضة السورية، أن "المفاوضات متعثرة"، وأضاف قائلاً: "كلا الطرفين يبحثان عن مقايضة سياسية، لكن الأجندات متضاربة".
وبيّن لـ "عربي بوست" أن النظام يريد استخدام القوات الكردية في معركة إدلب القادمة، وعلى الأخص في الجهة الشرقية الجنوبية من المدينة الملاصقة للطريق الدولي، الذي يمر من مدينة معرة النعمان وسراقب باتجاه حلب، فيما يسعى الأكراد لانتزاع موافقة النظام على الإدارة الذاتية.
وأضاف أن النظام غير مستعجل لإجراء تسوية أو تفاهم سياسي مع الأكراد، لكسب المزيد من الوقت، وخاصة أنه يعوّل على الرغبة الأميركية في الانسحاب من كامل سوريا، وهو ما سيجعل الأكراد يلقون نفس المصير الذي واجهته المعارض السورية المسلحة في مناطق مختلفة.
الرئيس المشترك لـ "حركة المجتمع الديمقراطي" آلدار خليل، كان قد أعلن سابقاً استعدادهم لمشاركة النظام بمعركة إدلب، وقال: "لا نرى أننا بعيدين عن أن نكون طرفاً أكثر تأثيراً في إدلب"، فيما ذهب الرئيس المشترك لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" رياض درار، إلى أبعد من ذلك، وأكد لـ "عربي بوست" أن "قوات سوريا الديمقراطية" حملت السلاح لمحاربة التطرف والإرهاب، وليس لمقاتلة الجيش السوري، وأضاف: "في المستقبل ستكون هذه القوات جزءاً من هذا الجيش".
استرداد كامل المناطق وتطبيق القانون 107
ويصرُّ النظام السوري على استرداد كامل الأراضي السورية، بما فيها مناطق "الوحدات الكردية" شمال شرقي سوريا، إذ كان الرئيس السوري بشار الأسد قد وضعهم في وقت سابق أمام خياري المفاوضات أو الحسم العسكري.
وأوضح سمير عليوي، أمين المعهد الوطني للإدارة العامة سابقاً، أن الأكراد في سوريا "تراجعوا عن مطالبهم السابقة والمعلنة حول شكل الدولة"، التي كانت تتمثل في الدولة الفيدرالية، مشيراً إلى أن اللامركزية الإدارية التي من الممكن أن يسمح بها النظام هي "إعطاء صلاحيات عادة ما تكون من قبيل الخدمات البلدية، وذلك من ضمن القانون 107 الذي صدر عام 2011".